2025/01/14
المطلب الثاني: الأيام التي نهى الشرع عن صومها

 المطلب الثاني: الأيام التي نهى الشرع عن صومها

فيه مسائل:

المسألة الأولى: حكم صوم الدهر:

فيه خلاف:

القول الأول: لا يكره صيام الدهر إذا أفطر الشخص الأيام المنهي عن صومها، وهي العيدان، وأيام التشريق.

وهو قول جمهور العلماء، وهو الصحيح عند الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.

دليلهم: الأول: حديث عائشة ا: أن حمزة الأسلمي ا قال: يا رسول الله إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ قال: «صم إن شئت، وأفطر إن شئت»([1]).

 والشاهد منه: أنه لم ينكر عليه سرد الصوم وعدم الفطر، بل أجاز ذلك له بقوله: «صم إن شئت».

الثاني: حديث أبي أمامة الباهلي ا قال: "يا رسول الله، مرني بعمل ينفعني الله به" فقال: «عليك بالصوم؛ فإنه لا مثل له» فما لُقي أبو أمامة، وامرأته، وخادمه إلا صيامًا، وكان إذا رؤي  في بيتهم دخان بالنهار؛ قيل: اعتراهم ضيف([2]).

فيه أن أبا أمامة وامرأته وخادمه كانوا يسردون الصوم، ولا يفطرون في عهد رسول الله ﷺ.

الثالث: حديث زرعة بن ثوب قال: سألت ابن عمر عن صيام الدهر؟ قال: «كنا نعد أولئك فينا من السابقين ...»([3]).

الرابع: عن أبي مالك الأشعري ا قال: قال رسول الله : «في الجنة غرفة أعدها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام»([4]).

الخامس: حديث أبي موسى الأشعري ا قال: قال رسول الله : «من صام الدهر ضُيقت عليه جهنم هكذا » و قبض كفه([5]).

والشاهد من الحديث: قوله: «ضُيقت عليه جهنم» أي ضيقت عنه فلا يدخلها فهذا مدح له.

السادس: أنه ثبت عن رسول الله -كما مر- أن «من صام رمضان وأتبعه ستة من شوال أنه كصيام الدهر»، وكذلك صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر، فجعل أجر هؤلاء كمن صام الدهر، دل ذلك على أن صوم الدهر أفضل مما شُبه به، وأنه أمر مشروع مرغب فيه، وإلا لما جعل أجرهم كمن صام الدهر ولما شبه صومهم بصيامه.

السابع: ما جاء عن بعض الصحابة أنه كان يصوم الدهر.

وأما الأحاديث التي ظاهرها النهي عن صوم الدهر؛ فتحمل على من صام معها الأيام المنهي عن صيامها وهي العيدان وأيام التشريق.

أو أنها محمولة على من تضرر بسبب صومه للدهر أو على من فوت حقًّا واجبًا بسبب سرده للصوم.

القول الثاني: يكره صوم الدهر، ولو أفطر يوم العيدين وأيام التشريق.

وهو قول بعض السلف، وهو رواية لأحمد، وقول جماعة من الحنفية، وبعض المالكية والظاهرية، عدا ابن حزم، واختاره ابن تيمية، وابن القيم، وبعض الشافعية.

دليلهم: الأول: حديث عبد الله بن عمرو م قال له رسول الله : «لا صام من صام الأبد» وفي لفظ: «لا صام من صام الدهر»([6]).

 وجه الدلالة: أنه شبهه بمن لم يُكتب له الأجر والثواب بصومه هذا، فكيف يطلب الأجر والفضل بما نفاه رسول الله ﷺ.

الثاني: حديث أبي قتادة ا قال: قال رسول الله -في صيام الدهر-: «لا صام ولا أفطر»([7])، أي: صومه وفطره سواء، لا يثاب عليه، ولا يعاقب، فيكون مجهودًا بلا فائدة فيكره ذلك.

وليست هذه الأدلة في حق من صام الأيام المنهي عن صومها، أو من فوت حقًّا واجبًا، بسبب الصوم، أو في حق من أضر بنفسه؛ لأن من فعل مثل هذا أثم، ويحرم عليه الصوم، فلا يقال في حقه: «لا صام ولا أفطر» أي: لم يؤجر ولم يأثم، إنما يقال فيه جزمًا: إنه لم يأثم؛ لأنه ارتكب محرمًا.

والرد على أدلة الجمهور القائلين باستحباب صيام الدهر:

أولًا: حديث حمزة وابن عمر وأبي أمامة وأبي مالك تحمل على تتابع الصوم، والإكثار منه، لا على صوم الدهر كاملًا عدا الأيام المنهي عنها، فالسرد هو المتابعة؛ لهذا جاء في طريق أخرى من حديث حمزة بلفظ: «وكان كثير الصيام» وهي في الصحيحين“ فيكون معنى السرد هوالإكثار من الصيام لا ملازمة الصوم طوال السنة.

وجاء عن أسامة بن زيد ا قال: «كان رسول الله يسرد الصوم، حتى يقال: "لا يفطر"، ويفطر حتى لا يكاد أن يصوم إلا يومين من الجمعة»([8]).

فمعنى يسرد الصوم هنا: أي يتابع الصوم، لا أنه لا يفطر، فقد قال بعده: «ويفطر حتى لا يكاد يصوم» أي: يتابع الفطر كذلك.

أو تحمل أحاديثهم على جواز صوم الدهر؛ لكن مع الكراهة جمعًا بين الأدلة، وقد مر في حديث عبد الله بن عمرو: قال له رسول الله ﷺ : «صم يومًا، وأفطر يومًا، ولا أفضل من ذلك» فيكون صوم يوم، وإفطار يوم أفضل، وأحب إلى الله، وصيام الدهر مفضول ومكروه، ولا نقول بحرمته؛ لعدم وجود دليل واضح ينص على تحريمه.

ثانيًا: حديث أبي موسى ا وفيه: «ضُيقت عليه جهنم»، فهذا على سبيل الذم، وليس على سبيل المدح، إذ لو أراد مدح صيامه هذا؛ لقال: «ضُيقت عنه» بدل: «ضُيقت عليه»، فعلى هذا: المعنى هنا: تضيق عليه جهنم، ويحصر فيها؛ لتشديده على نفسه، وإضراره بها ورغبته عن سنة رسول الله ، أو اعتقاده أن غير سنة رسول الله ﷺ أفضل، وكل هذا يدل على وقوعه في الحرام، فمن حصل منه هذا؛ فقد وقع في الحرام، وعوقب بما في حديث أبي موسى.

ثالثًا: ما جاء عن بعض الصحابة أنه كان يصوم الدهر، قد جاء عن بعض الصحابة: أنه كره ذلك، فعن عمر بن الخطاب ا: أنه بلغه أن رجلًا يصوم الدهر، فعلاه بالدرة وقال: «كل يا دهر»([9]).

رابعًا: ما جاء من تشبيه صيام الثلاثة الأيام، ورمضان مع الست من شوال بصيام الدهر، فهذ لا يقتضي جوازه، فضلًا على استحبابه، وإنما يقتضي حصول ثوابه لو كان مستحبًا، أما صومه فعلًا فلا يستحب له؛ لما فيه من مشقة وإضرار بالنفس.

