- وَعَن عمر قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ, مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ, فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ خَاصَّةً, فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ, وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ, عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث عمر I: رواه البخاري (2904)، ومسلم (1757).
فقه الحديث:
الفيء: هو المال المأخوذ من الكفار بدون قتال، كما لو هربوا وتركوه.
وهو لجميع المسلمين باتفاق العلماء، لقوله E: ﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ... ٧ وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ... ١٠ ﴾ [الحشر: ٧ - ١٠]، فذكرت هذه الآيات المستحقين للفيء، وهم: الله، ورسوله، وذو القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، والمهاجرون، والأنصار والتابعون لهم.
ويرجع أمره إلى الإمام، يقسمه كيف يشاء في مصالح المسلمين، لأن أموال بني النضير صار أمرها إلى رسول الله H، فقد قال عمر I: «كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ –أي: لم يحمل عليه المسلمون بخيل ولا إبل، فدخلوها بدون حرب -، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ H خَاصَّةً –أي: يجعلها حيث شاء ولا تقسم بين المجاهدين كالغنائم-، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ –أي: يدخر لأهله قوت السنة-، وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الكُرَاعِ –أي: الخيل- وَالسِّلَاحِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
لكنهم اختلفوا في تخميس الفيء، أي: في إخراج الخمس منه:
فمذهب الشافعي، وبعض الحنفية، ورواية لأحمد: أن الفيء يخمس كما تخمس الغنيمة، ويعطى هذا الخمس المذكورين في قوله D: ﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ﴾ [الحشر: ٧]، كخمس الغنيمة.
والباقي وهو أربعة أخماس ينفق في مصالح المسلمين بنظر الإمام؛ جمعًا بين الآية والأخبار.
وعند جمهور العلماء: أن الفيء لا يخمس، وإنما يكون كله لمصالح المسلمين المذكورين في الآيات السابقة، فالله جعله لهم ولم يذكر تخميسًا، فالخمس إنما يجب في الغنائم، لأنها كلها للمجاهدين، فيؤخذ الخمس للمذكورين خاصة في قوله E: ﴿ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [الأنفال: ٤١]. فلا تعارض بين الآية والأحاديث.
ومذهب الجمهور هو الراجح.
([1]) تفسير القرطبي (18/12)، شرح مسلم (12/62)، فتح الباري (6/330)، الموسوعة الفقهية (32/232)، آثار الحرب (ص/575).