وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَافِيَةً, فَقَالَ النَّبِيُّ : «لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
(1390) 17- وَلِلْخَمْسَةِ. فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا, مُرْهَا: فَلْتَخْتَمِرْ , وَلْتَرْكَبْ, وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ».
حديث عقبة بن عامر I: رواه البخاري (1866)، ومسلم (1644).
ورواه أحمد (4/145)، وأبو داود (3284)، والنسائي (7/20)، والترمذي (1544)، وابن ماجه (2134)، وزادوا فيه «وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، وإسناده ضعيف، ففيه عبيد الله بن زحر، فيه ضعف.
وله إسناد آخر ضعيف عند الطحاوي([1])، بهذه الزيادة، وفيه حيي بن
عبد الله المعافري، فيه ضعف. والحديث في الصحيحين بدونها([2]).
عامة العلماء على أنه يجب عليه أن يفي بنذره، فإن عجز فله الركوب، فقد نذرت أخت عقبة بن عامر I أن تمشي إلى بيت الله حافية فقال النبي H: «لِتَمْشِ وَلِتَرْكَبْ»، أي: إذا عجزت.
واختلفوا في اللازم عليه:
فمذهب الحنفية والمالكية، والأصح عند الشافعية، ورواية لأحمد: أن عليه هدياً، فقد جاء من حديث عقبة بن عامر I عند الإمام أحمد (4/201)، والطحاوي في «شرح المشكل» (2152)، أن النبي H قال: «وَتَنْحَرُ بَدَنَةً»، قال البخاري: «لا يصح في حديث عقبة الهدي([4])»، وهو كما قال. وجاء من حديث ابن عباس L رواه أبو داود (3287) والبيهقي (10/79)، وهو شاذ.
وجاء من حديث عمران I عند البيهقي (10/80)، وإسناده ضعيف.
ولأنه إذا أخل الحاج أو المعتمر بواجب لزمه الهدي.
والمذهب عند الحنابلة: أن عليه كفارة يمين، فقد قال النبي H، لعقبة بن عامر I في شأن أخته: «وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، وجاء من حديث ابن عباس L عند أبي داود (3290) «وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا»، وإسناده ضعيف، ولعموم قوله H: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ»، وهذا هو الأرجح.
وهنالك قول للشافعية ورواية لأحمد: أنه لا شيء عليه، لا هدي ولا كفارة، ففي لفظ الصحيحين أن النبي H قال: «لِتَمْشِ وَلِتَرْكَبْ»، ولم يأمرها بهدي ولا كفارة.
وذلك كمن نذر أن يأكل أو يشرب أو يستظل، أو لا يأكل أو لا يشرب أو لا يستظل.
وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب الوفاء بهذا النذر؛ لما رواه الإمام أحمد (5/553) وغيره، بإسناد صحيح عن بريدة I أن جارية نذرت أن تضرب بالدف عند رسول الله H، إذا رجع سالمًا، فلما رجع قال لها ««إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَافْعَلِي»: ولقوله H: «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ» يفهم منه: وجوب الوفاء في غير المعصية.
ومذهب جمهور العلماء: أنه لا يلزم الوفاء به؛ لما جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رسول الله H: «لَا نَذْرَ إِلَّا فِيمَا ابْتُغِيَ [ص:345] بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» رواه أحمد (2/183)، وأبو داود (2192)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/133)، وهو حديث حسن.
ولما رواه البخاري عن ابن عباس L: «بَيْنَا النَّبِيُّ H يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ H: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ»، فأمره بترك نذره المباح، وأقره على الصيام.
وما جاء في حديث بريدة I؛ فلأن فعلها المذكور قد صار قربة، لما حصل من السرور عند المسلمين بقدومه H، وأغاظ الكفار وأرغم المنافقين. ومذهب الجمهور هو الراجح.
واختلفوا في الكفارة فيه:
فقال أكثر العلماء: لا تلزم الكفارة، فلم يأمر النبي H أبا إسرائيل بالكفارة، وقد نذرت أخت عقبة بن عامر أن تمشي إلى بيت الله، فأمرها النبي H بالركوب ولم يأمرها بالكفارة، كما في رواية الصحيحين.
والصحيح عند الحنابلة، وقول بعض الشافعية: أن فيه الكفارة؛ لعموم حديث كفارة النذر كفارة يمين، وقد أمر النبي H أخت عقبة بن عامر J بالكفارة-كما جاء في خارج الصحيحين-، ولأنها إذا وجبت في نذر المعصية؛ فمن باب أولى في نذر المباح، وهذا هو الأرجح، وعليه علماء
اللجنة الدائمة([6]).
([1]) في شرح المشكل (2148).
([2]) ضعف الألباني الحديث في الإرواء (2592).
([3]) الاستذكار (15/30)، المغني (13/632، 635)، الإنصاف (11/148)، الموسوعة الفقهية (40/195)، الفقه الإسلامي وأدلته (4/2557)، منحة العلام (9/386).
([4]) سنن البيهقي (10/80).
([5]) المحلى مسألة (1115)، روضة الطالبين (2/568)، شرح مسلم (11/81)، المجموع شرح المهذب (8/453)، المغني (13/627)، الاستذكار مع الحاشية (15/40)، مجموع الفتاوى (31/51، 60)، الإنصاف (11/121)، الفقه الإسلامي وأدلته (4/2565).
([6]) فتاواها (23/208، 211، 213، 215).