وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ, وَلَا خَائِنَةٍ, وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ, وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ.
(1417) 04 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَابْنُ مَاجَهْ.
حديث عبد الله بن عمرو L: رواه أحمد (2/204)، وأبو داود (3600)، والبيهقي (10/200)، وإسناده حسن.
حديث أبي هريرة I: رواه أبو داود (3602)، وابن ماجه (2367)، والحاكم (4/99)، وظاهر إسناده الصحة، وصححه الشيخ الألباني([1]).
مذهب الظاهرية، وراوية لأحمد: أن شهادته تقبل ما دام عدلًا؛ لأن العداوة لا تمنع العدالة، فدينه سيمنعه من الكذب والافتراء على عدوه عند الشهادة.
وذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول شهادته؛ لأن العداوة تورث التهمة، فتمنع الشهادة، ولقوله H: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلَا خَائِنَةٍ -والخائن من لا يؤدي ما ائتمن عليه، وهذا يقدح في العدالة، كما سيأتي-، وَلَا وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ -وهو العدو الحاقد على أخيه-»، وهذا هو الراجح.
أولًا: شهادة الوالد لولده والعكس.
مذهب الظاهرية، ورواية لأحمد: أنه تقبل شهادة كل واحد منهما للآخر ما داما عدلين، فيدخلان في عموم قوله تعالى: ﴿ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ ﴾ [الطلاق: ٢].
ومذهب جمهور العلماء: أن شهادتهما لبعضهما لا تقبل؛ لوجود التهمة هنا، فكل منهما يحرص على جلب النفع للآخر، وعلى دفع الضرر عنه.
وقد قال H: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ» والقانع: الخادم الذي ينفق عليه أهل البيت، وذلك لوجود التهمة والريبة، لحرصه على نفع من ينفق عليه؛ فكذلك الولد مع والده والعكس.
ولما جاء عن رسول الله H أنه قال: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» رواه أبو داود في المراسيل (396)، والبيهقي (10/201) من طرق، وهو حسن لغيره. والظنين: المتهم.
وهذا القول هو الأرجح.
ثانيًا: شهادة الزوج لزوجته والعكس.
مذهب جمهور العلماء: أنها لا تقبل شهادة كل منهما للآخر؛ لحرص كل واحد منهما على مصلحة الآخر، فوجدت التهمة والريبة.
ومذهب الشافعية والظاهرية، ورواية لأحمد: تقبل شهادتهما لبعضهما؛ لأن الحاصل بين الزوجين عقد يطرأ ويزول، فلا يمنع قبول الشهادة، وهذا القول هو الأرجح، فوجود العدالة هنا تنفي التهمة.
ثالثًا: شهادة سائر الأقارب لبعضهم دون من سبق.
كشهادة الأخ لأخيه وابن الأخ لعمه، عامة العلماء على قبول هذه الشهادة؛ لأن الشاهد عدل غير متهم.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا تقبل شهادة الشريك لشريكه فيما هما شركاء فيه؛ لأنه شهادة لنفسه من وجه، لاشتراكهما في هذا الحق، وفي الحديث «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» والظنين: المتهم.
وتقبل شهادته لشريكه في غير ما هو شريك له فيه؛ لانتفاء التهمة والريبة في هذه الحالة.
مذهب المالكية وبعض الحنابلة: أن شهادة البدوي على القروي لا تقبل؛ لقوله H: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ -وهو من يسكن البادية- عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ -وهو الحضري الذي يسكن في القرية أو المدينة-».
ومذهب جمهور العلماء: أن شهادته تقبل كغيره، ما دام عدلًا، وحديث أبي هريرة I، إما ضعيف، وإما يحمل على من لم تعرف عدالته منهم؛ لأن الغالب عدم معرفة عدالتهم؛ ولأنهم قلَّما يضبطون الشهادة، لجهلهم بأحكام الشريعة، وقصور علمهم.
أما إذا كان ضابطًا عدلًا فطنًا؛ فلا مانع من قبول شهادته، وهذا هو الأرجح.
([1]) الإرواء (2674).
([2]) المغني (14/174)، المحلى مسألة (1790)، شرح السنة للبغوي (10/128)، الطرق الحكمية (ص/199)، الفقه الإسلامي وأدلته (8/6042).
([3]) المغني (14/181)، شرح السنة (10/129)، المحلى مسألة (1789، 1790)، الإنصاف (12/66)، الطرق الحكمية (ص/199)، الموسوعة الفقهية (26/224)، الفقه الإسلامي وأدلته (8/6041).
([4]) المغني (14/177)، الفقه الإسلامي وأدلته (8/6041).
([5]) المغني (14/149)، شرح السنة للبغوي (10/129)، الإنصاف (12/64)، الأخبار العلمية (ص/521).