فيه مسائل:
اتفق الفقهاء على أنه لابد من الإيجاب والقبول في عقد النكاح فالإيجاب يكون من ولي المرأة كأن يقول: زوجتك ابنتي. والقبول يكون من الخاطب كأن يقول: قبلت هذا التزويج أو هذا النكاح أو رضيت بهذا النكاح أو التزويج.
واختلفوا في ألفاظ الإيجاب والقبول التي يصح بها عقد النكاح:
القول الأول: لا يصح عقد النكاح إلا بلفظ التزويج والإنكاح فقط فلا يصح النكاح بلفظ آخر كالتمليك والهبة والعطية.
وهو مذهب الشافعية وأكثر الحنابلة وقول بعض المالكية.
دليلهم الأول: أنه ليس في القرآن والسنة كلمة استعملت في عقد النكاح غيرهما فيقتصر على ما في الكتاب والسنة.
وأما ما جاء عن سهل بن سعد الساعدي I أن رسول الله H زوج رجلا بامرأة فقال له: «قد ملكتكها بما معك من القرآن»([2]). فاستعمل رسول الله H في عقد النكاح هنا لفظ التمليك فالجواب عنه أنه قد روي أيضًا بلفظ: «زوجتكها» وبلفظ: «أنكحتكها» من طرق صحيحة والقصة واحدة فيكون النكاح انعقد بلفظ واحد من هذه الألفاظ فيترجح اللفظ المعروف في الكتاب والسنة وهو التزويج أو الإنكاح وترد لفظة (ملكتكها):
بأن يقال: إن هذا النكاح انعقد بلفظ التزويج أو النكاح أولا ثم بعد ذلك قال له رسول الله H: «قد ملكتكها» أي بالتزويج السابق أو يكون الراوي وهم فيها فقد رواه الأكثر والأحفظ بلفظ (زوجتكها) وهي في الصحيحين أيضًا فتقدم هذه الرواية.
أو يكون قوله: «ملكتكها» من تصرف الراوي رواها بالمعنى ظنا منه أن معناها واحد.
الثاني: ما جاء عن جابر I في خطبة رسول الله H في حجة الوداع فقال فيها: «واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهم بكلمة الله»([3]).
وكلمة (الله) هنا هي كلمة التزويج والنكاح لأنهما الذين ورد بهما كلام الله وهو القرآن الكريم.
الثالث قوله تعالى: ﴿ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [الاحزاب : ٥٠].
والشاهد: أنه جعل لفظ (الهبة) خالصا لرسول الله H فلا يشاركه غيره فيه.
الرابع: أن بقية الألفاظ غير التزويج والنكاح ليست صريحة في النكاح فينعقد بها غير النكاح أيضًا فهي من الكنايات والكناية إنما يعلم الغرض منها بالنية ولا قدرة للشهود على معرفة ما في نية المتكلم حيث إن الشهود شهود على انعقاد عقد النكاح فوجب أن يكون باللفظ الصريح الذي لا يحتمل غير النكاح.
القول الثاني: أن النكاح ينعقد بغير لفظ التزويج والإنكاح، فينعقد بكل لفظ وضع لتمليك عين كاملة مما عده الناس بمنزلة لفظ النكاح كلفظ التمليك والهبة والعطية بنية الإنكاح والتزويج كأن يقول الولي: ملكتك ابنتي أو وهبتك ابنتي فيقول الخاطب: رضيت ذلك. ولا يصح بالألفاظ التي لا تدل على التمليك كالرهن والوديعة ولا يصح كذلك بلفظ يفيد تمليك المنفعة دون العين كالإجارة والإعارة.
وهو قول أكثر العلماء منهم الحنفية وهو المشهور عند المالكية وقول بعض الحنابلة منهم ابن تيمية وقال: إنه المنصوص عن الإمام أحمد وقياس مذهبه وعليه قدماء أصحابه. اهـ
دليلهم الأول: حديث سهل بن سعد فيه أن رسول الله H قال للرجل: «ملكتكها على ما معك من قرآن»([4]). وقد اتفق الشيخان ـ البخاري ومسلم ـ على إخراجه بهذا اللفظ وهذا دليل على صحته وثبوته عن رسول الله H ومجيئه بلفظ آخر لا يضر فقد كان رسول الله H إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه فجاز أن يكون أعادها بألفاظ متعددة بمعنى واحد.
