يحتوي هذا المطلب على مسائل:
فيه خلاف:
القول الأول: يأثم؛ لأنه يجب عليه إتمام صوم النافلة إذا شرع فيها، ويلزمه القضاء إذا قطعها عمدًا بغير عذر.
وهذا القول هو المشهور عند الحنفية، والمشهور عند المالكية، ورواية لأحمد.
دليلهم: الأول: قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد:٣٣]، فنهى عن إبطال العمل عند الشروع به، أو بعد إكماله.
الثاني: حديث عائشة ك قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول الله ﷺ فذكرت له حفصة ما حدث، فقال «اقضيا يومًا آخر مكانه»([1]).
الثالث: حديث أبي سعيد الخدري ا: أنه صنع طعامًا فدعا النبي ﷺ وأصحابه، فقال رجل من القوم: "إني صائم"، فقال رسول الله ﷺ: «صنع لك أخوك، وتكلف لك أخوك، فأفطر، وصم يومًا مكانه»([2]).
الرابع: حديث عائشة ك: قالت: دخل علي رسول الله ﷺ يومًا، فقربت له حيسًا فأكل منه، وقال: «إني كنت أريد الصيام ولكن أصوم يومًا مكانه»([3]).
القول الثاني: لا يجب الإتمام ولا القضاء عند قطعه، ويستحب له إتمام صومه، وإلا قضاه استحبابا إذا أفطر.
وهو قول الشافعية، والمذهب عند الحنابلة، وقول بعض المالكية.
دليلهم: الأول: حديث عائشة ك قالت: أهديت لنا هدية، فلما رجع رسول الله ﷺ قلت: "يا رسول الله أهديت لنا هدية، وقد أخبأت لك شيئًا"، قال: «وما هو؟» قلت: "حيسٌ"، قال: «هاتيه»، فجئت به، فأكل، ثم قال: «قد كنت أصبحت صائمًا»([4]).
الشاهد: أنه لو كان الإتمام واجبًا؛ لما أفطر رسول الله ﷺ، ولأتم صومه، وأيضًا لم يذكر أنه سيقضي بعدها، وما جاء: أنه قال: «أصوم يومًا مكانه»، فهي زيادة شاذة ضعيفة – كما مر-.
الثاني: حديث أبي جحيفة ا: أن رسول الله ﷺ آخى بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مبتذلة، فقال: "ما شأنك؟"، قالت: "أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا"، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعامًا، فقال: "كل فإني صائم"، فقال: "ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل"، فلما كان من الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: "نم"، فلما كان من آخر الليل، فقال: "قم الآن"، فصليا فقال له سلمان: "إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه"، فقال النبي ﷺ: «صدق سلمان»([5]).
فأقر النبي ﷺ سلمان على تفطير أبي الدرداء، ولم يأمره بالقضاء.
الثالث: حديث أم هانئ ك: أن رسول الله ﷺ قال: «الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر»([6]).
الرابع: من حيث المعنى: أنه لا يجب عليه صيام النافلة ابتداء، فلا يجب عليه إتمامه إذا بدأ به، وبالتالي لا يجب قضاؤه؛ لعدم وجوب صيامه أو إتمامه بعد الشروع فيه، ويستحب إتمام الصوم حتى لا يبطل عمله، وأن يقضي إذا ترك، ولا يجب؛ لأنه لا يجب عليه الإتمام، وأحاديث المخالفين لو صحت تحمل على الاستحباب فقط.
القول الثالث: لا يجب الإتمام فله الفطر، ولو لغير عذر، لكن يجب عليه القضاء.
وهو قول بعض الحنفية.
دليله: أما عدم وجوب الإتمام؛ فلحديث عائشة في إفطار رسول الله ﷺ بدون عذر، كما مر في ”صحيح مسلم“.
ووجوب القضاء دليله: ما جاء في خارج مسلم من حديث عائشة ك زيادة: أن رسول الله ﷺ قال: «وأصوم يومًا مكانه» وباقي الأحاديث التي فيها الأمر بالقضاء.
الترجيح: الراجح: القول الثاني: لا يجب إتمام الصوم، ولا يجب القضاء إذا أفطر لغير عذر؛ لقوة ما اسُتدل له.
واختاره الشيخ ابن باز([7]).
