- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي, قَامَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الْمِنْبَرِ, فَذَكَرَ ذَلِكَ وَتَلَا الْقُرْآنَ, فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا الْحَدَّ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ.
وأشار إلِيه البخاري.
تخريج الحديث:
حديث عائشة J: رواه أحمد (6/35)، وأبو داود (4474)، والنسائي في الكبرى (6/489)، والترمذي (3181)، وابن ماجه (2567)، والبيهقي (8/250) من طريق ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث في بعض الطرق، فإسناده حسن.
فقه الحديث:
أجمع العلماء على أن حد القذف ثمانون جلدة، لقوله E: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ ﴾ [النور: ٤]، وقالت عائشة J: إن النبي H تلا الآيات التي فيها براءتها ثم أقام حد القذف على رجلين وامرأة.
ويشترط لإقامة حد القذف أن يكون القاذف عاقلًا بالغًا مختارًا غير مكره باتفاق الفقهاء.
وأن يكون المقذوف حرًّا مسلمًا عفيفًا عند جمهور العلماء، وهو الراجح، فقد قال E: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ ﴾ [النور: ٢٣]، فالغافلات هن العفيفات من الزنى، والمحصنات هن الحرائر، وليس المراد بهن العفيفات، وهذا كقوله E: ﴿ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ ﴾ [النساء: ٢٥]، أي: على الإماء نصف ما على الحرائر من الحد.
وخرج بقوله ﴿ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ﴾: الكافرات، وقد قال D: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ ﴾ [النور: ٤]، والمحصنات هنا: المسلمات الحرائر العفيفات.
ونصت الآيتان على قذف النساء؛ لأنه أشد وأعظم، وإلا فقذف الرجال محرم، وفيه الحد باتفاق الفقهاء
ويشترط في المقذوف -أيضًا- أن يكون بالغًا عاقلًا، على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب الشافعية والحنابلة ورواية لأحمد؛ لأن زنى الصبي والمجنون لا يوجب عليه حدًّا، فلو تحقق فعلًا زناهما لم يجب الحد عليهما، فكذلك لم يجب الحد بالقذف لهما، ولأن الزنى لا يتصور من المجنون والصبي، فكان قذفهما به كذبًا محضًا.
فعلى ما سبق: من قذف عبدًا أو ذميًّا أو صبيًا أو مجنونًا؛ فهو آثم ويُعزَّر، ولا حد عليه.
كأن يقول شخص لآخر: «ما أنا بزانٍ»، أو «ما أمي بزانية».
اختلف العلماء في الحد عليه:
فمذهب المالكية، ورواية لأحمد: أن عليه حد القذف؛ لأن الكناية تقوم مقام التصريح في العادة والاستعمال عند وجود القرينة، وهي موجودة هنا، وهي المخاصمة والمشاجرة بين الشخصين، فيصرف المعنى إلى أحد الاحتمالين،
وهو القذف.
ولما رواه مالك (2/829)، والدارقطني (3/209)، والبيهقي (8/252) في رجل قال لآخر: «ما أبي بزانٍ ولا أمي بزانية» فقال عمر I: «قد عرض بصاحبه»، فجلده الحد. ورجال إسناده ثقات.
ومذهب الحنفية والشافعية، ورواية لأحمد: أنه لا حد عليه؛ لأن كلامه يحتمل القذف وعدمه، فلا يحد الشخص بالاحتمال للشبهة، وقد سبق أن رجلًا قال لرسول الله H: «إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ»، يعرض بنفيه، فلم يلزمه الحد بذلك.
وقد فرق الشرع بين التعريض والتصريح في مواطن: في خطبة المتوفى عنها زوجها، وفي الطلاق، ونحوها.
وما جاء عن عمر I قد خالفه بعض أصحابه الحاضرين فقالوا: «مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ».
وهذا هو الأرجح.
إن قذفهم بكلمة واحدة -كقوله: «كلهم زانٍ»-؛ فالمشهور عند الشافعية، وقول بعض الحنفية، ورواية لأحمد: عليه عن كل واحد منهم الحد؛ لأنه يعتبر قاذفًا كل واحد منهم بهذه العبارة، ولأنه ألحق العار بكل واحد منهم.
ومذهب جمهور العلماء: أن عليه حدًّا واحدًا، لأنه قذف واحد، فلم يجب فيه إلا حد واحد، وقد قال D: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ ﴾ [النور: ٤]، ولم يفرق بين قذف واحد أو جماعة.
وقد قذف أبو بكرة I المغيرة I بالزنى بامرأة معينة، فأقام عليه عمر I حدًّا واحدًا، مع أنه يعتبر قاذفًا للمغيرة I والمرأة.
وهذا هو الراجح.
وأما إذا قذف الجماعة بكلمات متعددة، كقوله لكل واحد منهم: «أنت زانٍ»؛ فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه يحد لكل واحد منهم، وهو مذهب الحنفية والشافعية، والمذهب عند الحنابلة؛ لأنها حقوق لآدميين فلم تتداخل، كالديون والديات.
فللورثة المطالبة بالحد لإلحاق العار بهم، وهذا مذهب الأئمة الأربعة.
ولو طالب به بعضهم وعفا عنه بعضهم؛ فيقام الحد –أيضًا- تحقيقًا للزجر والردع الذي شرع الحد من أجله، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو الراجح.
([1]) المحلى مسألة (2233)، المغني (12/384، 403)، الإنصاف (10/203)، الموسوعة الفقهية الكويتية (2/227)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5407).
([2]) المغني (12/393)، الموسوعة الفقهية الكويتية (12/250)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5402).
([3]) المغني (12/406)، الإنصاف (10/223)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5403)، التداخل في العبادات، د/ الخثلان (2/838).
([4]) الإنصاف (10/221)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5414).