الثاني: أن هنالك ألفاظا هي حقائق عرفية في العقد أبلغ من لفظ أنكحت فإن هذا اللفظ مشترك بين الوطء والعقد أما لفظ الإملاك فهو خاص بالعقد فلا يفهم من قول القائل أملك فلان من فلانة إلا عقد النكاح بغض النظر ثبتت رواية (أملكتكها) عن رسول الله H أم لم تثبت.
الثالث: أنها وإن كانت ألفاظا غير صريحة وإنما كنايات فهي بنية النكاح تكون نكاحا كما أن الألفاظ الغير صريحة في الطلاق تكون طلاقا إذا نوى الناطق بها الطلاق والشهود يعلمون أن المراد بهذه الألفاظ عقد النكاح بالقرائن التي تحفه من اجتماع الناس وذكر المهر والتحدث بشأن النكاح ووجود حكم من أحكام عقد ا لنكاح وهو القبول والإيجاب من ولي المرأة ورجل متقدم لنكاحها فتجعله هذه القرائن بحكم اللفظ الصريح.
الرابع: أن هنالك عقودا تكون الشهادة فيها مشروعة إما واجبة وإما مستحبة ومع هذا تصح هذه العقود بأي لفظ يفهم منه المراد كما في عقود الطلاق والرجعة والإجارة والبيوع والقرض فكذلك يكون الأمر في عقد النكاح فلا يؤثر اللفظ على الشهادة.
ولا يصح العقد باللفظ الذي لا يفيد التمليك لأن النكاح تمليك وكذلك ألفاظ تمليك المنفعة دون العين لأن النكاح تمليك على التأبيد.
القول الثالث: أنه ينعقد بلفظ التزويج والإنكاح والتمليك والإمكان دون غيرها.
وهو قول الظاهرية.
دليلهم: أنها الألفاظ التي جاءت في الكتاب والسنة فيقتصر عليها.
الترجيح: الراجح ما عليه أصحاب القول الثاني أن النكاح ينعقد بكل لفظ تعارف الناس على أنه لفظ إنكاح وتزويج فالعقود تعرف حدودها بالشرع وباللغة وبالعرف أيضًا.
تنبيه: لو اقتصر الخاطب على قول: قبلت أو رضيت فقط فالصحيح عند الشافعية أنه لا يصح العقد فلابد أن يقرنه بلفظ النكاح أو التزويج كأن يقول: قبلت نكاحها أو رضيت بهذا النكاح.
وذهب جمهور العلماء منهم الحنفية والمالكية والحنابلة وهو وجه للشافعية إلى أنه يصح العقد بالاقتصار عليه لاجتماع جزئي العقد وهما الإيجاب والقبول فقوله: قبلت، تقديره: قبلت نكاحها أو التزويج بها يفهم من قول وليها له زوجتك أو أنكحتك فلانة فكان كالمعاد لفظه.
فائدة: إذا لم يحصل الإيجاب والقبول باللفظ وإنما كتبت في ورقة وقع عليها الولي والخاطب فلا يصح العقد فلابد من التلفظ بالإيجاب والقبول من جهة الولي والخاطب([5]).
هذه المسألة مركبة من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: التصحيف في لفظ الإيجاب أو القبول أو فيهما([6]).
ومعنى التصحيف في اللفظ: أي إبدال حرف مكان حرف كأن يقول ولي المرأة جوزتك فلانة فيقول الخاطب قبلت تجويزها.
ففي صحة العقد في هذه الحالة خلاف بين الفقهاء:
القول الأول: يصح العقد إذا كان الناس تعارفوا على عقد النكاح بهذا اللفظ.
وهو قول بعض الحنفية وشيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشيخ العثيمين.