لكن صيام ثلاثة أيام من كل شهر لا مشقة فيه ولا ضرر، والحسنة بعشر أمثالها، فتكون ثلاثة أيام بالأجر كصيام شهر، وثلاثة أيام من كل شهر بالأجر كصيام ثلاثمائة وستين يومًا، أي: كصيام الدهر.

القول الثالث: يحرم صوم الدهر، بل لا يحل له أن يصوم أكثر من نصف الدهر، أي: نصف السنة.

وهو قول الإمام ابن حزم.

دليله: أن الأحاديث في ذم صوم الدهر لم تخص حاله دون حاله، فهي على عمومها سواء تضرر الشخص بسببه، أم لم يتضرر.

وما دام أن الأدلة نصت على أنه لا أجر له فهو دليل على أن عمله قد حبط، فيكون فعله معصية.

ولا يجوز الزيادة على نصف السنة؛ لقوله ﷺ لعبد الله بن عمرو: «لكن صم يومًا وأفطر يومًا» وقال: «لا أفضل من ذلك»، وصوم يوم، وإفطار يوم هو المسموح به شرعًا، وهو بقدر نصف السنة، فما زاد عليه؛ فليس بمأذون به شرعًا، ففاعله لا يؤجر على الزيادة، وتحبط تلك الزيادة ويكون آئمًا.

والأدلة التي فيها السرد تحمل على تتابع الصوم، ولا دليل على أن متابعتهم للصوم كان يزيد على نصف السنة.

الترجيح: الراجح المذهب الثاني: أنه يكره صومه؛ لأن الشرع لم يجعل له ثوابًا عليه، فهو دليل على ذمه شرعًا، ولا يصل للتحريم؛ لعدم وجود دليل صريح ينص فيه على تحريمه، إذا لم تحصل من ورائه مفسدة.

وقد اختارت الكراهية اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز([10]).

المسألة الثانية: إفراد يوم الجمعة بصيام:

هذه المسألة على حالتين:

الأولى: إذا لم يوافق يوم الجمعة عادة له يصوم فيها:

ففي مشروعية صيامه خلاف بين العلماء:

القول الأول: لا يكره إفراد يوم الجمعة بصيام، بل يستحب.

وهو مذهب مالك، والصحيح عند الحنفية.

دليلهم: الأول: حديث ابن مسعود ا قال: كان رسول الله يصوم ثلاثة أيام من غرة كل هلال، وقلما كان يفطر يوم الجمعة([11]).

الثاني: حديث ابن عمر م قال: ما رأيت رسول الله مفطرًا يوم الجمعة قط([12]).

ثالثًا: أن الأدلة هنا متعارضة، فمنها ما يدل على عدم كراهية إفراد يوم الجمعة بالصوم، وهي الأدلة المذكورة هنا، ومنها ما يدل على كراهية إفراده.

وحيث إن الأصل في صوم يوم الجمعة أنه عمل بر، فلا يمتنع منه إلا بدليل لا معارض له، والأدلة متعارضة هنا فيبقى على الأصل، وهو عدم كراهية صوم يوم الجمعة.

القول الثاني: يكره صوم يوم الجمعة إلا أن يصام قبله أو بعده.

وهو قول جمهور العلماء، منهم: الشافعية، والصحيح عند الحنابلة، وبعض الحنفية، وبعض المالكية.

دليلهم: الأول: حديث أبي هريرة ا قال رسول الله : «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده»([13]).

الثاني: حديث جابر أن محمد بن عباد سأله: هل نهى النبي ﷺ عن صوم يوم الجمعة؟ قال: «نعم»([14]).

الثالث: حديث جويرية ك قالت: إن النبي دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصمت أمس ؟» قالت: "لا"، قال: «تريدين أن تصومين غدًا ؟» قالت: "لا" قال: «فأفطري»([15]).

 وحديث ابن مسعود لا يعارض هذه الأدلة؛ لإمكان حمله على أن رسول الله ﷺ ما كان يفرده، إنما يصوم معه قبله أو بعده، أو أنه كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها، كصيام ثلاثة أيام من الشهر، أو إذا سرد الصوم في بعض الأشهر كشهر شعبان، أو يحمل على أنه خاص به، فبهذا تجتمع الأحاديث، ولا بد من هذا حتى لا تتعارض الأدلة.

مع أن أدلة النهي عن إفراد الجمعة بالصوم أصح وأكثر.

القول الثالث: يحرم إفراد الجمعة بالصوم إلا أن يصام قبله أو بعده.

وهو قول بعض الشافعية، وبعض الحنابلة، وابن تيمية، وابن حزم، ونقله عن بعض السلف.

دليلهم: أن مطلق النهي الذي جاء في حديث أبي هريرة وجابر وجويرية ي يقتضي التحريم، ولا صارف هنا ينقله من التحريم إلى الكراهة.

وحديث ابن مسعود يرد عليه بما سبق ذكره في القول الثاني.

وقد جاء عن أبي ذر ا أنه مر عليه ناس يوم الجمعة وهم صيام، فقال: «أقسمت عليكم لما أفطرتم فإنه يوم عيد»([16]).

الترجيح: القول الثالث الذي ينص على تحريم إفراد الجمعة بالصوم إذا لم يوافق صومًا اعتاده أرجح؛ لظاهر النهي، والله أعلم.

الثانية: إذا وافق يوم الجمعة صيامًا معتادًا عليه:

كما لو وافق يوم عاشوراء، أو عرفة، أو كان ممن يصوم يومًا، ويفطر يومًا، أو نذر صيامًا فوافق يوم الجمعة، أو كان عليه قضاء صيام فأفرد له يوم الجمعة.

هذه المسألة فيها خلاف يسير:

القول الأول: لا يجوز صومه أيضًا إلا إذا صام قبله أو بعده.

وهو قول ابن حزم .

دليله: أن النهي عن إفراد صومه في الأدلة السابقة جاءت عامة، فتشمل ما إذا لم يوافق صومًا اعتاد عليه، وما إذا وافق على ذلك، إلا إذا كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، فلا بأس بإفراده لثبوت الدليل فيه، ولو نذر صوم يوم فوافق يوم جمعه لم يلزمه صومه؛ لأنه لن يصوم قبله ولا بعده.

القول الثاني: إذا وافق الجمعة يومًا اعتاد على صيامه كيوم عرفة، أو نذر نذرًا فوافق يوم الجمعة، كما لو قال: "أصوم يوم شفاء مريضي"، فوافق يوم الجمعة، فإنه يصوم الجمعة، ولو لم يصم يومًا قبله أو بعده، أو نحو ذلك.

وهو قول جمهور العلماء.

دليلهم: الأول: حديث أبي هريرة ا قال: قال رسول الله : «لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم»([17]).

الثاني: الترغيب في صيام بعض أيام السنة، كحضه على صيام يوم عرفة، والإلزام بوفاء نذر الصوم، دون استثناء يوم الجمعة.

الترجيح: الراجح: مذهب الجمهور: إذا وافق يوم الجمعة عادة له في صوم يصومه، ولو أفرد صومه لا يكره؛ لأنه لم يتعمد ويتحرَّ إفراده بالصوم خاصة، فلم يصمه؛ لأنه جمعة، وإنما لأمر آخر كونه مثلًا يوم عرفة أو عاشوراء([18]).

