2024/12/31
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ, فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا, فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ, وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ, فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا, فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ, وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ, وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ».

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ, ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ.

تخريج الحديث:

حديث عبد الرحمن بن سمرة، اللفظ الأول: رواه البخاري (6622)، ومسلم (1652).

واللفظ الثاني: رواه البخاري (6722).

واللفظ الثالث: رواه أبو داود (3278)، وإسناده صحيح.


فقه الحديث:

المسألة الأولى: من حلف على يمين، ثم أراد مخالفتها([1]):

أجمع العلماء على أن عليه كفارة.

واختلفوا في وقت إخراجها، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يجوز إخراجها قبل الحنث-أي: المخالفة-أو بعده؛ فقد جاءت الأدلة بالأمرين، فقد قال H: «إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وفي رواية: «ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» فبدأ في هذه الرواية بإخراج الكفارة قبل الفعل.

وفي رواية: فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ»، فبدأ في هذه الرواية بالفعل، ثم الكفارة، وهذا أفضل؛ خروجًا من خلاف العلماء، ولأن الكفارة بعد وجود سببها.

المسألة الثانية: صفة الكفارة([2]):

أجمع العلماء على أن الحانث في يمينه يخير بين العتق، أو الإطعام لعشرة مساكين، أو الكسوة لهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَكَفَّٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ [المائ‍دة: ٨٩].

وصفة العتق سبقت في كفارة الظهار.

وأجمعوا على أن الإطعام لعشرة، أو كسوتهم يجزئ، وإذا أطعم أقل من عشرة، أو كساهم بما يكفي عشرة؛ فلا تصح كفارته عند جمهور العلماء، وهو الراجح، فلابد من عشرة مساكين؛ فهذا ظاهر القرآن.

ولو أعطاهم مكان الطعام والكسوة قيمته نقودًا؛ فلا يجزئه عند جمهور العلماء، وهو الراجح، فلابد من الإطعام أو الكسوة؛ لأن القرآن نص عليهما، فهو ظاهر في عين الإطعام والكسوة.

ولو أطعم بعض العشرة، وكسى الآخرين؛ فهو مجزئ على الصحيح من الأقوال؛ لأن كل واحد من النوعين يقوم مقام صاحبه في جميع العدد، فقام مقامه في بعضه؛ ولأنه أخرج العدد الواجب من المنصوص عليه، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، وبعض المالكية.

ويطعم بإعطاء كل مسكين ما يكفيه من الحبوب، أو غيره من بر، أو أرز، أو تمر، والصحيح: أن الذي يكفي للمسكين الواحد نصف صاع، وهو يساوي تقريبًا كيلو ونصف، أو يطعمه بدعوته إلى طعام مصنوع، فهو يدخل حقيقة في قوله تعالى: ﴿ فَكَفَّٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ [المائ‍دة: ٨٩] . وتراجع التفاصيل والخلافيات والأدلة عند الكلام على صفة كفارة الظهار ـ.

واختلفوا في مقدار الكسوة المجزئة:

فمذهب الشافعية والظاهرية: أن القدر المجزئ منها ما يطلق عليه اسم كسوة؛ كقميص، أو سراويل، أو إزار، أو رداء، أو عمامة؛ لأن الله تعالى أطلق في القرآن ولم يقيد، فقال: ﴿ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ ، فلا يشترط في الكسوة المجزئة أن تستر العورة.

ومذهب جمهور العلماء: أنه يشترط في الكسوة أن تكون ساترة للعورة؛ كقميص، أو إزار ورداء، أو درع وخمار، كما أن الطعام يقوم بسد حاجة الجوع، فكذلك الكسوة تقوم بسد حاجة الاكتساء، والإطلاق في الآية مقيد بالعرف، والعرف يكون بالكساء الذي يستر العورة، وهذا القول هو الأرجح.

وأجمع العلماء على أن من لم يجد ما سبق أن عليه الصيام.