دليلهم: أن عقد النكاح لا يشترط فيه لفظ معين فما عده الناس عقدا فهو عقد وكل ما سمي نكاحا في العرف فهو نكاح كما لو قال الرجل: جوزتي طالق فإنه يقع الطلاق عند أكثر أهل العلم.
القول الثاني: إذا صدر هذا اللفظ المصحف من عارف بمعنى هذا اللفظ فلا ينعقد به النكاح وإذا صدر من غير عارف بمعناه صح العقد.
وهو قول بعض الحنفية وبعض الشافعية.
دليلهم: أن العارف يعلم اللفظ الصحيح فتعداه بغير عذر فلا يصح منه فهو لفظ مصحف محرف عن اللفظ الصحيح المطلوب في العقد ومعناه مخالف لمعنى اللفظ الصحيح ويصح من غير العارف لعدم علمه به بل قصد حل الاستمتاع وعقد النكاح باللفظ الوارد شرعا فوقع له ما ذكر.
القول الثالث: يصح العقد سواء صدر من عالم أو من عامي وسواء كانت لغته أم لا.
وهو قول بعض الشافعية.
دليلهم: أن هذا اللفظ لا يخالف المراد والقصد.
الترجيح: الراجح القول الأول أن هذا اللفظ يصح به العقد إذا كان مما تعارف عليه الناس سواء صدر من عارف باللفظ الصحيح أو من غير عارف به فالعبرة بالنية والقصد وقرائن هذا الاجتماع ولعل القول الثالث يتفق مع هذا القول وإلا فظاهره أنه أوسع منه لهذا أفردناه.
القسم الثاني: اللحن في لفظ الإيجاب والقبول أو فيهما([7]).
وذلك كأن يقول زوجتَك بفتح التاء والمطلوب بالضم أو يقول الخاطب قبلتَ بفتح التاء مع أن المطلوب الضم.
وقد ذكر بعض الفقهاء في صحة العقد في هذه الحالة قولين:
القول الأول: لا يصح العقد بهذا اللحن في اللفظ من عارف باللغة ويصح من الجاهل.
وهو قول بعض الحنابلة.
دليلهم: أن المعنى يتغير بحصول هذا اللحن فمثلا قول الخاطب قبلتَ بالفتح يجعل الفاعل هنا المخاطب ـ ولي المرأة ـ أي: قبلت أنت مع أن الخاطب إنما أراد نفسه لا المخاطب.
فإذا صدر هذا من عالم باللغة يعلم هذا الخطأ تغير المعنى عن علم وبدون عذر فلم يصح العقد وإذا حصل من الجاهل فإنه لم يتعمد الخطأ لجهله بالصواب فكان معذورا فصح منه.
القول الثاني: يصح مطلقا من العالم باللغة والجاهل بها.
وهو قول بعض الشافعية وبعض الحنابلة.
دليلهم: أن القصد والمراد معروف فلا تؤثر الألفاظ في الصحة فالنكاح ينعقد بكل لفظ تعارف الناس على أنه يستخدم في عقد النكاح وحصل به النكاح.
الترجيح: الأقرب القول الأول ما دام أن المعنى يتغير ويخرج عن المراد وحصل هذا عن علم بخلاف الجاهل فيصح منه وما دام أن إصلاح لفظ الجاهل ممكن ولا مشقة عليه في إصلاحه إذا نبه وعرف فينبغي على من حضر بينهم أن يعلمه النطق باللفظ الصحيح.
القسم الثالث: عقد النكاح بالأعجمية([8]).
اختلف الفقهاء في صحة النكاح إذا كان بغير اللسان العربي:
القول الأول: لا ينعقد النكاح إلا بالعربية لمن كان يحسن اللغة العربية وينعقد بغير العربية لمن كان لا يحسن النطق بالعربية.
وهو وجه للشافعية والصحيح عند الحنابلة.
دليلهم: أنه لا يصح ممن يقدر على النطق بالعربية لأنه عدل عن اللفظ المطلوب وهو الإنكاح أو التزويج مع القدرة عليه ويصح ممن لا يحسن العربية لأنه عاجز عن النطق بها فكان عذرا في حقه.
