وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «لَا سَبْقَ إِلَّا فِي خُفٍّ, أَوْ نَصْلٍ, أَوْ حَافِرٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالثَّلَاثَةَ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة : رواه أحمد (2/474)، وأبو داود (2574)، والنسائي (6/226)، والترمذي (1700)، وإسناده صحيح.
فقه الحديث:
أولًا: المسابقة بالحيوان والأسلحة.
وفيها قولان:
القول الأول: لا تجوز المسابقة بعوض إلا بالفرس أو البعير أو السهم، ولا تجوز بغيرها، فقد قال : «لَا سَبْقَ –أي: لا يؤخذ العوض في سباق- إِلَّا فِي خُفٍّ - البعير-، أَوْ نَصْلٍ - السهم-، أَوْ حَافِرٍ- الفرس-»، فحصر الجواز في أخذ العوض على هذه الثلاثة فقط، لأن غيرها لا يحتاج إليها في الجهاد، كمثل الحاجة لها، فغيرها لا يقاتل عليها عند أهل الإسلام، ولا تصلح للكر والفر، وغير السهم لا يرمى به، فلم تجز المسابقة فيها بعوض.
وهذا مذهب المالكية، والمذهب عند الحنابلة، ووجه للشافعية.
القول الثاني: تجوز المسابقة بعوض في كل ما له خف كالبعير، وما له حافر كالفرس والبغل والحمار، وفي كل محدد نافع في الحرب له نصل كالسهم والرمح، لأنها من وسائل الجهاد، وقد ذكر النبي H جواز السبق فيما له خف أو حافر أو نصل، وذكرها يراد به التعميم، وإلا لذكر الثلاثة السابقة بأعيانها، فقال: «لَا سَبْقَ إِلَّا فِي خُفٍّ, أَوْ نَصْلٍ, أَوْ حَافِرٍ».
ولو نص على هذه الثلاثة؛ لكان هذا من باب التغليب، لأنها المقاتل عليها غالبًا، وإلا فالمسابقة بغيرها بعوض جائزة، لأنها من أدوات الجهاد.
وهذا مذهب الحنفية، والصحيح عند الشافعية، وقول بعض الحنابلة، منهم ابن تيمية وابن القيم u.
وهذا هو الأرجح، واختاره علماء اللجنة الدائمة([2]).
ثانيًا: المسابقة في غير ما سبق مما يعين على الدين.
ومنه المسابقة في المسائل العلمية وحفظ الأحاديث والمتون، وفيها قولان:
القول الأول: تجوز بالعوض، فقد روى الإمام أحمد (1/276)، والترمذي (3193) عن ابن عباس L قال: «لما نزلت ﴿ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢ ﴾ [الروم: ٢]، قالوا لأبي بكر I: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَجَلًا، فَإِنْ ظَهَرْنَا، كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا، وَإِنْ ظَهَرْتُمْ، كَانَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا»، ففعلوا. وإسناده صحيح.
ولأن الجهاد كما يكون بالسلاح يكون بالعلم والحجة فبه تُفتَّح القلوب ويعز الإسلام وتظهر علاماته، فالدين قام بالحجة والبرهان وبالسيف والسنان، فيباح الرهان فيه كما يباح في الرمي والمسابقة.
وما جاء عند الترمذي (3194) عن نيار بن مكرِم بإسناد حسن في قصة أبي بكر I مع المشركين وفيه قال: «وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ» فهذا من كلام بعض الرواة، وليس من كلام رسول الله H ولا أبي بكر I، فلا يكون دليلًا على النسخ، ولا تعارض بين حديث أبي بكر I وحديث أبي هريرة I: «لَا سَبْقَ إِلَّا فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ»، فكل واحد منهما يبقى معمولًا به في بابه.
وهذا مذهب الحنفية، وهو وجه للحنابلة، اختاره منهم ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله - وعلماء اللجنة الدائمة.
القول الثاني: لا تصح المسابقة فيما سبق بعوض، فقد قال H: «لَا سَبْقَ إِلَّا فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ»، وهذا أصل يفهم منه عدم جواز المسابقة بعوض في غير هذه الثلاثة وما في معناها، ولعموم النهي عن الغرر والقمار.
وما جاء في قصة أبي بكر I فهو منسوخ، فقد كان في أول الإسلام.
وفي حديث نيار بن مكرِم قال: «وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ»، فيحتمل أن هذه العبارة من الصحابي.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
([1]) المغني (13/406)، الفروسية لابن القيم (ص/90، 207)، الاختيارات للبعلي (ص/233)، الإنصاف (6/90)، فتح الباري (6/164)، الفتاوى الهندية (6/445)، المحلى مسألة (971)، سبل السلام (4/111)، الموسوعة الفقهية (24/126)، الفقه الإسلامي وأدلته (5/487)، توضيح الإشكال (5/473).
([2]) فتاواها (15/166، 179).