وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ: الرِّيَاءُ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
حديث محمود بن لبيد I: رواه أحمد (5/468)، وإسناده حسن.
الرياء: إظهار العبادة؛ لقصد رؤية الناس لها، لغرض يرجوه منهم، كطلب التزين في قلوب الخلق، أو طلب مدحهم والهروب من ذمهم، أو طلب تعظيمهم، أو طلب أموالهم، أو خدمتهم أوقضاء حوائجه، أو محبتهم.
وهو محرم بإجماع العلماء، قال تعالى: ﴿يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا ١٤٢ ﴾ [النساء: ١٤٢]، وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة I أن النبي H قال: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»، وفي الصحيحين أن النبي H قال: «مَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ»، وقد عده النبي H من الشرك الأصغر، فقال: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ: الرِّيَاءُ»، فهو من كبائر الذنوب.
وحكم العبادة التي دخل فيها الرياء من حيث الصحة والبطلان على حالات:
الحالة الأولى: أن يكون رياءً محضًا من أولها إلى آخرها، فلا يراد بها سوى مراءات المخلوقين؛ لغرض دنيوي، فحكم العبادة البطلان، لا نعلم في هذا خلافًا.
الحالة الثانية: أن يبتدئ العبادة مريدًا بها وجه الله والحمد من الناس، فيريد أداء العبادة لله والجزاء والشكر من الناس، والصحيح: في هذه الحالة أن العبادة تبطل، ففي حديث أبي هريرة: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»، وعن أبي أمامة I جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ H، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «لَا شَيْءَ لَهُ» فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ H: «لَا شَيْءَ لَهُ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ»، رواه النسائي في الكبرى (3/18)، وإسناده حسن.
وقد رجح هذا القول ابن القيم، ونقله عن طائفة من السلف، وقال: «لا يعرف عن السلف في هذا-أي: بطلانه-خلاف، وإن كان فيه خلاف عند بعض المتأخرين».
الحالة الثالثة: أن تكون أصل العبادة لله، ثم طرأت عليها نية الرياء، فيعرض له إرادة غير الله في أثنائها، مثلًا: شخص يصلي لله فأطالها، أو حسن القراءة فيها، أو زاد من الخشوع؛ ليُعْلِم من رآه، فإن دفعه ولم يسكن إليه فلا يضره، وتصح عبادته، بلا خلاف، وإن استرسل معه واطمأن له، ولم يدفعه؛ ففيه خلاف، والصحيح الذي عليه جمهور السلف: أن عبادته لا تبطل، فالمعول فيه على الباعث الأول، فيجازى بنيته الأولى، وأما ما زاده رياءً فلا يقبل ولا يؤجر عليه ويأثم عليه.
([1]) مدارج السالكين (2/93)، فتح الباري (1/27)، (13/136)، شرح مسلم (16/155)، إعلام الموقعين (2/182)، جامع العلوم والحكم (1/79)، مقاصد المكلفين للأشقر (ص/443).