القول الثاني: يصح عقد النكاح بغير العربية ولو مع القدرة على النطق بالعربية.
وهو قول الحنفية وهو الأصح عند الشافعية ووجه للحنابلة.
دليلهم: عدم وجود دليل ينص على اشتراط استخدام اللسان العربي في عقد النكاح.
وأيضا اعتبارا بالمعنى فهي تؤدي المعنى المطلوب في العقد من حصول الإيجاب والقبول بين الولي والخاطب.
الترجيح: الراجح القول الثاني صحة العقد بغير اللسان العربي ولومع القدرة على العربية لما سبق ذكره.
وذلك بأن يبتدئ الخاطب بالطلب فيقول مثلا: زوجني ابنتك ويقول الولي: زوجتكها ويقتصرون على هذا. وفي صحة العقد في هذه الحالة خلاف:
القول الأول: لا يصح عقد النكاح.
وهو المذهب عند الحنابلة وهو وجه للشافعية.
دليلهم: أن القبول إنما يكون لأجل الإيجاب وهنا حصل القبول ولم يوجد بعد الإيجاب فلم يكن قبولا فلم يصح.
القول الثاني: يصح عقد النكاح.
وهو مذهب الحنفية والمالكية والأصح عند الشافعية وهو رواية لأحمد.
دليلهم: أن الإيجاب والقبول قد وجدا واللذان هما شرط صح العقد فلا يضر تقدم أحدهما على الآخر كعقد البيع يصح بتقديم القبول على الإيجاب.
الترجيح: القول الثاني الذي ينص على صحة العقد هو الأرجح أما إذا قال الخاطب بعده قبلت أو رضيت فيصح العقد قطعا فيبتدئ الخاطب بالطلب ثم يرد الأب بالإيجاب ثم يختم الخاطب بالقبول.
اختلف الفقهاء هل يشترط أن يكون القبول بعد الإيجاب مباشرة أم لا يشترط ذلك:
القول الأول: يشترط أن يكون القبول بعد الإيجاب مباشرة على الفور فيؤثر الفصل الطويل بينهما ولا يضر الفصل اليسير.
وهو الصحيح عند الشافعية.
دليلهم: أن الكلام ينقطع وينفصل عند وجود الفصل الطويل بخلاف اليسير.
القول الثاني: يصح العقد ما داما في مجلس العقد ولا يشترط الفور بشرط ألا يتشاغلا عنه بما يقطعه.
وهذا هو مذهب الحنفية والمذهب عند الحنابلة وهو وجه للشافعية.
دليله: أما صحته ما داما في المجلس ولو وجد الفصل الطويل فقياسا على بقية العقود فالقبض عند بيع الأصناف الربوية يصح إذا كان في نفس المجلس ما لم يفترقا ولو طال الفصل وكذلك ثبوت خيار الفسخ في عقود المعاوضات فلو اشترى سلعة ثم ردها في نفس المجلس صح منه ولو تأخر في ردها. وأما إذا تشاغلا بما يقطع العقد فلا يصح النطق بالقبول بعد ذلك لأن الخاطب معرض عن العقد بالاشتغال عن النطق بالقبول وكذلك من باب أولى إذا انفصل المجلس ولم يوجد فيه إلا الإيجاب فقط.
القول الثالث: يصح ولو لم يتحد المجلس فلو قال الولي زوجتك فلانة ثم تفرقا فقال الخاطب في مكان آخر قبلت نكاحها صح العقد.
وهو رواية للإمام أحمد.
الترجيح: لعل القول الثاني هو أرجح الأقوال كما يظهر من دليلهم.
تنبيه: أما العقد عن طريق الهاتف فقالت
اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية: نظرا لكثرة التغرير والخداع والمهارة في تقليد بعض الناس أصوات آخرين ونظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بحفظ الفروج والأعراض والاحتياط لذلك أكثر من الاحتياط لغيرها من عقود المعاملات فإنه ينبغي ألا يعتمد في عقود النكاح في الإيجاب والقبول على المحادثات التلفونية. اهـ
وهذا أيضًا قرار المجمع الفقهي الإسلامي فقال: لا يصح إجراؤه عن طريق الفاكس والحاسب الآلي والهاتف وذلك لاشتراط الإشهاد فيه([1]).
