2024/12/31
وَأَخْرُجَ مُسْلِمٍ بَعْضِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ, وَفِيهِ: «أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدْهُ عَلَيْكُمْ, وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا». فَقَالُوا: أَنَكْتُبُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهُ? قَالَ

- وَأَخْرُجَ مُسْلِمٍ بَعْضِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ, وَفِيهِ: «أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدْهُ عَلَيْكُمْ, وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا». فَقَالُوا: أَنَكْتُبُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهُ? قَالَ: «نَعَمْ. إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ, وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ, فَسَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا».

تخريج الحديث:

حديث أنس I: رواه مسلم (1784).

فقه الحديث:

المسألة الأولى: اشتراط رد من أسلم منهم وجاء إلينا([1]):

اختلف العلماء إذا اشترط هذا في الرجال:

فمذهب أبي حنيفة والظاهرية، وبعض المالكية: أنه شرط باطل، وما جاء من قبول رسول الله H له فهو إما منسوخ وإما خاص برسول الله H، ولا يجوز اليوم لقوة المسلمين، ولما فيه من التسلط عليهم.

ومذهب الشافعية: أنه يجوز في حق من له منعة وعشيرة عندهم تحميه وتصونه، ومن لم يكن كذلك؛ فلا يقبل فيه هذا الشرط ولا يرد إليهم.

ومذهب الحنابلة، والمعتمد عند المالكية: أنه شرط صحيح، ويجب الوفاء به مطلقًا، ولكن لا يقبله إمام المسلمين إلا عند وجود الحاجة والمصلحة.

ودليله: أن رسول الله H قبله فقد اشترط عليه كفار قريش: «أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدْهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا. فَقَالُوا: أَنَكْتُبُ هَذَا يَا رَسُولُ اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. إِنَّهُ مِنْ ذَهَبٍ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ، فَسَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجاً وَمُخْرِجاً».

ولم يفرق بين من كان له عشيرة، ومن لم تكن له عشيرة.

وهذا هو الراجح، ولا دليل على النسخ أو الخصوصية.

ولا يجوز هذا الشرط في النساء، ولا يوفى به باتفاق الفقهاء؛ لأن رسول الله H لم يرد المهاجرات منهم إلى الكفار، ولقوله E: ﴿ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: ١٠].

وتفارق الرجل من وجوه:

  1. لا تستطيع الهروب منهم.
  2. ربما فتنت عن دينها؛ لأنها أضعف من الرجل.
  3. لا يؤمن أن تزوج بكافر.

المسألة الثانية: انتقاض عهد الهدنة([2]):

الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن عهد الهدنة ينتقض بقتال منهم، أو بمظاهرة عدو، أو بخيانة وغدر، أو بقتل مسلم، أو بأخذ ماله، ولا يشترط وجود المنعة والقوة فيهم؛ فقد قال E: ﴿ فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡ [التوبة: ٧]، وهذه الجرائم تتنافى مع لزوم الاستقامة.

وقال D: ﴿ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡ‍ٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡ [التوبة: ٤]، ففيه دليل على أنهم إذا ظاهروا على المسلمين أحدًا لم يتم إليهم عهدهم.

وكما نقضت قريش عهد رسول الله H، وكذا بنو النضير؛ فقاتلهم رسول الله H.

والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه إذا نقضه البعض منهم وسكت البقية، ولم يوجد منهم إنكار ولا اعتزال عنهم؛ فإنه ينتقض من الجميع.

وأما إذا حصل الاعتزال أو الإنكار لم ينتقض في حق الجميع، فقد دخلت خزاعة في حلف رسول الله H، ودخل بنو بكر في حلف قريش، فاعتدى بنو بكر على خزاعة، وأعانهم بعض القرشيين وسكت الباقون؛ فاعتبره رسول الله H نقضًا منهم وقاتلهم.

ويلزم من نقض عهد الهدنة: أنهم صاروا حربيين، وللإمام ابتداؤهم بالحرب، قال E: ﴿ وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ [التوبة: ١٢]، وهذا مما لا خلاف فيه.

وقد هجم رسول الله H على بني قريظة عند نقضهم للعهد، وقتل رجالهم وأخذ مالهم وسبى ذراريهم.

 

([1]) المغني (13/161)، قواعد الحرب (ص/202)، كتاب تسليم المطلوبين للدول المعاهدة (ص/191).

([2]) المغني (13/160)، آثار الحرب (ص/385)، شرح السنة (11/153)، كتاب المعاهدات (ص/208).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1258