القول الأول: يجب عليه القضاء.
وهو قول الحنفية.
دليلهم: أنه لما شرع بصوم النافلة صار واجبًا عليه، فإذا أفطر لعذر لم يأثم لكن يجب عليه قضاؤه، كما لو أفطر في رمضان لعذر.
القول الثاني: لا يجب عليه القضاء.
وهو قول أكثر العلماء، منهم: المالكية، والشافعية، والحنابلة.
دليلهم: أما عند المالكية أنه لم يأثم بفطره؛ لوجود العذر فلم يجب عليه القضاء.
أما دليل البقية: لأن إتمام صوم النافلة ليس واجبًا أصلًا فلم يجب قضاؤه إذا أفطره.
الترجيح: الراجح: القول الثاني: لا يجب عليه القضاء؛ لعدم وجوب الصوم عليه أصلًا([8]).
عند حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله ﷺ لرجل: «صُمت سرر شعبان؟» قال: "لا". قال: «فإذا أفطرت فصم يومين» وهو في ”الصحيحين“ – وقد مر-
قال ابن حجر: «فيه مشروعية قضاء التطوع».
وقال ابن رجب: «فيه دليل على استحباب قضاء ما فات من التطوع بالصيام»
وقال العثيمين: «لو لم يتمكن من صيام الأيام الستة في شوال لعذر كمرض أو قضاء رمضان كاملًا حتى خرج شوال؛ يقضيها، ويكتب له أجرها، كالفرض إذا أخره عن وقته لعذر، وكالراتبة إذا أخرها لعذر حتى خرج وقتها، فإنه يقضيها كما جاءت به السنة»اهـ
وسئلت اللجنة الدائمة عن شخص يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وفي أحد الأشهر أصابه مرض فهل يقضي؟
فقالت: «صوم النافلة لا يقضى ولو ترك اختيارا فلا قضاء عليك في ذلك»اهـ
الترجيح: الراجح: مشروعية القضاء؛ لما ذكره من قال بذلك([9]).
عندهم خلاف في تحريم ذلك عليها:
القول الأول: يحرم عليها أن تصوم إلا بإذنه ما دام حاضرًا ليس غائبًا، ولو صامت بغير إذنه؛ صح صومها وتأثم، أما إذا كان غائبًا؛ فلا بأس أن تصوم بغير استئذانه.
وهو قول جمهور العلماء، بما فيهم: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، والصحيح عند الشافعية.
دليلهم: حديث أبي هريرة ا: أن رسول الله ﷺ قال: «لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه»([10]) فهذا نهي، وهو يقتضي التحريم، ولا يبطل صومها إذا صامت بغير إذنه؛ لأن النهي ليس متعلقًا بذات الصوم، إنما هو لأمر خارج عنه، وهو لأجل حق الزوج في الاستمتاع، وله منعها من الصوم إذا كانت صامت بغير إذنه، وهذا في صوم التطوع؛ لأن حق الزوج في الاستمتاع واجب عليها.
أما إذا صامت القضاء فلا يشترط إذنه؛ لأنه واجب عليها أصلًا.
وأما إذا كان غائبًا؛ فلها الصوم بغير إذنه؛ لأن الواجب عليها له من الاستمتاع منعدم هنا لغيابه، وقد نص الحديث على هذا في قوله: «وزوجها شاهد».
القول الثاني: يكره فقط ولا يحرم.
وهو قول بعض الشافعية.
دليلهم: أن النهي للكراهة فقط.
الترجيح: أن النهي للتحريم لظاهر الحديث، كما ذهب إليه الجمهور.
فائدة(1): علمها برضاه يقوم مقام الاستئذان منه، فهو كإذنه، كما نص عليه الشافعية، وبنحوه قال المالكية.
فائدة(2): ألحق الحنفية المريض بالغائب بحكم: أن العلة في تحريم صومها بغير إذنه؛ لأجل حاجته إلى وطئها، ولهذا قيد في الحديث منعها من الصوم إذا كان زوجها حاضرًا، والمريض لا يحتاج إلى الوطء بسبب مرضه، فلم توجد العلة التي لأجلها منعت الزوجة من الصوم بغير إذنه، وهي الرغبة في الاستمتاع، ولو منعها من الصوم؛ فلا يجب عليها الامتناع عند بعض الحنفية، وعند البعض الآخر له منعها؛ لأن الصوم يهزلها، وإن لم يكن الزوج يطؤها الآن.
