2024/12/31
عَنِ ابْنِ عُمَرَ  عَنِ النَّبِيِّ  أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ وَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ  عَنِ النَّبِيِّ  أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ وَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

تخريج الحديث:

حديث عبد الله بن عمر L: رواه البخاري (6608)، ومسلم (1639).


فقه الحديث:

المسألة الأولى: صيغة النذر([1]):

اتفق الفقهاء على أن من نذر فصرح بلفظ النذر، كقوله: نذرت أن أفعل كذا، أو عليَّ نذر لله كذا؛ أنه ينعقد نذره، ويلزمه الوفاء به.

واختلفوا في صيغة النذر إذا خلت من لفظ النذر، كمن قال: لله عليَّ كذا، أو وجب عليَّ لله كذا:

والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه ينعقد نذره أيضًا، ويلزمه ما نذر؛ لأن هذه الصيغة يفهم منها الإيجاب على النفس، ما دام أنه أخرجها مخرج النذر.

المسألة الثانية: حكم النذر([2]):

النذر على قسمين:

نذر مطلق: وهو الالتزام بعبادة لله بدون شرط، كأن يقول: نذرت أن أصوم لله كذا، أو أتصدق بكذا، أو تحصل له نعمة، فيقول: نذرت أن أصوم لله كذا، أو أتصدق بكذا؛ شكرًا له على ما أنعم به عليَّ.

ونذر معلق: وهو الالتزام بالعبادة، بشرطٍ لابد من حصوله أولًا، كأن يقول: نذرت لله بصوم كذا، أو بصدقة بكذا إذا شفي مريضي.

وقد اختلف العلماء في حكم النذر:

فمذهب الحنفية، وبعض الشافعية، وبعض المالكية: أنه يستحب مطلقًا، فقد أمر الشرع بالوفاء بالنذر، والعبادة التي يأمر الشرع بالوفاء بها هي العبادة الواجبة أو المستحبة، ومدح الموفين بالنذر، قال تعالى: ﴿ يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ [الانسان: ٧]، وهذا يقتضي مدح العبادة التي وفوا بها، وهي النذر.

وما جاء في بعض الأحاديث من ذم للنذر؛ فهذا في حق من ينذر وهو لا يفي بنذره، أو من نذر بما فيه مشقة وحرج، فربما ضعف عن الوفاء، وأيضًا في حق من كان عنده اعتقاد فاسد، كظنه أن نذره يرد القضاء والقدر.

ومذهب جمهور العلماء: أن النذر يكره مطلقًا، فيكره النذر المعلق؛ لما جاء عن رسول الله H، أنه قال: «إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ»، ومعناه: أنه يلتزم بما لم يوجبه عليه الشرع، فيقع في الحرج والضيق. وقد جاء في رواية في الصحيحين «إنه لا يَرُّدُ شيئًا» أي: لا يرد القضاء والقدر، وما قدره الله هو الذي سيكون، ولا يدفعه النذر، وقال: «وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ»، لأنه ينذر بالعبادة؛ لأجل مقابل وعوض دنيوي، كشفاء مريض، وذهاب بلاء، وحصول رزق، ونحو ذلك.

وأما النذر المطلق؛ فيكره؛ لأنه لم يفعله النبي H، وكذلك الصحابة في المشهور عنهم؛ ولأن فيه التثقيل على النفس بما لم يوجبه الشرع بالتزامه بصيام زائد على الفريضة، أو بصلاة زائدة على الفريضة، أو بمال زائد على الزكاة، وربما تركه فأثم.

وما جاء من الأمر بالوفاء بالنذر والمدح للموفين به؛ لا يلزم منه استحباب النذر؛ جمعًا بين الأدلة.

 فيقال: يكره النذر ولا يحرم، ويجب الوفاء به، ويؤجر من وفَّى بنذره.

ومذهب بعض الشافعية، وبعض المالكية: أنه يكره النذر المعلق، فالأدلة التي فيها الذم للنذر هي في النذر المعلق، كما هو ظاهر.

وأما النذر المطلق؛ فهو مستحب، فصاحبه ليس ببخيل، فقد تقرَّب لله بعبادة بدون عوض، وليس عنده اعتقاد فاسد؛ لأن نذره هذا بدون شرط، فيفهم منه: عدم ظنه أن نذره يرد القضاء والقدر.

والأرجح ما عليه جمهور العلماء، والله أعلم.

 

([1]) الاستذكار (15/25)، المحلى مسألة (1121)، الموسوعة الفقهية (40/140).

([2]) المحلى مسألة (1114)، المغني (13/621)، روضة الطالبين (2/560)، المفهم للقرطبي (4/608)، مجموع الفتاوى (10/419)، (33/36، 49، 199)، فتح الباري (13/346)، الإنصاف (11/117)، نيل الأوطار (5/501)، منحة العلام (9/310).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=1308