2024/12/30
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حَصِينٍ : أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللَّهِ  وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! أَصَبْتُ حَدًّا,

وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حَصِينٍ : أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ
نَبِيَّ اللَّهِ  وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! أَصَبْتُ حَدًّا, فَأَقِمْهُ عَلَيَّ, فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ H وَلِيَّهَا. فَقَالَ: «أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا». فَفَعَلَ. فَأَمَرَ بِهَا فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا, ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ, ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا, فَقَالَ عُمَرُ: أَتُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ? فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ, وَهَلْ وَجَدَتْ أَفَضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ?». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

تخريج الحديث:

حديث عمران بن حصين I: رواه مسلم (1696).

فقه الحديث:

المسألة الأولى: إقامة حد الزنى على الحامل والمرضع([1]):

أجمع العلماء على أن حد الزنى لا يقام على الحامل حتى تضع، وسواء كان حدها الجلد أم الرجم.

وأما المرضع؛ فيقام عليها حد الجلد، ولا تترك حتى تنتهي من الرضاع، لأنه لا ضرر على الصبي بإقامة حد الجلد عليها.

واختلفوا في إقامة حد الرجم عليها:

فمذهب الحنفية، ورواية لمالك: ترجم ولا تبقى حتى ترضعه وتفطمه، ولو لم يوجد من يقوم لها بذلك، فقد أتت امرأة من جهينة وهي حبلى من الزنى، فقال النبي H لوليها: «أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا، فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ»، ولم يسأل عن رضاع مولودها.

ومذهب الشافعية والحنابلة، والمشهور عن مالك: أنها لا ترجم حتى يوجد من يرضعه، فإن لم يوجد أرضعته هي، وترجم بعد فطامه، ففي ]صحيح مسلم[ أن امرأة غامدية زنت وهي حبلى ثم وضعت فقال لها النبي H: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ»، وفي رواية: «إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا».

ولم يسأل عن حال ولد الجهنية، ربما لأنه وجد من وليها من يقوم برضاعه.

وهذا هو الأرجح.

المسألة الثانية: الحفر للمرجوم والمرجومة عند إقامة الحد([2]):

اختلف العلماء في هذه المسألة:

فقيل: لا يحفر لأحد منهما، لأن أكثر الأحاديث عليه، فقد أمر النبي H بالمرأة الجهنية فشكت عليها ثيابها أي: شدت- ثم أمر بها فرجمت، ولم يأمر بالحفر لها، وفي ]صحيح مسلم[ عن أبي سعيد I قال في قصة رجم ماعز I: «فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَالَ: فَمَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ».

وهذا هو المشهور عند المالكية وعند الحنابلة.

وقيل: لا يحفر للرجل، والإمام مخير في المرأة، فلم يأمر النبي H بالحفر للمرأة الجهنية، لكنه أمر بالحفر للمرأة الغامدية، كما في ]صحيح مسلم[ من حديث بريدة I.

وهذا هو المشهور عند الحنفية.

وقيل: يحفر للرجل والمرأة، فالمرأة؛ لحديث الغامدية، والرجل؛ لما جاء في ]صحيح مسلم[ عن بريدة I قال في قصة رجم ماعز I: «فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ»، والمثبت مقدم على النافي.

ولم يحفر لآخرين؛ لأنه ليس واجبًا وإنما يستحب.

وهذا مذهب بعض الحنفية وبعض المالكية.

وقيل: الإمام مخير فيهما في ذلك - جمعًا بين الأدلة -، بحسب ما يرى من المصلحة.

وهو قول بعض الشافعية، ورجحه ابن عثيمين V ([3]).

المسألة الثالثة: الصلاة على من قتله الإمام حدًّا([4]):

لا خلاف بين الفقهاء أنه يصلى عليه، فهو من المسلمين.

والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن الإمام يصلي عليه أيضًا مع الناس، فالحدود كفارة، وقد صلى النبي H على الجهنية ورد على عمر I عندما أنكر صلاته عليها بأنها قد تابت توبة نصوحًا، وأنها «لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ»، أي: على سبعين عاصيًا لكفتهم في
رفع آثامهم.

 

([1]) شرح مسلم (11/169)، المفهم للقرطبي (5/97)، المغني (12/327)، فتح الباري (14/111).

([2]) المغني (12/311)، شرح مسلم (11/165)، المفهم للقرطبي (5/92)، شرح البخاري لابن بطال (8/438)، فتح الباري (14/86، 89)، الإنصاف (10/161)، أضواء البيان (6/50).

([3]) الشرح الممتع، الطبعة المصرية (6/114).

([4]) شرح مسلم (7/40)، المغني (3/504).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1185