تنبيه: ما جاء عن ابن مسعود ا: «أن رسول الله ﷺ كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر» أي: من أوله على الأشهر، فغرة الشهر أوله.

ولا ينافي حديث عائشة السابق: «أنه كان لا يبالي من أي الشهر صام»، فالأصل: أنه لا يبالي من أي الشهر صام، فكان يصوم بكثرة من أوله، كما رواه ابن مسعود عنه، وكان يصوم أيام البيض، كما نقله بعضهم عنه، وكان يصوم غيرها من الشهر([19]).

قلت: ولو تعمد الشخص أن يجعل هذه الثلاثة الأيام في غرة كل شهر، أي: أوله في بعض السنين، فلا بأس به، أو في بعض الشهور من شهور السنة فلا بأس.

المسألة الثالثة: إفراد يوم السبت بصيام تطوع:

فيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: يكره إفراد السبت بصوم نافلة، إلا إذا وافق صومًا اعتاد الشخص على صومه، أو صام قبله أو بعده، أو أفرده في صوم فريضة كقضاء أو نذر أو كفارة، فلا كراهة في كل هذا.

وهو قول الشافعية، وأكثر الحنابلة، ومذهب الحنفية، ورجحه ابن عثيمين.

دليلهم: حديث الصماء بنت بسر قالت: قال رسول الله : «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحى شجرة فليمضغها»([20]).

فهذا حديث عام مخصوص في صوم السبت صوم النافلة دون الفريضة، وبإفراد السبت بصوم النافلة دون ما إذا صام قبله أو بعده، وبقصد صومه وتخصيصه بذلك دون ما إذا وافق صيامًا اعتاد عليه.

والعام قد يدخله التخصيص، ويخرج من عمومه حالات إذا دل عليها الدليل، فخرجت هنا منه حالات:

الأولى: صوم الواجب من قضاء ونذر وكفارة بنص الحديث هذا.

الثانية: إذا صام قبله أو بعده، فإذا صام قبله لا يكره؛ لما سبق من حديث أبي هريرة ا في الصحيحين، وجويرية ك في البخاري: أن من صام يومًا بعد الجمعة لا شيء عليه، ومعلوم أن بعده السبت.

وكذلك إذا صام يومًا بعد السبت لا يكره ذلك قياسًا على الجمعة، ولحديث أم سلمة قالت: أكثر ما كان الرسول ﷺ يصوم من الأيام يوم السبت والأحد، ويقول: «إنهما يوم عيد المشركين، وأنا أريد أن أخالفهم»([21]).

الثالثة: إذا وافق يوم السبت صومًا كان اعتاد على صيامه، تستثنى هذه الحالة من حديث الصماء بأدلة أخرى، كحديث: «صم يومًا وأفطر يومًا»، وهذا لا بد فيه من صيام السبت وإفراده، وإطلاقه الترغيب على صوم عرفة أو عاشوراء دون استثناء يوم السبت.

وبهذا يجمع بين الأدلة ويسلم هذا الحديث من الشذوذ والمخالفة.

وفي الباب عن امرأة قالت: دخلت على رسول الله ﷺ يوم السبت وهو يتغدى، فقال: «تعالي فكلي»، فقالت: "إني صائمة". فقال لها : «أصمت أمس؟» قالت: "لا"، قال: «فكلي فإن صيام السبت لا لك ولا عليك»([22]).

القول الثاني: لا يصام مطلقًا إلا الصوم الواجب.

قال الطحاوي: «ذهب قوم إلى حديث الصماء فكرهوا صوم السبت تطوعًا».اهـ

وقال الألباني بتحريمه مطلقًا في النافلة.

دليلهم: ظاهر حديث الصماء.

القول الثالث: لا بأس بصيامه في النافلة مطلقًا بدون كراهة، ولو لم يصم قبله، ولا بعده، ولو صامه لغير صوم اعتاد عليه.

وهو قول أكثر العلماء، فمنهم: المالكية، وبعض الحنفية، ووجه للحنابلة، ورجحه ابن تيمية، وابن القيم، وابن باز.

دليلهم: جاءت الأحاديث الصحيحة تدل على جواز صيام السبت في التطوع، كحديث أبي هريرة في الصحيحين: «لا تصوموا الجمعة إلا أن تصوموا قبلها أو بعدها».

ونحوه حديث جويرية ك عندما صامت الجمعة، فقال ﷺ : «أتريدين أن تصومي غدًا؟» وهو في البخاري –كما مر-

وحديث عبد الله بن عمرو قال له رسول الله ﷺ: «صم يومًا وأفطر يومًا» متفق عليه.

وما صح عنه من حديث عائشة وأم سلمة أنه كان يصوم أكثر شعبان.

وحديث الصماء إما ضعيف بسبب الاضطراب في سنده.

أو بسبب شذوذه؛ لأن ظاهره أنه لا يجوز أن يصام السبت إلا صوم واجب، وهذا يخالف الأحاديث الكثيرة الصحيحة في جواز التنفل بصوم يوم السبت.

وإما أنه منسوخ، فنهى أولًا عن التطوع بصوم يوم السبت، ثم أباحه بعد ذلك بتلك الأحاديث.

الترجيح: الراجح: المذهب الأول: يكره إفراده بصوم نافلة في غير صوم اعتاد عليه وافق يوم السبت.

والطعن في حديث الصماء أمكن الجواب عليه والحمد لله.

ولم يجمع العلماء على تضعيفه، بل منهم من ضعفه، ومنهم من صححه، ولو كان حديث الصماء على عمومه، ولم يقبل التخصيص بالأحاديث الأخرى؛ لحكمنا بضعفه وشذوذه؛ لمخالفته للأحاديث الأكثر والأشهر والأصح منه([23]).

المسألة الرابعة: صيام يوم العيدين الفطر والأضحى:

الكلام في هذه المسألة على قسمين:

القسم الأول: صيام يوم العيدين:

أجمع العلماء على تحريم الصوم فيهما، سواء كان صوم فرض كقضاء ونذر وكفارة، أو صوم نفل، وذلك للنهي عن صومهما.

فعن أبي سعيد الخدري ا قال: «إن رسول الله نهى عن صوم يومين الفطر والأضحى»([24]).

وعن عمر ا قال: «هذان يومان نهى رسول الله عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر يوم تأكلوا فيه من نسككم»([25]).

القسم الثاني: لو وقع النذر المعين في يوم العيد فهل ينعقد نذره؟

كما لو نذر أن يصوم يوم العيد، أو نذر صيامًا لسبب ما؛ فوقع يوم العيد، كما لو نذر صيام الخميس من كل شهر، فوافق العيد، أو نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه قريبه، فقدم يوم العيد.

فيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: ينعقد نذره، ولا يجوز صومه، ويقضي مكانه، وإن صام يوم العيد صح صومه، ووقع في المعصية.

وهو المختار عند الحنفية، ورواية لأحمد.

دليله: أن النذر مشروع، وليس محرمًا لذاته، فمن حيث حقيقته فقربة، وما جاء من النهي عن صوم يوم العيد، إنما هو محرم لغيره لا لذاته، وهو لأجل ترك إجابة دعوة الله؛ لأن الناس أضياف الله في هذا اليوم، وإذا كان النهي لغيره لا يُمنع صحته من حيث ذاته، ويجب الفطر ليخرج من النهي، فلا يقع في المعصية، ويقضي لإمكان ذلك حتى يخرج بالقضاء من عهدة الأمر بالوفاء بالنذر.

