وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا, تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ. فَقَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ إِلَى مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ? نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ, وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ»، فَقَالَ: «هَذِهِ أَقْدَامٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حديث عائشة J: رواه البخاري (6770)، ومسلم (1459).
مذهب الحنفية: أنه يلحق بالمتنازعين جميعًا، فيصير له أكثر من أب ويرث منهم جميعًا، ما دام أنه ليس لأحدهم بينة.
ومذهب جمهور العلماء: أنه يستعان في هذه الحالة بالقافة، وهم قوم يعرفون الإنسان بالشبه، فمن ألحقوه به لحق به، ونسب إليه ويرث منه، والدليل على اعتبار القائف في إثبات النسب: أن رسول الله H سرَّ عندما سمع مجززًا المدلجي-وكان قائفًا- يقول على أقدام زيد بن حارثة وأسامة: «إِنَّ هَذِهِ أَقْدَامٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ». فسروره بقول القائف يكون إقرارًا له، وقد كان بعضهم يدعي أن أسامة ليس ابنًا لزيد بن حارثه.
وما جاء في الصحيحين في حديث المتلاعنين أن رسول الله H قال: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا، كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلاَ أُرَاهَا إِلَّا قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ، ذَا أَلْيَتَيْنِ، فَلاَ أُرَاهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا»، ففيه دليل على المصير للقافة، وهذا القول هو الراجح.
وإذا لم توجد قافة أو أشكل الأمر عليها أو تعارضت أقوالها:
فالصحيح عند الشافعية، ورواية لأحمد: أنه يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهم؛ لأن الإنسان بطبعه يميل إلى قريبه دون غيره.
والمذهب عند الحنابلة: يضيع نسبه؛ لأن دعواهم تعارضت ولا حجة لواحد منهم.
ورواية لأحمد، وقول ابن حزم وابن القيم: يقرع بينهم، فيلحق نسبه بمن خرجت له القرعة؛ إذ هي غاية المقدور عليه، من أسباب ترجيح الدعوى، وقد استخدمها الشرع في بعض صور الخصومات -كما سبق- وفي غير الخصومات كالقرعة بين الزوجات في السفر، وهذا القول هو الأرجح.
([1]) شرح مسلم (10/35)، المحلى مسألة (1810، 1945)، المغني (7/371، 375، 379)، مجموع الفتاوى (20/386)، زاد المعاد (5/418، 430)، الإنصاف (9/455، 457).