2024/12/31
عَنِ ابْنِ عُمَرَ  عَنْ رَسُولِ اللَّهِ  أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ, وَعُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ, فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ «أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ,

عَنِ ابْنِ عُمَرَ  عَنْ رَسُولِ اللَّهِ  أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ, وَعُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ, فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ : «أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ, فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ, أَوْ لِيَصْمُتْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(1375) 02 - وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيِّ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ, وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ, وَلَا بِالْأَنْدَادِ, وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ, وَلَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ».

تخريج الحديثين:

حديث ابن عمر: رواه البخاري (6646)، ومسلم (1646).

وحديث أبي هريرة: رواه أبو داود (3246)، والنسائي (7/5)، وإسناده صحيح.

فقه الحديثين:

المسألة الأولى: حكم الحلف بغير الله([1]):

كالحلف بالكعبة والأنبياء والملائكة والآباء، وهو منهي عنه بالإجماع، فقد قال النبي H: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ». وقال: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ، وَلَا بِالْأَنْدَادِ أي: بالأوثان-، وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ».

والحكمة من هذا النهي: أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده.

واختلفوا في حكم هذا النهي:

فالمشهور عند المالكية والشافعية وقول في مذهب أحمد: أن النهي عنه للكراهة، فقد أقسم الله تعالى ببعض مخلوقاته؛ كالضحى والليل والشمس والطور، إلا إذا قصد الحالف تعظيم المحلوف به كعظمة الله؛ فهو محرم وكفر، وعليه يحمل ما جاء في بعض الأحاديث من التغليظ منه، أو اعتباره شركًا.

ومذهب جمهور العلماء: أن النهي للتحريم؛ لعموم النهي عن الحلف
بغير الله تعالى؛ ولما رواه أحمد (2/34)، والترمذي (1535)، عن ابن عمر L، أنه سمع رجلًا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر L: سمعت رسول الله H يقول: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ». وهو حديث معل([2]).

ولكن رواه أحمد (2/67) عن ابن عمر L، قال: قال رسول الله H: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ» فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا. وإسناده صحيح.

وروى النسائي (7/6)، عن قتيلة: أن يهوديًّا أتى النبي H، فقال: «إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ، وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَتَقُولُونَ: وَالْكَعْبَةِ. فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ H إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَيَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شِئْتَ». وإسناده صحيح.

وأما إذا قصد التعظيم له كتعظيم الله؛ فهو كفر.

وأما ما ورد في القرآن من القسم ببعض المخلوقات؛ فإن الله E يقسم بما يشاء من مخلوقاته؛ للدلالة على قدرته وعظمته، وقد يكون هذا القسم بإضمار المقسم به، والمعنى: ورب الطور، ورب الضحى، ورب الليل.

واتفقوا على أن هذه اليمين لا كفارة فيها على الحالف عند وقوعه في المخالفة، فليست من أيمان المسلمين، فهي أيمان غير منعقدة.

المسألة الثانية: الحلف بغير ملة الإسلام([3]):

كأن يقول الشخص: أنا يهودي، أو نصراني، أو بريء من الإسلام، والحلف به محرمٌ؛ لأنه من الحلف بغير الله وأسمائه وصفاته، وفي الحديث «لاَ تَحْلِفُوا إِلاَّ باللهِ» وهو منهيٌ عنه، بل اعتبره بعض العلماء كفرًا إذا حلف بغير ملة الإسلام على شيء ماضٍ كذبًا؛ لما في الصحيحين، عن ثابت بن الضحاك I قال: قال النبي H: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ».

والذي عليه أكثر العلماء: أنه لا يكون كفرًا مخرجًا من الملة إلا إذا أراد تعظيم هذه الملة التي حلف بها، أو أن قوله: «فَهُوَ كَمَا قَالَ» من باب التغليظ والزجر يدل على ضعف دينه وعدم كماله، فهو لم يقصد التعظيم لهذه الملة، والاتصاف بها، وإنما أراد أن يبتعد عنها ويبغض الاتصاف بها.

وأما إذا حلف بها على أمر مستقبلي؛ كقوله: أنا يهودي أو نصراني إن فعلت غدًا كذا؛ فلا يكفر باتفاق العلماء.

واختلفوا في الكفارة عليه إذا حنث-أي: خالف ما حلف عليه-:

فمذهب جماعة من السلف والحنفية، ورواية لأحمد: أن عليه كفارة كإيجاب الكفارة على المظاهر، وكإيجابها على من حلف بالتحريم.

ومذهب جمهور العلماء: أنه لا كفارة عليه، وإنما يستغفر الله، فقد نهى الشرع عن الحلف بغير الله، ولم يأمر بالكفارة، وهذا هو الأرجح.

وأما الظهار والتحريم؛ ففيها أدلة سبق ذكرها.

 

([1]) المغني (13/436)، شرح مسلم (11/88)، التمهيد لابن عبد البر (14/467)، فتح الباري (13/379)، قاعدة في التوسل والوسيلة لابن تيمية (ص/90)، منحة العلام (9/328).

([2]) سنن البيهقي (10/29)، شرح مشكل الآثار للطحاوي (826).

([3]) مجموع الفتاوى (35/325)، إعلام الموقعين (2/133)، المغني (13/464)، الرد على السبكي (1/193)، فتح الباري (13/385، 388)، شرح مسلم (11/90)، المفهم للقرطبي (1/312)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (9/294)، الموسوعة الفقهية الكويتية (12/275).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1299