فيه مسائل:
اتفق الفقهاء بأنه يلزم عليه التحري والاجتهاد في معرفة الشهر بما يغلب على ظنه، فإذا غلب على ظنه وجود دلالة تقوم في نفسه تدل على دخول شهر رمضان صامه؛ لأنه لا يمكن أداء العبادة إلا بالتحري والاجتهاد، وكما يتحرى في معرفة وقت الصلاة وجهة القبلة وغير ذلك عند الاشتباه.
فيه خلاف بين العلماء:
القول الأول: إذا أصاب رمضان أجزأه، وإن لم يصبه لم يجزئه.
وهو وجه للحنابلة.
والدليل له: أنه أصاب الشهر المطلوب فلا يلزمه القضاء، وإن أخطأ في عدم التحري وفي تعجله بالصوم قبل أن يغلب على ظنه دخول الشهر.
القول الثاني: ليس له أن يصوم في هذه الحالة؛ فإن صام وأصاب شهر رمضان لم يجزئه، ويلزمه الإعادة.
وهو قول جمهور العلماء، وهو الصحيح عند الحنابلة.
ودليلهم: أن فرضه الاجتهاد والتحري، فإذا لم يغلب على ظنه شيء؛ لم يجز له الصوم وعليه أن يؤخر الصوم حتى يغلب على ظنه أن الشهر قد دخل، وموافقته للشهر هنا ليس عن اجتهاد وتحري؛ فيلزمه الإعادة؛ لتركه الاجتهاد الواجب عليه، كما لو اشتبهت عليه القبلة في الصلاة فصلى إلى جهة بغير اجتهاد ووافق القبلة لم يجزئه.
الترجيح: الراجح: قول الجمهور لا يجزئه، ويلزم القضاء؛ لأنه صام على الشك دون غلبة ظن وترجيح، فلم يقم بالدليل الذي يلزمه الأخذ به.
فيه خلاف:
القول الأول: لا يجزئه، ويلزمه القضاء.
وهو قول لبعض المالكية.
ودليلهم: أن صومه قام على الظن لا على اليقين والتبين فيصومه ثم يقضيه.
القول الثاني: يجزئه، ولا يلزمه القضاء.
وهو قول الجمهور، وهو المعتمد عند المالكية.
ودليلهم: أنه بذل ما بوسعه من تحري واجتهاد، فقام بالذي عليه، فوافق الشهر فكيف يلزمه قضاؤه وقد صامه؟ وكذلك عندما وافق بعده؛ لأنه إن لم يكن أداءً لأنه ليس في وقته لكنه بعده؛ فهو قضاء كما لو قضى صلاة الظهر بعد صلاة العصر.
الترجيح: الراجح: قول الجمهور.
فيه خلاف:
القول الأول: يجزئه، ولا يلزمه القضاء.
وهو وجه للشافعية، ووجه للحنابلة.
دليلهم: أنه قام بما يجب عليه من التحري والاجتهاد، فحقق المطلوب منه، والخطأ حصل دون قصد كما لو وافق شهرًا بعده.
القول الثاني: لا يجزئه، ويلزمه القضاء.
وهو قول الجمهور، وهو المذهب عند الحنابلة، والمعتمد عند الشافعية.
ودليلهم: أنه أدى العبادة قبل وقتها الواجب، كما لو صلى الظهر قبل زوال الشمس، ولا يصح أن يكون صومه أداءً ولا قضاءً.
الترجيح: الراجح: قول الجمهور.
فيه خلاف:
القول الأول: يجزئه، ولا يلزمه القضاء.
وهو قول الجمهور.
دليلهم: أنه أدى فرضه بعد اجتهاد وتحرٍّ فأجزاءه، كما لو صلى في يوم الغيم بالاجتهاد، ولأن الظاهر من الاجتهاد الإصابة.
الترجيح: الراجح: قول الجمهور.
ملاحظة: ألحق بعض أهل العلم بالأسير في هذه الحالة من هو في بادية، وطرف الإسلام، والنائي عن الأمصار، ومن كان في دار حرب ونحوهم، ممن لا يمكنهم التعرف على الأشهر؛ لعدم وصول الأخبار إليهم([1]).
تنبيه: خالف ابن حزم جماعة الفقهاء، فقال: «إذا شك الأسير في دخول شهر رمضان؛ فلا يلزمه التحري والاجتهاد في معرفته؛ إذْ لا دليل على هذا، وبالتالي يسقط عليه الصيام، ولا يلزمه القضاء بعد ذلك، إلا إذا كان علم بعد ذلك بوقت الشهر، وتبين له أنه كان في هذا الوقت مريضًا أو مسافرًا؛ فيقضي بقدر المدة التي كان مسافرًا فيها أو مريضًا». كما في ”المحلى“ (769).
([1]) مراجع لهذا المطلب: ”حاشية الدسوقي“ (2/144)، ”الذخيرة“ للقرافي (2/502)، ”المجموع“ (6/284)، ”المغني“ (4/422)، ”الإنصاف“ (2/19، 3/279)، ”شرح الصيام من العمدة“ (1/159)، ”الموسوعة الكويتية“ (28/84)، ”الفقه الإسلامي وأدلته“ (3/1656).