2024/12/30
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ  أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ  فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ إِلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ,

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ  أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ  فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ إِلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ, فَقَالَ الْآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ - نَعَمْ. فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ, وَأْذَنْ لِي, فَقَالَ: «قُلْ». قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ, وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ, فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمَائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ, فَسَأَلَتُ أَهْلَ الْعِلْمِ, فَأَخْبَرُونِي: أَنَّمَا عَلَى ابْنِيْ جَلْدُ مَائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ, وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ, الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ, وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ, وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا, فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, هَذَا وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

(1218) 03- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «خُذُوا عَنِّي, خُذُوا عَنِّي, فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا, الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ, وَنَفْيُ سَنَةٍ, وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ, وَالرَّجْمُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

تخريج الحديثين:

حديث أبي هريرة وزيد بن خالد L: رواه البخاري (2695)،
ومسلم (1697).

حديث عبادة بن الصامت I: رواه مسلم (1690).


فقه الحديثين:

المسألة الأولى: حد الزاني البكر([1]):

هو غير المحصن أي: الذي لم يتزوج-.

وقد أجمع العلماء على أن حد الزاني البكر الذكر أو الأنثى مائة جلدة، قال E: ﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖ [النور: ٢]، وثبت هذ أيضًا- في السنة النبوية.

واختلفوا في تغريبهما - نفيهما من بلدهما-؛

أولًا: تغريب الزاني.

مذهب الحنفية، ورواية لأحمد: أنه لا يغرب الزاني، فلم يذكر في الآية السابقة إلا الجلد فقط، ولم يذكر التغريب، وما جاء في بعض الأحاديث من تغريبه عامًا كاملًا؛ فهو إما منسوخ بالآية، وإما أنه من باب التعزير الذي يراه الحاكم بحسب المصلحة، وأما أنه ناسخ للآية، فلا يعتبر به، فلا ينسخ القرآن المتواتر بخبر الآحاد.

ومذهب جمهور العلماء: أنه يجب أن يغرب عامًا كاملًا، فقد ثبت هذا عن النبي H، فهي زيادة ثابتة، فوجب الأخذ بها، ودعوى النسخ لا دليل عليها، بل القصة التي ذكرها أبو هريرة I كانت بعد آية سورة ]النور[، لأن أبا هريرة I ذكر في بعض طرق القصة أنه شهدها، وإنما هاجر إلى المدينة بعد حادثة الإفك، وليس التغريب نسخًا للآية، وإنما زيادة لما فيها.

وهذا التغريب يعتبر حدًّا، وليس من باب التعزير، فقد ذكر والد العسيف أنه افتدى ابنه بوليدة -وهي الجارية- ومائة شاة، فردها عليه رسول الله H وقال: «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ،... وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ»، وفي حديث عبادة I: «البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ»، أي: عقوبته وحده جلد مائة ونفي سنة.

وهذا هو الراجح.

ثانيًا: تغريب الزانية.

مذهب المالكية، ورواية لأحمد: أنها لا تغرب، لأنها تحتاج إلى حفظ وصيانة، وربما كان التغريب سببًا لوقوعها في الفاحشة، ولأنها إذا غربت بدون محرم تعرضت للفتنة، ولا يجوز لامرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، وإن غربت مع محرم ترتب عليه تغريب من ليس بزانٍ ونفي من لا ذنب له.

وأكثر أهل العلم على أن الزانية تغرب سنة أيضًا؛ لعموم قوله H: «البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ».

ولا تغرب إلا مع ذي محرم برضاه، أو في مكان آمن أو قريب أقل من مسافة السفر، ويؤكد هذا قوله H: «فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً»، أي: بديلًا عن الحبس الجلد والتغريب.

وإذا لم يوجد محرم، وخشي عليها الفتنة؛ فلا تغرب، لأن مفسدة تغريبها أشد من مفسدة ترك التغريب.

المسألة الثانية: حد الزاني الثيب([2]):

هو المحصن الذي قد تزوج.

وقد أجمع العلماء على أن حد الزاني الثيب الذكر أو الأنثى الرجم حتى الموت، لثبوت هذا عن النبي H في أحاديث متعددة، منها قوله: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا».

واختلفوا في جلده قبل رجمه؛ فمذهب الظاهرية، وقول للشافعي، ورواية لأحمد: يجلد مائة ثم يرجم، فقد قال النبي H في حديث عبادة I: «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ».

ومذهب جمهور العلماء أنه يرجم بدون جلد، فقد قال النبي H: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»، ولم يأمره بالجلد مع الرجم، وهكذا أمر النبي H برجم ماعز والغامدية والجهنية M واليهوديين ـ وسيأتي تخريجها ـ ولم يأمر مع الرجم بالجلد.

وحديث عبادة بن الصامت I كان في أول الأمر، كما هو ظاهر من سياق الحديث، وهذه الوقائع كانت بعده، فقد قال النبي H: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً»، أي: للمرأة الزانية البكر أو الثيب، فقد كانت تحبس في البيت حتى الموت، لقوله D: ﴿ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا [النساء: ١٥]، ثم ذكر النبي H السبيل الذي جعل الله لهن، وهو ما ذكر في الحديث، فهذا كان أولًا بيانًا للسبيل الذي جعله الله بدلًا عن الحبس في البيوت، والوقائع المذكورة كانت بعده.

وهذا هو الراجح.

 

([1]) شرح مسلم (11/158)، تفسير القرطبي (5/58)، بداية المجتهد (2/436)، المغني (12/322)، فتح الباري (14/121)، أضواء البيان (6/66).

([2]) المحلى مسألة (2204)، بداية المجتهد (2/435)، شرح مسلم (11/157)، المغني (12/308، 313)، فتح الباري (14/78)، الإنصاف (10/170)، أضواء البيان (6/41).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1181