إذا حصل الإيجاب أو القبول أو كلاهما على سبيل المزاح والهزل لا على سبيل العزم والجد فهل يصح النكاح في هذه الحالة أم لا؟
فيه خلاف عند أهل العلم:
القول الأول: يصح عقد النكاح.
وهو قول جمهور أهل العلم منهم الحنفية وهو المشهور عند المالكية والأصح عند الشافعية ومذهب الحنابلة.
دليلهم: الأول: حديث أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة»([3]). فهذا نص صريح في صحة نكاح الهازل وقد عمل به أهل العلم فقد قال الترمذي عقبه: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي H وغيرهم. اهـ وقال ابن عبد البر عقب هذا الحديث: وهذا المعنى صحيح عند العلماء لا أعلمهم يختلفون فيه. اهـ
الثاني: أن هذا هو المحفوظ عن الصحابة والتابعين كما قاله ابن تيمية وابن القيم وغيرهما فعن عمر بن الخطاب I أنه قال: أربع جائزات إذا تكلم بهن الطلاق والعتق والنكاح والنذر([4]).
وعن علي I قال: ثلاثة لا لعب فيهن: النكاح والطلاق والعتاق([5]).
وعن أبي الدرداء I قال: ثلاث لا يلعب بهن: النكاح والعتاق والطلاق([6]).
الثالث: أن النكاح حق من حقوق الله تعالى واللعب والمزاح في حقوق الله غير جائز فيكون جد القول وهزله سواء بخلاف جانب العباد فكان رسول الله H يمزح مع الصحابة M ويباسطهم أما مع ربه تعالى فيجد كل الجد.
الرابع: أن الهازل في النكاح أتى بالقول قاصدا مريدا له مختارا مع علمه بمعناه وما يترتب عليه فأتى بأسباب انعقاد النكاح إلا أنه لم يرد حكمه وترتيب الأحكام على الأسباب راجع للشرع لا للقائل فإذا أتى بالسبب لزمه حكمه شاء أم أبى لأن ذلك لا يقف على اختياره.
القول الثاني: لا ينعقد نكاح الهازل.
وهو وجه للمالكية ووجه للشافعية.
دليله: أن الهازل لم ينو النكاح حقيقة فلم يقع كعقد البيع لا ينعقد من الهازل. وحديث أبي هريرة ضعيف.
الترجيح: الأقرب ما عليه جمهور أهل العلم من انعقاد نكاح الهازل للمعاني التي ذكرها أهل هذا القول. وأما الحديث فيه فضعيف، ولا يقاس عقد النكاح على عقد البيع لخطورة أمر النكاح والطلاق لتعلقهما بأمر الفروج والنسب فمثلها لا يستهزأ بها ولا يستهان بأمرها ويحتاط لها مع أن هنالك من أهل العلم من قال بصحة بيع الهازل كذلك.
الذي نص عليه الحنفية والشافعية والحنابلة أنه يشترط في صحة النكاح تعيين الزوجين فيشترط في كل من الزوجين أن يكون معينا، فتعيين الزوجة يكون بالاسم كأن يقول: زوجتك ابنتي عائشة أو بالصفة كان يقول زوجتك ابنتي الصغرى أو بالإشارة إليها وذلك حتى تتميز المخطوبة من غيرها.
ولو قال زوجتك ابنتي ولم يسمها ولم يوصفها وليس له سواها صح العقد لأنها تعتبر معينة قال الحنفية وكذلك إن كان له أكثر من بنت كلهن متزوجات إلا واحدة وقصدها وليها في كلامه وكذلك الخاطب في القبول صح العقد.
الخُطبة بضم الخاء هي اسم لألفاظ مشتملة على حمد لله وصلاة على رسوله H وآية تأمر بتقوى الله تعالى.