والحد الذي ينتقل به من الإطعام والكسوة إلى الصيام: إذا لم يكن مع الحالف ما يزيد عن ما يكفيه وعياله عن يوم وليلة، وأما إذا كان معه ما يزيد عن قوت يوم وليلة؛ فيلزمه الإطعام ولا ينتقل للصيام، كما في صدقة الفطر فلا تجب إلا على من عنده ما يزيد على قوت يوم وليلة-كما سبق-، وعلى هذا جمهور العلماء، وهو الأرجح.

وأجمعوا على أنه يصوم ثلاثة أيام، بنص القرآن: ﴿ لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ .

واختلفوا في اشتراط التتابع فيها:

القول الأول: لا يشترط التتابع؛ لأن القراءة المتواترة ليس فيها ذكر التتابع، كما في مصاحف المسلمين، وما جاء من ذكره في بعض القراءات فهي قراءة شاذة؛ فلا يقرأ بها ولا يؤخذ منها الحكم، وهذا مذهب المالكية والظاهرية، والأصح عند الشافعية، واختاره علماء اللجنة الدائمة.

القول الثاني: لابد من التتابع في الصوم، فلا تفرق هذه الأيام، فقد ثبت عن ابن مسعود وأبي بن كعب L، أنهما كانا يقرآن: «فصيامُ ثلاثة أيام متتابعات»، وهذه القراءة وإن لم تكن متواترة لا يقرأ ولا يتلى بها، لكن يؤخذ الحكم منها، فتعتبر على الأقل بمنزلة الحديث الصحيح، ولن يقرأ بها ابن مسعود وأبي L إلا وقد سمعاها من النبي H.

وهذا مذهب الحنفية، والصحيح عند الحنابلة، وقول للشافعي، واختاره ابن عثيمين، وهو الأرجح.

وإذا شرع في الصوم، ثم قدر على الإطعام أو الكسوة؛ فلا يلزمه الرجوع إليهما؛ لأنه فعل ما طلب منه شرعًا وهو الصوم؛ ولأن إلزامه بالانتقال تكليف بأكثر مما وجب عليه، وعلى هذا جمهور العلماء، وهو الراجح.

المسألة الثالثة: من خالف يمينه ناسيًا([3]):

اختلف العلماء في وجوب الكفارة عليه:

القول الأول: تجب عليه الكفارة؛ لأنه فعلَ عمدًا ما حلف على عدم فعله، فلزمته الكفارة، كالذاكر، وهذا مذهب المالكية والحنفية، ورواية لأحمد، وقول للشافعي.

القول الثاني: لا كفارة عليه؛ لأنه ليس قاصدًا للفعل؛ إذ لو ذكر يمينه لم يفعل، فهو كالنائم والمجنون، وقد قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَا [البقرة: ٢٨٦]، جاء في صحيح مسلم قال: «قَدْ فَعَلْتُ».

ولأن الله تجاوز عنه ففي الحديث: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ـ سبق تخريجه ـ.

وهذا هو الظاهر من مذهب الشافعية والحنابلة، وهو الأرجح، وعليه علماء اللجنة الدائمة وابن عثيمين.

تنبيه: كذلك الخلاف عندهم فيمن خالف يمينه جاهلًا بأنه المحلوف عليه، أي: فعله ظانًّا أنه غير المحلوف عليه.

 

([1]) المغني (13/483)، شرح مسلم (11/91).

([2]) المغني (13/506-515)، المحلى مسألة (1183، 1184، 1185)، الاستذكار (15/19)، فتح الباري (13/456-459)، الإنصاف (9/230)، الفقه الإسلامي وأدلته (4/2577)، أحكام اليمين (ص/375)، كتاب الكفارات (ص/110).

([3]) المغني (13/446، 497)، فتح الباري (13/403)، الإنصاف (9/114)، أضواء البيان (2/126)، جامع العلوم والحكم، حديث (39).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1301