وهذا معنى ما جاء عن ابن عمر فقد سئل عن: رجل نذر أن يصوم يومًا فوافق يوم عيد؟ فقال ابن عمر: «أمر الله بوفاء النذر، ونهى النبي ﷺ عن صوم هذا اليوم»([26]).

أي: المعنى أنه يمكن قضاؤه فيخرج به عن عهدة الأمر والنهي.

وإن صام يوم العيد؛ أجزأه؛ لأنه أداءه كما التزمه، ويكون مرتكبًا لمحرم.

القول الثاني: إذا نذر أن يصوم يوم العيد؛ لا ينعقد صومه قضاء عليه، وإذا نذر صومًا فوافق يوم العيد؛ ينعقد صومه، ولا يصوم يوم العيد، ويقضي.

وهو المذهب عند الحنابلة.

دليله: أنه لما خص يوم العيد بصوم؛ لم ينعقد؛ للنهي عن صومه، والنهي يقتضي الفساد، ولما نذر الصوم مطلقًا دون قصد الصوم يوم العيد انعقد نذره؛ لأنه نذر نذرًا مشروعًا، كما لو وافق غير يوم العيد، فلما وافق يوم العيد دون قصد؛ لم يصح صومه للنهي عن صوم يوم العيد، والنهي يقتضي الفساد، لكن يقضي؛ لأن نذره صحيح، وقد فاته الصيام بالعذر.

القول الثالث: يلزم القضاء في الحالتين إذا نذر صوم يوم العيد، وإذا نذر صوم يوم فوافق يوم العيد.

وهو رواية لأحمد.

دليله: أنه عجز عن أدائه في وقته؛ للنهي عن صوم العيد، لكنه يمكنه قضاؤه، فلزمه لتبرأ ذمته.

القول الرابع: لا يلزم عليه في الحالتين أن يصوم يوم العيد، ولا يقضي أيضًا.

وهو مذهب الجمهور، منهم: مالك، والشافعي، والظاهرية، وقول للحنفية.

دليله: أن نذره لا ينعقد في هاتين الحالتين، فقد نهى الشرع عن صيام يوم العيد، والنهي يقتضي الفساد، ولو كان النهي عنه هنا لغيره لا لذاته، أي: للوصف اللازم له فصوم يوم العيد اتصل بالوقت الذي هو محل الأداء وصفًا، وهو أنه يوم عيد، فالوقت كالوصف اللازم له؛ لأنه معيار له.

الترجيح: الأرجح: مذهب الحنابلة إذا نذر صوم العيد بعينه لا ينعقد نذره، وبالتالي لا قضاء عليه، فالذي عليه جمهور الأصوليين: أن النهي عن الشيء إذا كان لغيره لا لذاته وكان لوصف لازم له؛ فإنه يقتضي الفساد، كما لو كان النهي عن الشيء لذاته.

أما إذا نذر نذرًا صحيحًا، لكنه وافق يوم العيد دون قصد؛ فإنه ينعقد، ولا يصح أن يصام يوم العيد؛ لأن النهي يقتضي الفساد – كما مر-، ويلزمه القضاء، وهو معذور بعدم الإتيان به في وقته.

تنبيه: في هذه المسألة أيضًا ذكروا الخلاف بين العلماء هل يلزم عليه كفارة يمين أم لا ؟ وأعرضنا عن ذكره لأن مظانه في كتاب النذر فلا حاجة لذكر هذا الخلاف هنا([27])

المسألة الخامسة: صيام أيام التشريق:

وهي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.

والكلام على هذه المسألة على قسمين:

القسم الأول: صيام أيام التشريق تطوعًا:

فيه خلاف يسير:

القول الأول: يجوز صيامها تنفلًا.

وهو قول بعض السلف.

دليلهم: لا نعلم دليلهم بالضبط، لكن الظاهر أنهم لم يبلغهم النهي عن صيامها.

القول الثاني: لا يجوز صيامها تنفلًا .

وهو قول الجمهور، منهم: الأئمة الأربعة، والظاهرية.

دليلهم: النهي عن صيامها كما في حديث نُبيشة الهذلي ا قال: قال رسول الله : «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله»([28]).

 وحديث كعب بن مالك ا : أن رسول الله بعثه فنادى: «إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب»([29]).

وحديث عمرو بن العاص ا قال: «هذه الأيام التي كان رسول الله يأمرنا بإفطارها، وينهانا عن صيامها». يعني: أيام التشريق([30]).

وحديث علي ا قال: قال رسول الله : «إن هذه الأيام أيام أكل وشرب، فلا يصومها أحد»([31]).

الترجيح: الراجح: تحريم صوم التطوع فيها، كما عليه الجمهور.

القسم الثاني: صيام الفرض في أيام التشريق؟

فيه خلاف:

القول الأول: يحرم ذلك في القضاء، أو الكفارة، أو النذر ، إلا للمتمتع بالحج إذا لم يجد الهدي تلزم عليه صيام ثلاثة أيام في الحج؛ فله أداءها في أيام التشريق.

وهذا القول مذهب مالك، وقول للشافعي، ورواية لأحمد.

دليلهم: ما جاء عن عائشة وابن عمر م قال: «لم يُرخص بصيام أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي»([32]).

 وهذا وإن لم يكن من المرفوع الصحيح؛ لكنه في حكم المرفوع، فهو بمنزلة قول الصحابي: «أمرنا بكذا، ونهينا عن كذا»، وهذا كله له حكم الرفع على الصحيح من أقوال أهل الحديث، كما هو مبين في علم مصطلح الحديث؛ لأن الأغلب: أن الصحابي يقصد من يأخذ الناس عنه الأمر والنهي، والترخيص والمنع وهو رسول الله ﷺ.

وقد جاء الرفع صريحًا عن ابن عمر ا : أن رسول الله رخص للمتمتع أن يصومها ([33]).

أما بقية الصيام الواجب فيحرم الإتيان به في أيام التشريق؛ لعموم الأحاديث في منع صومها، وإنما استثنى المتمتع بالحج بدليل خاص.

والعلة: أنه قد يضيق على الحاج وقت صومها؛ لأنه مأمور بصومها في الحج، فوسع له بصومها في أيام التشريق من أيام الحج.

القول الثاني: يجوز صوم الفرض مطلقًا في أيام التشريق كالقضاء، والكفارة، والنذر.

وهو وجه للشافعية، ورواية لأحمد.

دليلهم: أن الشرع رخص للمتمع بالحج إذا لم يجد الهدي: أن يصوم في أيام التشريق، فيقاس عليه كل مفروض؛ إذ لا فرق بينها.

القول الثالث: لا يجوز صوم الفرض مطلقًا في أيام التشريق، ولو كان الصوم للحاج المتمتع الذي وجب عليه صوم أيام في الحج.

وهو قول الحنفية، والظاهرية، والصحيح عند الشافعية، ورواية لأحمد.

دليلهم: عموم النهي عن صوم هذه الأيام، كما في الأحاديث السابقة يشمل النفل، ويشمل كل مفروض بدون استثناء.

