هنالك عدة خصال ترغب في نكاح المرأة وهي:
أي: أنها امرأة صالحة حريصة على فعل الطاعات حريصة على ترك المحرمات فهذه يُرجى من ورائها العشرة الطيبة لزوجها والتربية الحسنة لأبنائه والصيانة لحاجاته والعفة لنفسها وإعمار بيت الزوج بالطاعة. وخير ما يقتنيه الرجل من متاع الدنيا المرأة الصالحة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص L قال: قال رسول الله H: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة»([2]).
وقد أمر الشرع باختيار المرأة المتصفة بصفة الدين وتقديم هذه الصفة على أي صفة أخرى فعن أبي هريرة I عن النبي H قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك»([3]).
ففي هذا الحديث إخبار بما يفعله الناس في العادة، فهذه الخصال هي التي يقصده الرجال من النساء غالبا، وحيث إن اللائق بصاحب الدين أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء أمره النبي H بتحصيل صاحبة الدين وجعل قصد ذات الدين مقدم على كل الصفات الأخرى، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم، فالشرع أمر بتقديم صاحبة الدين ولو لم تكن جميلة، ولو كانت فقيرة ولو كانت دونه بالحسب، وإذا اختار الرجل ذات الدين عملا بإرشاد رسول الله H ربما جعل الله في قلبه رغبة واندفاع لهذه المرأة ـ ولو كانت غير جميلة ـ فيراها كأنها من أجمل النساء، ولعل جمال المرأة لا يأتي بخير ولعل مالها كذلك لا يأتي بخير أما صاحبة الدين فلا يأتي دينها إلا بالخير.
وإذا توفر مع صلاحها بقية الصفات جميعها أو بعضها فهو خير على خير لأن النفس البشرية بطبعها تهوى الجمال وتحب الكمال فلهذا أباح رسول الله H النكاح لقصد تلك الصفات المذكورة في حديث ابي هريرة I لكنه جعل قصد الدين أولى وأهم.
وأما حديث عبد الله بن عمرو I قال: قال رسول الله H: «لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل»([4]).
ومعنى: «تربت يداك» أي: التصقت بالتراب، كناية عن الفقر، وهو أسلوب عربي، المراد به: الحث والتحفيز في طلب المأمور به، وهو هنا قصد الزوجة الصالحة. وقيل: معناه: إذا حصلت على ذات الدين استغنيت وإذا لم تظفر بها تربت يمينك أي: افتقرت.
قال الفقهاء: يستحب نكاح البكر ـ وهي التي لم توطأ قبل ـ لأن رسول الله H حض على ذلك فعن جابر I أن رسول الله H قال له: «أتزوجت؟» قلت: نعم، قال: «أبكرا أم ثيبا؟» قال: قلت: بل ثيبا، قال: «فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك»([5]). فيفهم منه: تعليل فضل التزوج بالبكر لما فيه من الألفة التامة إذ لم يسبق لها التعلق برجل قبله فمحبتها له وتعلقها به أكمل وأتم.
وجاء عن رسول الله H أنه قال: «عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسير»([6]).
ومعنى: «أعذب أفواها» أي: ألين كلمة.
و «أنتق أرحاما» أي: أكثر أولادا.
و«أرضى باليسير» قيل من الجماع وقيل: من النفقة. والله أعلم.
وقد تكون الثيب أولى لمن كانت له مصلحة وحاجة إلى نكاحها كرعاية أولاد له أو إخوان له أو لا يقدر على مهر البكر ويريد التزوج أو لكونها فائقة الجمال أو غنية وهو قليل ذات اليد يعجز عن نفقة زوجه، وقد جاء في بعض طرق حديث جابر السابق أن رسول الله H صوبه على اختيار الثيب ودعا له عندما سمع بعذره فقال جابر: قلت يا رسول الله كن لي أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تقوم عليهن، فقال: «أصبت». وفي رواية فقال لي: «بارك الله لك أو قال لي خيرا»([7]).
