وَعَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225]. قَالَتْ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاللَّهِ. بَلَى وَاللَّهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَوْرَدَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا.
حديث عائشة I: رواه البخاري (6663) موقوفًا، ورواه أبو داود (3254) مرفوعًا، والصحيح فيه الوقف([1]).
فيه ثلاث صور:
الصورة الأولى: من حلف ولا يُريد تعقيد اليمين، وهي التي لا يعقد الحالف بها قلبه، وإنما جرت على لسانه دون قصد اليمين، فتسبق اللسان إلى لفظها بلا قصد لمعناها، كقول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة: لا والله، بلى والله؛ فقد قال تعالى: ﴿ لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ ﴾ [البقرة: ٢٢٥]، ففسرته عائشة J بقول الرجل: «لا والله، وبلى والله».
وهي من لغو اليمين عند جمهور العلماء، ولا كفارة فيها، وهو الراجح.
الصورة الثانية: من حلف على شيء يظنه كما حلف، فلم يكن كذلك، كقول الرجل: والله إن هذا غراب. يظنه كذلك، فإذا به خلافه.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنها من لغو اليمين ولا كفارة فيها؛ لأن الحالف غير قاصد المخالفة، فيدخل في قوله تعالى:: ﴿ لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ ﴾.
الصورة الثالثة: يمين الإكرام من دون قصد الإلزام، كأن يقول الرجل لغيره: والله لتأكلنَّ، أو لتشربنَّ، أو لتدخلنَّ عندي.
وهي من يمين اللغو عند شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره ابن عثيمين في بعض كتبه، فلا كفارة على الحالف عند الحنث، ففي الصحيحين أن أبا بكر لما قدم الطعام للضيفان، قال: «والله لتأكلنَّ، فقالوا: والله لا نأكل حتى تأكل، فقال أبو بكر: هذا من الشيطان، وأكل». ولم يقل: إن عليه كفارة، وذلك لأن أبا بكر لم يقصد إلزامهم بذلك، وإنما قصد إكرامهم به، والإكرام حصل.
وأما إذا قصد الحالف الإلزام، كأن يقول لغيره: والله لتأكلن وإلا ضربتك؛ فإنه إذا حصل الحنث ففيه كفارة.
ومذهب جمهور العلماء: على أن يمين الإكرام فيها كفارة كبقية الأيمان؛ لعمومات الأدلة، وقصة أبي بكر واقعة عين، لا تنفي أن يكون أبو بكر كفر عن يمينه. وقد اختار هذا القول ابن عثيمين في بعض كتبه، وهذا القول هو الصواب.
عامة الفقهاء على أن الكفارة تجب على الحالف؛ لأنه هو الحانث، وهذا ما يقصده الفقهاء بقولهم: حنَّثه -أي: أوقعه في المخالفة ليمينه-.
([1]) تلخيص الحبير (4/184).
([2]) تفسير القرطبي (3/66)، الاستذكار (15/62)، المغني (13/450)، فتح الباري (13/399)، الإنصاف (11/208)، فتح الباري لابن رجب (5/170)، الشرح الممتع (6/406)، الفقه الإسلامي وأدلته (4/2446).