وأما ما جاء عن ابن عمر وعائشة من الترخيص في صومها للمتمتع لا يجد الهدي؛ فهو موقوف عليهما، وليس من المرفوع إلى رسول الله ﷺ، وأخذاه من عموم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة: ١٩٦]، فقوله: ﴿ فِي الْحَجِّ تعم ما قبل يوم النحر، وما بعده فتدخل أيام التشريق فيها.

ولا حجة في قولهما؛ لما ثبت من الأحاديث المرفوعة في النهي عن صومها مطلقًا.

الترجيح: الأرجح: القول الأول: يجوز صوم المتمتع بالحج إذا لم يجد الهدي في هذه الأيام، فما جاء عن عائشة وابن عمر م فهو من المرفوع حكمًا فيكون حجة شرعية([34]).

المسألة السادسة: صيام قبل رمضان بيوم أو يومين؟

قبل الدخول في المسألة ننبه إلى أن صوم يوم الشك، وهو اليوم الثلاثين من شعبان إذا صاحب ليلة غيم منع من رؤية الهلال فيُصام احتياطا بنية أنه من رمضان أولا يصام لأنه يعد من شعبان – مرت هذه المسألة معنا عند الكلام على هلال رمضان- فلا داعي لإعادتها هنا.

 والمسألة هنا إذا أراد صوم هذا اليوم وحده أو هذا اليوم والذي قبله ولا ينوي بصومه الاحتياط لرمضان وإنما لأجل التطوع:

هذه المسألة فيها خلاف:

القول الأول: لا بأس بصومها ولو تنفلًا غير معتاد له، إذا لم يكن الغرض من صومهما الاستقبال لرمضان.

وهو قول للحنفية، والمشهور عند المالكية، ورواية لأحمد.

دليله: ما جاء عن عمران بن حصين م: أن رسول الله سأل رجلًا: «أصمت سرر هذا الشهر؟» قال الرجل: "لا يا رسول الله"، قال: «فإذا أفطرت فصم يومين»([35]).

والسرر هو الآخر من الشهر، وعليه جمهور العلماء وسميت بذلك لاسترار القمر فيها، أي: اختفائه، وهي ليلة ثمان وعشرين، وتسع وعشرين وثلاثين.

فعليه يحمل النهي الذي جاء في حديث أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم»([36])، فيحمل على من نوى صيامهما تعظيمًا لرمضان واستقبالًا له.

القول الثاني: يحرم صومهما ولو لم ينو بصومهما تعظيم رمضان والاستقبال له، إذا كان أراد صومهما تطوعًا لغير سبب، أما إذا صامهما لأنهما وافقا صومًا كان يصومه كالإثنين والخميس أو صوم يوم وفطر يوم أو كان يسرد الصوم – على القول بجوازه- أو اعتاد صوم شعبان فلا بأس.

وهذا القول هو الصحيح عند الشافعية، وقول الظاهرية، ورواية لأحمد.

دليلهم: حديث أبي هريرة السابق فقد نهى عن صومهما، والنهي يقتضي التحريم، واستثنى منه ما إذا كان وافق صومًا اعتاد عليه.

ويقدم حديث أبي هريرة على حديث عمران السابق، فإن حديث أبي هريرة فيه: نهي عام للأمة عمومًا، فهو تشريع عام للأمة فيعمل به، وأما حديث عمران فهي قضية عين في حق رجل معين، فيتعين حمله على صورة صيام لا ينهى عن التقدم فيها؛ جمعًا بين الحديثين.

وذلك بحمله على الآتي:

الأول: يحمل على أنه كان عادة له في صيامه.

الثاني: أنه نذر صوم تلك الأيام.

الثالث: أن هذا الرجل كان يصوم شعبان أو أكثره موافقة لصوم رسول الله ، فسأله رسول الله ﷺ عن صيام آخره، فلما أخبره أنه لم يصم آخره؛ أمره بأن يقضي بدله بعد يوم الفطر.

الرابع: أننا لا ندري ما إذا كان يقول له النبي ﷺ لو قال: إنه صام سرر شعبان أينهاه أم يقره؟

وهذا كله على تفسير السرر بأنه آخر الشهر كما عليه الأكثرون.

وقد فسر بعضهم السرر بوسط الشهر، فالسرر جمع سره، وسره الشيء وسطه، ويؤيده الندب إلى صيام الأيام البيض، وهي وسط الشهر، فعليه لا تعارض بين حديث عمران وحديث أبي هريرة.

والحكمة من منع صيامها:

قيل: التقوي بالفطر لرمضان؛ ليدخل فيه بقوة ونشاط.

وقيل: لأن الحكم في صوم رمضان عُلق بالرؤية، فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم.

وقيل: حتى يحصل الفصل بين النفل والواجب، فلا يُلحق النفل بالواجب.

القول الثالث: مثل القول الثاني إلا أن النهي عندهم للكراهة فقط.

وهو المذهب عند الحنابلة، وقول بعض المالكية، وبعض الحنفية.

الترجيح: الراجح: أنه يحرم صومه تطوعًا؛ بغير سبب اعتاده، والحنابلة يرون بالنهي لكن يحملونه على الكراهة، فكلا القولين عملا بالنهي.

ومن اعتاد صيام شعبان فله صومه، ويظهر أن رسول الله ﷺ كان يعمله كما مر من حديث أسامة بن زيد ا: «كان رسول الله يصوم شعبان، ويصله برمضان»، وحديث أم سلمة ك: «يصوم شهرًا تامًا إلا شعبان غير رمضان».

فائدة: إذا تقدم شهر رمضان بصيام أكثر من يومين بنية النفل؛ فالظاهر لا شيء فيه؛ فإن هذا يفهم من حديث أبي هريرة السابق، فنهى عن التقدم بيوم أو يومين، فيفهم منه أن التقدم بأكثر من ذلك لا يضر ولا ينهى عنه.

وقد نص على هذا الحافظ ابن حجر، وابن قدامة، وابن نجيم الحنفي، ومذهب الحنابلة، ومذهب الشافعية، مع بعض التفاصيل عندهم، ولم ينص على هذا ابن حزم، وإنما اقتصر على ما ذكرناه عند أصحاب القول الثاني([37]).

المسألة السابعة: صيام النصف الثاني من شهر شعبان:

فيه خلاف:

القول الأول: لا يكره صيام هذه الأيام مطلقًا.

وهو قول جمهور العلماء، منهم: المالكية، والحنفية، والمذهب عند الحنابلة.

دليلهم: الأحاديث الكثيرة الصحيحة الدالة على جواز صيام النصف الثاني من شعبان وعدم كراهية ذلك، عدا إفراد صيام اليوم واليومين قبل رمضان – كما مر-

فمن هذه الأحاديث:

الأول: ما جاء أن رسول الله ﷺ كان يصوم شعبان كله، وأنه كان يصله برمضان.

والثاني: حديث أبي هريرة ا في النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين، يفهم منه جواز التقدم قبل ذلك بالثلاثة الأيام فأكثر.

الثالث: حديث عمران بن الحصين ا السابق في صيام سرر شعبان وهو آخره.

الرابع: حديث عبد الله بن عمرو م في صيام يوم وإفطار يوم دون استثناء النصف الثاني من شعبان.

وأما حديث النهي عن صوم النصف الثاني من شعبان – وسيأتي تخريجه- فقالوا بضعفه لنكارته ومخالفته لهذه الأحاديث الصحيحة.

