وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ إِلَى الْيَمَنِ, وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا, أَوْ عَدْلَهُ معافريًا. أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةِ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ.
تخريج الحديث:
حديث معاذ بن جبل I: سبق تخريجه في أوائل (كتاب الزكاة).
فقه الحديث:
مذهب جمهور العلماء: أن ما يؤخذ من كل رجل من الجزية محدد ومقدر، فقد جاء تقديره عن رسول الله H وعن عمر I.
واختلفوا في مقدارها:
فمذهب الحنفية، ورواية لأحمد: أن الغني عليه ثمانية وأربعون درهمًا، وعلى المتوسط أربعة وعشرون درهمًا، وعلى الفقير اثنا عشر درهمًا؛ لأن هذا الذي جاء عن عمر I رواه البيهقي (9/196)، وفي إسناده انقطاع، ولم ينكره عليه أحد، فصار إجماعًا.
وما جاء في حديث معاذ I أن النبي H «أخَذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَاراً» من دون تفريق بين غني وفقير؛ فذلك لأن أغلب أهل اليمن كانوا فقراء.
ومذهب الشافعية: الواجب دينار من كل واحد بلا تفريق، فعن معاذ I قال: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ H إِلَى اليَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ –أي: من بلغ الحلم- دِينَاراً، أَوْ عَدْلَهُ معافرياً -وهي ثياب يمنية»، فقضاء رسول الله H أولى بالاتباع من غيره، ويستحب التفصيل الذي جاء عن عمر I؛ خروجًا من الخلاف.
ومذهب المالكية: أنها في حق الغني أربعون دراهما أو أربعة دنانير؛ لما رواه البيهقي (9/195) عن عمر I أنه قال: «جِزْيَتُهُمْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ مِنْهُمْ، وَأَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ»، وسنده صحيح، وعلى الفقير عشرة دراهم أو دينار، لحديث معاذ بن جبل I.
والصحيح عند الحنابلة، وقول ابن تيمية وابن القيم: أنها غير مقدرة، فيرجع تقديرها إلى اجتهاد الحاكم على قدرتهم وطاقتهم، وتختلف باختلاف أحوالهم.
وما جاء في حديث معاذ I لم يقدره رسول الله H تقديرًا عامًّا لازمًا، لا يقبل التغيير، وإنما بحسب المصلحة، وأيضًا غالب أهل اليمن فقراء.
وهذا القول هو الارجح، مع ملاحظة ألا يكون المقدر شيئًا تافهًا، فلا أظنهم يختلفون في عدم إجزائه.
لا خلاف بين العلماء أن الجزية لا تؤخذ من الصبي الكافر، ففي حديث معاذ بن جبل I قال: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ H إِلَى اليَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَاراً»، فيفهم منه: عدم أخذها ممن لم يبلغ الحلم.
وعامة العلماء على أنها لا تؤخذ -أيضًا- من النساء، فالحالم في الحديث يعني به الرجال، ولأن الجزية تؤخذ لحقن الدم، والمرأة الكافرة محقون دمها بدون الجزية، وصح هذا عن عمر I.
واختلفوا في أخذها من الشيخ الفاني؛ والصحيح أنها لا تؤخذ منه، بناءً على عدم جواز قتلهم، لأن الجزية لأجل حقن الدم، ولو كانت الجزية عوضًا عن سكنى الدار؛ لوجبت على النساء والصبيان.
وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، وهو قول للمالكية، ورواية للشافعية.
ولا تجب الجزية على الفقير العاجز، لقوله E: ﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وعلى هذا جمهور العلماء.
وكذلك من أسلم من أهل الذمة، فلا تؤخذ منه الجزية، سواء أسلم في أثناء الحول أو بعده، وقد قال E: ﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: ٣٨]، وعلى هذا جمهور العلماء.
([1]) المغني (13/208)، بداية المجتهد (1/404)، الأحكام في أصول الأحكام (2/372)، أحكام أهل الذمة (1/120)، الإنصاف (4/227)، آثار الحرب (ص/702).
([2]) المغني (13/215)، بداية المجتهد (1/404)، المحلى مسألة (960)، أحكام أهل الذمة (1/160)، الإنصاف (4/220)، آثار الحرب (ص/699).