وَعَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَزْدِيِّ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ, فَاحْتَجَبَ عَنْ حَاجَتِهِمْ وَفَقِيرِهِم, احْتَجَبَ اللَّهُ دُونَ حَاجَتِهِ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالتِّرْمِذِيُّ.
حديث أبي مريم I: رواه أبو داود (2948)، والترمذي (1333)، وإسناده صحيح.
اختلف العلماء فيه:
فمذهب الحنفية والمالكية وبعض الشافعية: أنه ينبغي للقاضي أن يتخذ حاجبًا له، فقد اتخذه رسول الله H في بعض أحيانه، فمنه ما في الصحيحين أن أبا موسى I قال: «لأكوننَّ اليوم حاجبًا لرسول الله H، فكان لا يدخل أحدًا على رسول الله H، إلا بعد استئذانه»، واتخذه الخلفاء الراشدون، ولكي يمنع الخصوم من التدافع على مجلس القضاء.
وحديث أبي مريم I في الاحتجاب الذي يؤول إلى تأخر القضاة في النظر في حاجات الناس، وفصل الخصومات.
ومذهب الحنابلة والصحيح عند الشافعية: أنه لا ينبغي للقاضي أن يتخذ حاجبًا له يحجب الناس عن الوصول إليه، فقد قال رسول الله H: «مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ -أي استتر وامتنع-، وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ، وَفَقْرِهِ».
ولأنه ربما منع من له مظلمة، وربما قدم المتأخر، وأخر المتقدم، لغرض له.
واستثنوا فيما إذا كان هنالك عذر، فيتخذ الحاجب، كحال فساد الناس، أو استطالة الأغنياء، وفي حال الزحام وكثرة الناس، ولكل زمان أحوال ومواسم تقتضيه وتناسبه.
وهذا هو الراجح.
([1]) المغني (14/21)، الإنصاف (11/203)، روضة القضاة (1/118)، آداب القضاء (ص/61)، الموسوعة الفقهية (33/310).