القول الثاني: يكره صيام النصف من شعبان في بعض الحالات، ولا يكره في البعض الأخرى -كما سيأتي-.

وهذا القول هو الصحيح عند الشافعية، وقول بعض الحنابلة، ورجحه ابن باز.

وقال الترمذي: «قال بعض أهل العلم: إنه يكره صيامه» اهـ

وقال الطحاوي: «كره صيامه بعض العلماء»اهـ

دليلهم: حديث أبي هريرة ا قال: قال رسول الله : «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»([38]).

فعلى صحته يجمع بين هذا الحديث والأحاديث الأخرى بالآتي:

1- أن من كان له عادة في صوم، فلا يكره له الإتيان بها في النصف من شعبان، كالإثنين والخميس، وصوم يوم وإفطار يوم.

2- أن من صام من قبل النصف، ومن بعده؛ فلا شيء عليه، ويحمل النهي على من تعمد ابتداء صيام النصف؛ لأجل رمضان وكان مفطرًا قبل النصف.

3- أن من خشي الضعف بسبب الصوم هنا فيكره له صيامه؛ لأن التقوي لصيام رمضان أولى، ومن وجد قوة ولا يضعفه هذا الصوم عن صيام رمضان فلا بأس بذلك.

القول الثالث: يحرم صوم اليوم السادس عشر من شعبان خاصة، ولا مانع من صوم ما بعده.

وهو قول الإمام ابن حزم.

دليله: أن اليوم السادس عشر من شعبان هو منتصف الشهر، وعليه يحمل النهي في حديث أبي هريرة، وباقي الأيام يجوز صومها للأحاديث السابقة في صوم شعبان.

الترجيح: الراجح: يكره صوم النصف الثاني من شعبان بناء على ثبوت حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة إلا في الحالات السابقة.([39])

المسألة الثامنة: صوم شهر رجب:

اختلف في استحباب صيامه:

القول الأول: يستحب صيامه، ولو خصه بالصوم.

وهو قول الحنفية، والشافعية، والمالكية.

دليلهم: أنه من الأشهر الحرم، وهذه الأشهر تستحب فيها الطاعة، والإثم فيها أكبر، وقد جاء عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها قال له رسول الله : «صم ثلاثة أيام من الشهر» فقال: "إني أجد قوة، وإني أحب أن تزيدني". فقال له: «فمن الحُرُم صم وأفطر»([40]).

فرجب من الأشهر الحرم، وإنما أمره بالفطر من أيامها؛ لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم.

وكون أهل الجاهلية كانوا يعظمونه، فالجواب: أنه ليس كل ما فعله أهل الجاهلية يحرم علينا فعله، إنما يكون محرمًا علينا إذا نهت الشريعة عنه ودلت القواعد على تركه.

وقد جاء عن ابن عمر م: أنه كان يصوم أشهر الحرم([41]).

وجاء عنه أنه كان لا يكاد يفطر من الأشهر الحرم ولا غيرها([42]).

وفي ”صحيح مسلم (2069): أن أسماء بنت أبي بكر أرسلت لابن عمر م: بلغني أنك تحرم صوم رجب كله، فقال: «أما ما ذكرت من رجب فكيف بمن يصوم الأبد» يعني أنه يصوم السنة بما فيها رجب، فكيف يُظن به أنه يحرم رجب وهو يصومه وزيادة.

القول الثاني: يكره إفراده بالصوم.

وهو قول الحنابلة، واختاره ابن تيمية، والشيخ ابن عثيمين.

وأيضًا يظهر أن هذا قول بعض المالكية.

دليلهم: أن في إفراده بالصوم مع إكمال صومه تعظيمًا له كما كان المشركون يعظمونه وأيضًا بذلك يتخذ عيدًا وقد جاءت الآثار عن الصحابة في النهي عن صيامه.

فعن عمر ا: أنه كان يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان، ويقول: «كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية»([43]).

وعن ابن عباس م: أنه كان ينهى عن صيام رجب كله لئلا يتخذ عيدًا([44]).

وعن ابن عمر م: أنه كان إذا رأى الناس، وما يعدون لرجب كره ذلك([45]).

وتزول هذه الكراهة إذا صام شهرًا مع رجب من السنة إما قبله أو بعده، أو في أي شهر من السنة، وكذلك إذا أفطر أيامًا من رجب؛ لأن العلة وهي التعظيم كما يعظمه المشركون تنتفي هنا.

فمن عظم رجب بغير الجهة التي كان أهل الجاهلية يعظمونه بها؛ فليس بمقتد بالجاهلية.

ولعموم الأدلة في فضل الصوم وفوائده، وهذا يعم جميع أيام السنة إلا الأيام التي نهى الشرع عن صيامها.

وما جاء عن ابن عمر من صوم الأشهر الحرم؛ فلأنه كان يكثر الصوم فيها وفي غيرها كما في الأثر الثاني عنه، وكان يسرد الصوم ويكثر منه في سَنته، فيحمل إنكاره على ما يفعله الناس في رجب من إفراده بالصوم، وصومه كله، فلو صاموا غيره معه فلا مانع عنده أو أفطروا بعضه فلا مانع كذلك.

الترجيح: الراجح: مذهب الحنابلة يكره إفراده بالصوم، وتخصيصه بالصوم دون غيره؛ لما يؤدي إلى التشبه بأهل الجاهلية في تعظيمه.

وقد جاء في حديث أسامة بن زيد ا: أن رسول الله كان يصوم شعبان، ويقول: «شهر غفل عنه الناس بين رجب ورمضان» وسنده حسن وقد مر معنا، فقد يفهم من هذا أن الناس يصومون رجب، وأن هذا الحديث يدل على استحبابه، لكن لم أجد من استدل به، ومعناه كما ذكر ابن رجب أن الناس يشتغلون بهما عن شعبان؛ لأنهما شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام.

قلت: فلا يلزم منه أن يكون رجب من الأشهر التي يستحب صومها كمحرم وشعبان، وحتى لو وجد فيه الصوم، فالشرط ألا يوافق طريقة أهل الجاهلية في تعظيمه بتخصيصه بالصوم كاملًا دون غيره، أو دون الإفطار فيه.

وقد جاءت أحاديث عديدة في فضل صيام رجب وفي المنع من صيام رجب، وكلها لا تصح، فهي إما موضوعة وإما ضعيفة، كما قاله ابن تيمية وابن حجر والشوكاني وغيرهم([46]).

 

([1]) رواه البخاري (1942) ومسلم (1121) واللفظ له.

([2]) سنده صحيح: رواه أحمد (5/248)، وعبد الرزاق (7899)، والبيهقي (4/301)، وغيرهم.

وصححه شيخنا مقبل الوادعي في الصحيح المسند (1/415).

([3]) فيه ضعف: رواه البيهقي (4/301)، وفي سنده زرعة بن ثوب السائل لابن عمر روى عنه اثنان ولم يوثقه معتبر، وكان ولي القضاء على دمشق في عهد الوليد، وكان لا يأخذ أجرة على القضاء. ترجمته في تاريخ البخاريوالجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والثقات لابن حبان وتاريخ دمشق“ لابن عساكر.