والأقرب عندي: له منعها فقد يحتاج المريض إلى الاستمتاع مع مرضه، ولم يذكر المريض في الحديث([11]).
([1]) حديث ضعيف: رواه أحمد (6/263)، والترمذي (735)، وعبد الرزاق (4/276)، ومالك في ”موطئه“ (1/306) والنسائي في ”الكبرى“ (3/362) ، والبيهقى (4/276) وابن عبد البر في ”التمهيد“ (10/195) وغيرهم.
واختلف فيه، فرواه بعضهم عن الزهري عن عروة، عن عائشة به، وهذا متصل.
ورواه أصحاب الزهري منهم الثقات الحفاظ عن الزهري، عن عائشة، وهذا منقطع.
والذي رجحه الحفاظ كمسلم، والذهلى، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبخاري، والبيهقي، و النسائي، وغيرهم: أن الزهري لم يسمعه من عروه، وقد ثبت عن الزهري أنه قال: «لم أسمعه من عروة، إنما عن بعض من كان سأل عائشة».
انظر المراجع السابقة، و”التمييز“ لمسلم (167)، و”علل ابن أبي حاتم“ (1/265) و”العلل الكبير“ للترمذي (ص/119).
وله طُرق أخرى عن عائشة ك، كلها ضعيفة كما عند أبي داود (2457)، والنسائي في ”الكبرى“ (3/361)، والبيهقي (4/281)، و”التمهيد“ (10/197) والطحاوي في ”معاني الآثار“ (2/109)، وابن أبي شيبة (2/290)، و”علل الدارقطني“ (15/40) و”التمييز“ لمسلم (ص/168).
([2]) سنده ضعيف جدًا: رواه الدارقطني (2/177).
([3]) سنده ضعيف بزيادة: «ولكن أصوم يومًا مكانه». رواه هكذا بتمامه عبد الرزاق (4/277)، والنسائي في ”الكبرى“ (3285) والدارقطني (2/177)، رواه بعضهم هكذا: عن سفيان بن عيينة، عن طلحة بن يحيى بتمامه.
ورواه آخرون عن ابن عيينة، عن طلحة دون زيادة: «ولكن أصوم يومًا مكانه».
وهكذا رواه الحفاظ عن طلحة بن يحيى بدونها، كما عند مسلم (1154)، وأحمد (6/49، 207)، وابن خزيمة (2143)، والنسائي في ”الكبرى“ (3/364)، والبيهقي (4/275)، وغيرهم.
وقد أنكر هذه الزيادة النسائي، والدارقطني، والبيهقي، فهذه الزيادة شاذة لا تصح.
([4]) رواه مسلم (1154).
([5]) رواه البخاري (1867).
([6]) سنده ضعيف: رواه أحمد (6/341)، والترمذي (732)، والنسائي في ”الكبرى“ (3/365)، والدارقطني (2/174)، والبيهقي (4/276)، وغيرهم.
([7]) مراجع: ”فتح القدير“ (2/360)، ”البحر الرائق“ (2/450)، ”مواهب الجليل“ (3/354)، ”بداية المجتهد“ (1/311)، ”المجموع“ (6/394)، ”المغني“ (4/410)، ”الإنصاف“ (3/352)، كتاب الصيام ”شرح العمدة“ (2/601)، ”فتاوى ابن باز“ (15/420)
([8]) مراجع: ”فتح القدير“ (2/360)، ”بداية المجتهد“ (1/311)، ”المجموع“ (6/396)، ”الإنصاف“ (3/352).
([9]) مراجع: ”فتح الباري“ (4/755)، ”لطائف المعارف“ (ص/337)، ”فتاوى اللجنة الدائمة“ (10/402)، ”الممتع“ (6/466).
([10]) رواه البخاري (5190) ومسلم (1026) وفي رواية للبخاري (5195): «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه».
([11]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/369)، ”مواهب الجليل“ (3/393)، ”المجموع“ (6/392)، ”فتح الباري“ (10/370)، ”كشاف القناع“ (5/188)، ”الموسوعة الكويتية“ (28/99).