2024/12/30
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ  قَالَ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ, يَعْنِي: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195

وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ  قَالَ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ, يَعْنِي: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. قَالَهُ رَدًّا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ حَمَلَ عَلَى صَفِ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ, وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ, وَابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ.

تخريج الحديث:

حديث أبي أيوب الأنصاري I: رواه أبو داود (2512)، والنسائي في الكبرى (10/27)، والترمذي (2972)، وإسناده صحيح.

فقه الحديث:

المسألة الأولى: المسلم يحمل على العدو وحده([1]):

عامة العلماء على أنه يجوز للمسلم أن ينغمس في صف الكفار ويقاتلهم وحده - وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه - إذا كان فيه مصلحة للمسلمين، ونفع لهم، وإعزاز لدين الله E، ونكاية بالعدو وإرهاب لهم، ويدخل في قوله D: ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ [البقرة: ٢٠٧]، وقوله E: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَ [التوبة: ١١١]، ولا يكون من إلقاء النفس في التهلكة.

ولما غزا المسلمون القسطنطنية، وفيهم أبو أيوب الأنصاري I، وكان الروم ملصقي ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل عليهم ودخل في صف الروم، «فَقَالَ النَّاسُ: مَهْ مَهْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ -يَعْنِي: ﴿ وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ [البقرة: ١٩٥]- فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَمَّا نَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ قُلْنَا: هَلُمَّ نُقِيمُ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحُهَا، وَنَدَعُ الْجِهَاد»، أي: عند الانشغال بالدنيا وترك الجهاد.

وأما إذا لم تحصل مصلحة للمسلمين أو نكاية للعدو؛ فلا يجوز هذا الفعل، لأنه يعرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين ولا نكاية للعدو ولا يحصل به إعزاز للدين، ويكون هذا الفعل في هذه الحالة من التهور.

المسألة الثانية: المسلم يفجر نفسه بين الأعداء([2]):

ذهب جماعة من المعاصرين: منهم ابن منيع والزحيلي والقرضاوي والبوطي إلى جواز هذا الفعل إذا حسنت النية وغلب على ظن الفاعل حصول المنفعة به، كقتل بعض من العدو.

واستدلوا بقصة الغلام والساحر؛ حيث أمر الغلام الملك أن يقتله لأجل ما فيه من منفعة للدين، وقياسًا على جواز انغماس المسلم في صف العدو.

وذهب جماعة من العلماء: منهم الشيخ الألباني وابن باز وابن عثيمين والوادعي V والفوزان - حفظه الله - إلى تحريم هذا الفعل، واعتبروه من الانتحار للآتي:

  1. أنه يعتبر قاتلًا لنفسه بهذا الفعل.
  2. عدم وجود مصلحة كبرى للمسلمين من فعله هذا، وإنما هو مجرد قتل لبعض العدو، وربما قتِل ولم يقتل أحدًا، وربما ازدادت شدة الأعداء على المسلمين.
  3. أن هذا تصرف فردي؛ لعدم وجود أمير شرعي يأتمر المسلمون بأمره في القتال.

والاستدلال على جواز فعله بقصة الغلام استدلال غير صحيح، فقد أمر الغلام بقتل نفسه لأجل مصلحة إظهار الدين والنكاية بالعدو، فحصل منه دخول أمة عظيمة في دين الله D.

وأما ما يحصل من هذه العمليات الانتحارية؛ فليس فيه إلا قتل لبعض أفراد العدو، وربما لم يقتل أحدًا منهم، فلا ينهزم العدو ولا ينتصر المسلمون بفعله هذا.

وقياس هذا الفعل على الانغماس في صف العدو قياس مع الفارق؛ ففي الانغماس بينهم يقتل عدوه وجاء قتله تبعًا لذلك، وقد يمكنه الهروب منهم والنجاة. وأما في تفجير نفسه بينهم؛ فهو قَتَل نفسه أولًا ليقتل غيره، فهو أقدم على قتل نفسه ابتداءًا.

والقول بتحريم هذا الفعل هو الراجح.

 

([1]) تفسير القرطبي (2/363)، مجموع الفتاوى (28/540)، مشارع الأشواق (1/557)، رسالة قاعدة الانغماس في العدو لابن تيمية، فتح الباري (8/149)، حاشية ابن عابدين (10/303).

([2]) شرح رياض الصالحين للعثيمين (1/165)، الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية (ص/172)، مجلة الدعوة، العدد (1598)، العمليات الاستشهادية، د/ نواف هايل.

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1230