والأقرب عندي أنه مجهول حال، فهو وإن كان صالحًا في دينه، لكن بقي معنا الضبط والحفظ، فيكون الحديث ضعيفًا، والله أعلم.

([4]) سنده ضعيف: فيه أبو معانق عبد الله بن معانق مجهول حال رواه البيهقي (4/301).

([5]) وجاء عن أبي موسى الأشعري موقوفًا، دون ذكر رسول الله ﷺ.

انظر الحديث مرفوعًا وموقوفًا في مسند أحمد (4/414)، وابن أبي شيبة (2/328)، وعبد الرزاق (4/296)، والمنتخب لعبد بن حميد (ص/197)، وابن خزيمة (2155)، والبيهقي (4/300).

والموقوف أصح، قال شعيب الأرناوط في تحقيقه لـمسند أحمد: «موقوف وله حكم الرفع» وهو كما قال فقوله: «ضيقت عليه جهنم» لا تقال لمجرد الرأي فهو مما لا مجال للاجتهاد فيه.

([6]) رواه البخاري (1977، 1979) ومسلم (8/36).

([7]) رواه مسلم (1162)

([8]) سنده حسن: رواه أحمد (5/201)، والنسائي (4/202)، وحسنه الألباني في الإرواء“ (948).

([9]) سنده صحيح:  رواه ابن أبي شيبة (2/328)، وعبد الرزاق (4/298)، وقد جاء عن ابن عمر: أن عمر سرد الصوم قبل موته بسنتين. رواه ابن أبي شيبة (2/328) والبيهقي (4/301)، لكن سنده ضعيف.

([10]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين (3/302)، فتح باب العناية (1/582) حاشية الخرشي (3/53)، المنتقى للباجي (2/60)، المحلى (مسألة رقم/790)، المجموع (6/389)، فتح الباري (4/742)، المغني (4/430)، الإنصاف (3/342) سنن البيهقي (4/301)، زاد المعاد (2/80)، فتاوى اللجنة الدائمة“ (23/221).

([11]) سنده حسن: رواه أحمد (1/406)، والترمذي (742)، وأبو داود (2450)، والنسائي (4/204)، وابن ماجة (1725)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي“ (592).

([12]) سنده ضعيف: رواه ابن أبي شيبة (2/303).

([13]) رواه البخاري (1985) ومسلم (1144).

([14]) رواه البخاري (1984) ومسلم (1143) وقال البخاري عقبه: زاد غير أبي عاصم – أحد الرواة- أن ينفرد بصوم.اهـ

وقد روى النسائي في الكبرى (3/205) عن جابر قال: سمعت رسول الله r ينهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم. وسنده صحيح.

([15]) رواه البخاري (1986).

([16]) سنده صحيح: رواه ابن أبي شيبة (2/302)، وعبد الرزاق (4/281)، فأقسم عليهم ووصفه بأنه يوم عيد.

وجاء عن بعض الصحابة نحوه وفيه ضعف.

([17]) رواه مسلم (8/16)؛ لكنه حديث معل، فقد وهم فيه بعض الرواة، كما قاله أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني وأبو مسعود الدمشقي، ورجحوا أنه عن ابن سيرين عن أبي الدرداء، وليس هو كما في مسلم عن ابن سيرين عن أبي هريرة، وابن سيرين لم يسمع من أبي الدرداء، فيكون الخبر ضعيفًا للانقطاع في السند.

وأما سبب إخراج مسلم له فقد قال أبو مسعود الدمشقي: «إنما أراد مسلم بإخراج حديث ابن سيرين عن أبي هريرة ليكثر طرق الحديث، وإلا فقد أخرجه من حديث جابر، وحديث أبي صالح عن أبي هريرة ما يبين أن الحديث ثابت عن رسول الله ﷺ» اهـ

وقال شيخنا مقبل الوادعي: «لعله أخرجه ليبين علته كما وعد بذلك في مقدمته». اهـ

انظر مسند أحمد (2/394و6/444)، وعبد الرزاق (4/479)، وعلل الدارقطني (8/128)، وعلل ابن أبي حاتم (1/198)، والإلزامات والتتبع تحقيق الشيخ مقبل (ص/200).

([18]) مراجع: ”فتح باب العناية (1/581)، حاشية ابن عابدين (3/301)، الاستذكار (10/260)، حاشية الخرشي (3/54)، فتح الباري (4/757، 758)، المجموع (6/437)، زاد المعاد (2/86)، الإنصاف (2/347)، الاختيارات العلمية لابن تيمية (ص/164)، كتاب الصيام شرح العمدة (2/652)، فتاوى ابن باز (15/414)، فتاوى اللجنة الدائمة“ (10/347).

([19]) انظر ”عون المعبود“ (7/86).

([20]) حديث صحيح: رواه أحمد (4/189، 6/368)، وأبو داود (2421)، والترمذي (744)، وابن ماجه (1726)، والنسائي في الكبرى (3/209 وما بعدها)، والبيهقي (4/302) وتمام في الفوائد (653) والطبراني في الكبير (24/330)، والمقدسي في المختارة“ (9/104).

وقد اختلف فيه على عبد الله بن بسر ا  فمرة عنه: عن رسول الله ﷺ، ومرة عنه عن أخته الصماء عن رسول الله ﷺ، ومرة عن أخته عن عائشة مرفوعًا، ومرة عن عبد الله عن خالته الصماء به مرفوعًا، ومرة عنه عن عمته الصماء به مرفوعًا، ومرة عنه عن أمه به.

وهذا الاضطراب في السند؛ لكنه لا يؤثر لإمكانية الترجيح فيه عند النظر في جميع الطرق، فأصح طرقه عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء به، ثم تليها وسندها صحيح أيضًا عن عبد الله بن بسر عن رسول الله ﷺ، ولا يعد هذا اضطرابا، فلعل عبد الله سمعه من أخته، ثم سمعه من رسول الله ﷺ، فكان يحدث بالوجهين، أو لعله سمعه من أخته فكان أحيانًا يحدث عنها، وأحيانًا يرسل وهو صحابي.

وقد صحح الحديث جماعة من المحدثين كالدارقطني، وابن خزيمة، وابن حبان، وغيرهم، وقال أبو داود عقبه-: «هذا منسوخ». قال ابن تيمية: «يدل قوله هذا على جودة إسناده عنده» اهـ

وصححه الشيخ الألباني /.

وضعفه جماعة من المحدثين، فقال الإمام مالك: «هذا كذب»، وقال النسائي: «مضطرب»، وكان يحيى القطان يتقي التحديث به، وضعفه الأثرم، والطحاوي، وابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم.

وأعلوه بأمرين:

الأول: الاضطراب.

الثاني: الشذوذ لمخالفته الأحاديث الصحيحة التي تدل على مشروعية صيام النافلة في يوم السبت.

قلت: والحديث صحيح عندي، والله أعلم.

فالجواب على الاضطراب سبق.

وأما شذوذه فهذا ظاهره؛ لكن يمكن الجمع بينه وبين بقية الأدلة الصحيحة التي يظهر منها المخالفة له على ما سيأتي، فلا يكون معارضًا لها، ولا تنافي بينها وبينه في هذه الحالة.

 انظر: التلخيص الحبير (2/229)، تهذيب السنن مع عون المعبود (7/49)، معاني الآثار للطحاوي (2/80)، المجموع للنووي (6/439)، الإنصاف (2/347) كتاب الصيام لابن تيمية (2/663)، الإرواء (960).

