وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا, فَأَقَمْتُمْ فِيهَا, فَسَهْمُكُمْ فِيهَا, وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ, فَإِنْ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ, ثُمَّ هِيَ لَكُمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة I: رواه مسلم (1756).
فقه الحديث:
أجمع العلماء على أنه يؤخذ من الغنائم خمسها، فتعطى للأصناف المذكورين في قوله D: ﴿ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [الأنفال: ٤١].
واختلفوا في كيفية توزيع هذا الخمس بينهم؛
فمذهب جماعة من السلف والشافعية وأحمد والظاهرية: أنه يقسم خمسة أسهم، سهم لله ورسوله، وسهم للأقربين وهم أهل البيت، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، وهذا ظاهر الآية السابقة.
ومذهب أكثر السلف ومالك، وجماعة من المحققين -كابن تيمية وابن القيم وابن كثير -رحمهم الله –: على أن توزيعه موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ منه من غير تقدير ويعطي القرابة قدرًا باجتهاده، ويصرف ما بقي في البقية بحسب المصلحة، كما يتصرف في مال الفيء، فهذا الذي كان يعمله النبي H والخلفاء M من بعده، فلم يؤثر عنهم أنهم قسموه أخماسًا.
وهذا هو الأرجح.
وعامة العلماء على أن الأربعة الأخماس المتبقية من الغنيمة للمجاهدين، فقد قال رسول الله H: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا، فَأَقَمْتُمْ فِيهَا –أي: من غير حرب-، فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ –أي: حاربت وقاتلت، فَإِنْ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ –أي: ما تبقى وهي أربعة أخماس للمجاهدين-».
جمهور العلماء على أن سهم النبي H بعد موته يرجع إلى بيت مال المسلمين، فيقسم في مصالح المسلمين بحسب ما يراه إمام المسلمين.
في هذه المسألة قولان:
القول الأول: تقسم الأرض بين المجاهدين الغانمين كما تقسم سائر الغنائم؛ لعموم قوله H: «وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنْ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ»، فهذا حكم عام يشمل كل ما أخذ من الكفار في الحرب.
وما جاء عن رسول الله H والخلفاء من عدم قسمة بعض الأراضي المغنومة إنما كان برضى الغانمين، أو كان من الفيء.
وهذا مذهب الشافعية والظاهرية، وقول لمالك، ورواية لأحمد.
القول الثاني: الإمام فيها بالخيار، إما يقسمها بين الغانمين، كما يفهم من الحديث السابق.
وإما يقسم بعضها ويوقف الباقي لمصالح المسلمين، كما فعل بأرض خيبر، فروى الإمام أحمد (4/37) وأبو داود (3012) عن رجال من الصحابة: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ H خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَتِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ»، وإسناده صحيح، وفي ]صحيح البخاري[ عن عمر I قال: «لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا –أي: معدمين- لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ H خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا –أي: تحفظ لهم-».
وإما أن يوقف الكل للمسلمين؛ لأن رسول الله H إنما قسم نصف خيبر، وجعل النصف الآخر لنوائب المسلمين، فإذا جاز وقف البعض جاز وقف الكل، وأيضًا لم ينقل عنه أنه قسم بقية البلدان التي فتحها، كبني قريظة ومكة، وكذلك الخلفاء بعده لم يقسموا شيئًا من الأرض المغنومة، ولا دليل على أن ذلك كان برضى الغانمين.
وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو الراجح.
وليس معنى الوقف هنا: الحبس الذي لا يباع ولا يورث، بل يجوز بيع هذه الأرض وتوريثها، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، وإنما المراد: أن تكون في مصالح المسلمين العامة، بمعنى أن يؤخذ منها الخراج لبيت المال، فيصرف في مصالح المسلمين.
|
([1]) المغني (12/282، 304)، زاد المعاد (5/85)، تفسير ابن كثير سورة الأنفال آية (41)، تفسير فتح القدير سورة الأنفال آية (41)، تفسير القرطبي (8/9)، الإنصاف (4/66، 199)، الفقه الإسلامي وأدلته (8/5800).
([2]) الموسوعة الفقهية الكويتية (32/232).
([3]) المغني (4/189)، زاد المعاد (3/118)، فتح الباري (6/351)، (8/273)، حاشية ابن عابدين (6/219)، الإنصاف (4/190)، آثار الحرب (ص/561)، نيل الأوطار (5/171).