قال الفقهاء: يستحب التزوج بالولود لأن رسول الله H حض على ذلك، فعن عن معقل بن يسار، قال: جاء رجل إلى النبي H، فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها، قال: «لا» ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم»([8]).
ومعنى «مكاثر بكم الأمم» أي: مفاخر ومباهي بكم سائر الأمم لكثرة أتباعي. وفي هذا رد على دعاة تحديد النسل هذه الدعوة المناقضة لهذا الفضل المذكور في الحديث والمستقاة من قانون الكفار والمضعفة لقوة المسلمين والمنافية للتوكل على الله سبحانه.
وتعرف المرأة بكونها ولودا: إما بالتجربة إذا كانت تزوجت من قبل أو بالنظر إلى حال قريباتها بأن تكون من أسرة نساؤها يعرفن بكثرة الولادة وإما بالمظنة والشابة هي مظنة الولادة.
استحب الفقهاء أن تكون كذلك للأحاديث السابقة المرغبة بنكاحها.
ومعنى (الودود) أي: كثيرة المحبة والتودد للزوج، وهذا مدعاة لبقاء الحياة الزوجية وهذه الصفة ممكن أن تعرف بالنظر إلى حال قرابتها فالغالب سراية طباع الأقارب([9]).
قال الفقهاء: يستحب أن تكون المرأة المختارة جميلة ـ إذا أمكن ـ وهذا مما يستفاد من أمر الشرع بالنظر إلى المخطوبة كما سيأتي.
وجاء عن أبي هريرة I، قال: قيل: يا رسول الله، أي النساء خير؟ قال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله»([10]).
وقوله: «تسره إذا نظر» أي: لجمالها([11]).
وقيل: معناه: لحسن أخلاقها باطنا ودوام اشتغالها بطاعة الله([12]).
ولأن من أهم مقاصد النكاح: حصول الاستمتاع والتحصين بالمرأة وبقدر هذا تكون الألفة والسكينة وهذا في الجميلات أوجد، وقد تكون غير الجميلة أولى من الجميلة إذا كانت أكثر منها تدينا وورعا أو كانت أكثر منها توددا للزوج أو إذا كان لا يقدر على مهر الجميلة ويحصل الإعفاف له بمن دونها، وقد يكون هذا الجمال سببًا لاغترار المرأة وسببا لزهوها فتتمرد على الزوج ويحصل الشقاق، وقد تكون ناقصة في دينها ويفتن بجمالها فيصير أسيرا لها ويتبعها على نقص الدين.
يرغب طالب التزوج بمن كانت ذات مال لما قد يحصل له من ورائها من مصلحة كأن تجود على زوجها بالنفقة فيستغني بمالها أو تستغني بمالها عن كثرة مطالبته بما تحتاج إليه النساء أو لما عساه أن يحصل له منها ولد فيعود إليه ذلك المال أو بعضه بطريق الإرث إن وقع، ومع هذا قد لا يسلم هذا الأمر من آفات فيخشى ممن كانت ذات مال أن يحصل منها المن والأذى والإهانة والتعالي على الزوج فتتكدر الحياة الزوجية وتدخل الأحقاد والبغضاء بينهم.
والحسب هو الخصال والفعال الحسنة للرجل وآبائه لأنهم كانوا إذا تفاخروا حسبوا مناقبهم ومآثر آبائهم فيحكم لمن زاد عدده على غيره والحسيب: الشريف يُعد لنفسه ولآبائه مآثر جميلة وخصالا شريفة.
وقال الفقهاء باستحباب اختيار المرأة الحسيبة لأنه قد يكون سببًا ليكون ولدها نجيبا فإنه ربما أشبه أهلها ونزع إليهم وطبيعة الأصل الطيب أن يتفرع عنه مثله فيأخذ منهم طبع الكرم والشهامة والشجاعة وهذا كله مع وجود الدين وإلا فلا قيمة لهذا الحسب، وقد يرتفع حسب الزوج بحسبها إذا كان دونها في الحسب، ولكن ربما ترفعت عليه واحتقرته إذا كان دونها بالحسب.