([21]) سنده حسن إن شاء الله: رواه أحمد (6/324)، وابن خزيمة (2167)، والبيهقي (4/303)، وغيرهم، وقد حسنه الأرناوط في تحقيقه لـمسند أحمد“، وضعفه بعضهم.

([22]) سنده ضعيف: رواه أحمد (6/368).

([23]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين (3/302)، معاني الآثار للطحاوي (2/80)، فتح باب العناية (1/581)، مواهب الجليل على أدلة خليل (2/53)، المجموع (6/439)، المغني (4/428)، الإنصاف (3/347)، كتاب الصيام شرح العمدة (2/660)، عون المعبود مع تهذيب السنن (7/50)، فتاوى ابن باز (15/412)، منار الإسلام“ للعثيمين (2/365).

([24]) رواه البخاري (1991) ومسلم (8/13). وبنحوه من حديث أبي هريرة رواه البخاري (1993) ومسلم (1138).

([25]) رواه البخاري (1990) ومسلم (1137).

([26]) رواه البخاري (1994) ومسلم (1139).

([27]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين (3/302، 373)، فتح باب العناية (1/581، 588) حاشية الخرشي (3/63)، فتح الباري (4/764)، المجموع (6/440)، المحلى مسألة/801)، المغني (4/424و13/646)، الإنصاف“ (3/351و11/134).

([28]) رواه مسلم (1141).

([29]) رواه مسلم (1142).

([30]) سنده صحيح: رواه مالك في الموطأ“ (1/376)، وأبو داود (2418).

([31]) سنده صحيح: رواه أحمد (1/76)، والنسائي في الكبرى“ (3/248).

([32]) رواه البخاري (1997 ،1998).

([33]) سنده ضعيف: رواه الطحاوي في معاني الآثار (2/243).

([34]) مراجع: ”فتح باب العناية (1/81)، بداية المجتهد (1/309)، فتح الباري (4/768، 769)، المجموع (6/442، 443، 445)، المغني (4/425)، الإنصاف (3/351)، المحلى“ مسألة رقم/802).

([35]) رواه البخاري (1983) ومسلم (8/43) وفي رواية لمسلم (1161) وعند البخاري (4/753) معلقًا عن النبي r قال له: «صمت من سرر شعبان».

([36]) رواه البخاري (1914) ومسلم (1082)

([37]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين (3/310)، حاشية الخرشي (3/12)، فوائد المعلم شرح مسلم لعياض (4/13، 134)، المجموع (6/399، 404)، فتح الباري (4/625، 754)، المغني (4/326)، الإنصاف (3/348)، المحلى مسألة رقم798)، البحر الرائق“ (2/419).

([38]) سنده حسن على شرط مسلم: عن العلا بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به، رواه أحمد (2/442)، وأبو داود (2336)، والترمذي (738)، وابن ماجة (1651)، والنسائي في الكبرى“ (2923)، والدارقطني (2/191)، والبيهقي (4/209)، وغيرهم.

وقد اختلف العلماء في تصحيحه.

فصححه جماعة من أهل العلم، منهم: الترمذي، وابن حبان، والطحاوي، وابن القطان الفاسي، وابن عبدالبر، وابن حزم، وغيرهم؛ مشيًا على ظاهر السند، ولإمكان الجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى التي ظاهرها المعارضة له، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (590) والشيخ ابن باز في فتاويه (15/385).

وضعفه جماعة من العلماء كابن مهدي، وابن معين، وأحمد، وأبو زرعة، والأثرم، والخليلي، وقالوا: منكر لأنه مخالف للأحاديث الأخرى المثبتة لصيام النصف الثاني من شعبان، وذكروا أنه وهم فيه العلاء ولم يتابعه أحد.

قال ابن رجب: «تكلم في هذا الحديث من هو أكبر وأعلم ممن صححه». اهـ

والأقرب عندي: أن الحديث يثبت مع ما في النفس من مخالفة الأئمة الكبار الذين ضعفوه، وسبب قبول الحديث: أن هذا الحديث يمكن الجمع بينه وبين الأحاديث التي ظاهرها المخالفة له، فلا نكرة في المتن في هذه الحالة، وقد قال أبو داود : «وكان ابن معين لا يحدث به؛ لأنه كان عنده أن رسول الله r كان يصل شعبان برمضان، وقال العلا بن عبد الرحمن عن رسول الله ﷺ» خلافه قال أبو داود: «وليس هذا عندي خلافه» اهـ  أي: أنه لا يخالفه.

وقولهم: "إن العلا بن عبد الرحمن وهم فيه" قد ثبت عن العلا عند أبي داود وغيره أنه كان يرد على من وهمه فيه فيقول: اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة فيذكره، فبهذا يُدفع وجود الوهم منه هاهنا، والثقة إذا تفرد بحديث لم يكن علة له بمجرد تفرده، وقد أخرج مسلم للعلاء عن أبيه عدة أحاديث.

وانظر الكلام على هذا الحديث تهذيب التهذيب (8/187)، عون المعبود مع تهذيب السنن لابن القيم (6/330)، الوهم والإيهام لابن القطان (2/187)، لطائف المعارف لابن رجب (ص/320) الاستذكار (10/239)، صحيح ابن حبان (8/355) مع المراجع الأخرى التي خرجت هذا الحديث ومرت معنا.

([39]) مراجع: ”معاني الآثار (2/84)، حاشية الخرشي (3/12)، المجموع (6/400)، المغني (4/327) كتاب الصيام شرح العمدة (2/648)، الإنصاف (3/348)، لطائف المعارف (ص/320)، المحلى (رقم/800)، فتح الباري (4/625، 732)، فتاوى ابن باز“ (15/385).

([40]) سنده ضعيف: رواه أحمد (5/28)، وأبو داود (2428)، والنسائي في الكبرى (2756)، وابن ماجة (1741)، والبيهقي (4/291)، وغيرهم وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود“.

([41]) سنده صحيح: رواه عبد الرزاق (4/292).

([42]) سنده صحيح: رواه عبد الرزاق (4/292) 

([43]) سنده صحيح: رواه ابن أبي شيبة (2/345)، وصححه الألباني في الإرواء“ (957).

([44]) سنده صحيح: رواه عبد الرزاق (4/292).

([45]) سنده صحيح: رواه ابن أبي شيبة (2/345)، وصححه الألباني في الإرواء“ (958).

قال ابن قدامة، وابن تيمية: «ورواه الإمام أحمد وزاد فيه ويقول: «صوموا وأفطروا»»، ولم أقف على سنده عند الإمام أحمد.

وقال الألباني: «لم أقف على سند الإمام أحمد لنعرف منه صحة هذه الزيادة، وإن كان يغلب على الظن صحتها»اهـ

([46]) مراجع: ”الفتاوى الهندية (1/202)، حاشية الدسوقي (2/139)، مواهب الجليل (3/319)، المجموع (6/386)، الحاوي الكبير (3/474)، المغني (4/429)، الإنصاف (3/346)، الفتاوى لابن تيمية (25/290) كتاب الصيام شرح العمدة (2/550)، الممتع (6/476)، لطائف المعارف (ص/286، 309)، الموسوعة الفقهية“ (28/95).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=2047