أي: ليست من أقاربه القريبين.
استحبها جماعة من الشافعية والحنابلة وعللوه بأمور:
الأول: أن ولد القريبين يأتي ضاويا نحيفا وذلك لضعف الشهوة.
الثاني: أن ولد القريبين يأتي أحمق في الغالب عرف بالتجربة بخلاف ولده من الأجنبية يأتي غالبًا أنجب، يعني: يكون فيه نجابة لأنه يأخذ من طبائع أخواله ومن طبائع أهله.
الثالث: لأنه ربما حصل بينه وبينها جفوة أو طلاق فيؤدي إلى قطيعة الرحم إذا كانت من أقاربه.
الرابع: أن من مقاصد النكاح اتصال القبائل لأجل التعاضد والمعاونة وهذا يحصل بالتزوج بالأجنبية.
ومثل هذه العلل قد تعارضها مصالح أكبر تجعل القريبة مقدمة على الأجنبية كما لو كانت ذات دين أو فقيرة تحتاج للرفق والمساعدة فهي أولى به من الأجنبية أو لأجل تقوية الروابط بين الأسرة الواحدة، وقد تزوج رسول الله H بزينب بنت جحش وهي ابنت عمته، فأمها أميمة بنت عبد المطلب، وزوج فاطمة بعلي L وهي بنت ابن عمه، إلا أن يقال: إنها من القرابة البعيدة فلا تدخل في مقصودهم وكم من أناس تزوجوا ببنات أعمامهم ولم يجدوا إلا الخير([13]).
([1]) المراجع: عمدة القاري للعيني (20/86)، البحر الرائق (3/114)، مرقاة المفاتيح (6/264، 272)، مواهب الجليل (5/20)، طرح التثريب (7/11) فتح الباري (4/153، 168)، مغني المحتاج (3/164)، المغني (9/510)، الإنصاف (8/16)، كشاف القناع (5/8)، عون المعبود (6/30)، الموسوعة الكويتية (41/227)، فقه السنة (2/114)، شرح مسلم للعثيمين (5/93).
([2]) رواه مسلم (1467).
([3]) رواه البخاري (5090)، ومسلم (1466).
([4]) سنده ضعيف: رواه ابن ماجه (1859)، والبيهقي (7/80) وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1060).
([5]) رواه البخاري (5247)، ومسلم (1467).
([6]) محتمل للتحسين: رواه عبد الرزاق (10341)، وسعيد بن منصور (1/144)، وابن ماجه (1861)، والطبراني في المعجم الكبير (10/172)، وغيرهم من طرق متعددة كلها ضعيفة، وجزم الألباني بحسن الحديث بمجموع هذه الطرق في السلسلة الصحيحة (523).
([7]) رواه البخاري (4052، 5367)، ومسلم (1467).
([8]) سنده صحيح: رواه أبو داود (2049)، والنسائي (3227) وغيرهما. وجاء بنحوه من حديث أنس I، سبق تخريجه. وعن ابن عمر، رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (12/377) وسنده صحيح.
([9]) حاشية السندي على سنن النسائي (6/65).
([10]) صحيح لغيره: رواه أحمد (2/251)، والنسائي (323)، والحاكم (2/161)، والبيهقي (7/82) بإسناد حسن. وله شواهد يرتقي بها إلى الصحة كما في مصنف عبد الرزاق (20605) وسنن أبي داود (1664)، وابن ماجه (1857)، والمختارة للمقدسي (9/456) وغيرهم.
([11]) ففي سنن سعيد بن منصور (1/141): امرأة جميلة تسره إذا نظر. وهو مرسل صحيح.
([12]) حاشية السندي على سنن النسائي (6/68).
([13]) الشرح الممتع (12/15)، فتاوى منار الإسلام (2/509).