ولا خلاف بين أهل العلم في مشروعيتها في مجلس عقد النكاح قبل الشروع في ألفاظ الإيجاب والقبول بين الولي والخاطب فعن أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع»([9]).
وعن ابن مسعود I قال: علمنا رسول الله H خطبة الحاجة: الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم قرأ ثلاث آيات من كتاب الله: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢ ﴾ [ال عمران: ١٠٢]. ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ١ ﴾ [النساء : ١]. ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ٧١ ﴾ [الاحزاب : ٧٠، ٧١]([10]).
ولا يتعين في خطبة النكاح ألفاظ مخصوصة وإن كان الأولى الإتيان بما ورد عن ابن مسعود عن رسول الله H.
وقد اختلف الفقهاء في حكم الخطبة قبل عقد النكاح:
القول الأول: واجبة فلابد منها عند عقد النكاح.
مذهب داود الظاهري.
ولعل دليله: أن العمل يكون بدونها أقطع أي أبتر ناقص.
القول الثاني: أنها مستحبة فقط.
وهو قول جمهور العلماء.
ودليلهم: ظاهر ما جاء عن رسول الله H أنه عقد لبعض الصحابة دون ذكر خطبة أثناء العقد ففي حديث سهل بن سعد الساعدي في المرأة التي جاءت تهب نفسها لرسول الله H فزوجها على أحد الصحابة فقال زوجناكها بما معك من القرآن([11]). فظاهره عدم الإتيان بخطبة الحاجة.
الترجيح: الراجح استحبابها فقط كما ذهب إليه جمهور العلماء مع ضعف حديث أبي هريرة السابق وخلاف داود الظاهري هنا يعد شذوذا منه.
تنبيه: ذكر بعض الفقهاء أن الذي يأتي بخطبة الحاجة هو ولي المرأة. وقال بعضهم: يأتي بها الخاطب أو نائبه. وقال بعضهم: العاقد أو غيره، وهو الصواب فالغرض التبرك بها والأخذ بتوجيه رسول الله H. وكل هذا يحصل إذا جاء بها أي واحد منهم ولا دليل على اختصاص ذلك بواحد منهم والمعهود عند الناس في عقودهم أن الذي يأتي بها الشخص الذي يعقد بين الولي والخاطب وهو من يسمى بالمأذون الشرعي.
فائدة: يستحب أن لا يزيد على خطبة الحاجة التي وردت في حديث ابن مسعود.
وهو المذهب عند الحنابلة فقد اقتصر رسول الله H على تعليم الصحابة ما في خطبة الحاجة.
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يستحب عقد النكاح يوم الجمعة لأن السلف استحبوا ذلك ولأنه يوم شريف وفيه خلق آدم ويوم عيد والبركة في النكاح مطلوبة فاستحب له أشرف الأيام طلبا للبركة. وقالت اللجنة الدائمة: لا حرج في عقد النكاح في أي يوم من أيام الأسبوع ولا يختص ذلك بيوم الجمعة لأننا لا نعلم دليلا من الكتاب والسنة يدل على ذلك. اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين: وهذا فيه نظر ـ عند قولهم يسن يوم الجمعة ـ لأنني لا أعلم في هذا سنة فقد كان النبي H يزوج في أي وقت، ويتزوج في أي وقت، ولم يثبت أنه اختار شيئاً معيناً، نعم لو صادف هذا الوقت لقلنا: هذا ـ إن شاء الله ـ مصادفة طيبة، وأما تقصُّد هذا الوقت ففيه نظر([13]). اهـ
واستحب الحنابلة أن يكون في مساء يوم الجمعة لما جاء عن أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «امسوا بالملاك فإنه أعظم للبركة»([14]). ولأن في آخر النهار من يوم الجمعة ساعة الإجابة.
فرع: أما قراءة الفاتحة عند عقد النكاح فهي بدعة لعدم وجود دليل عليها([15]).
([1]) فقه النوازل لجيزاني (3/343)، فتاوى اللجنة الدائمة (18/91).
([2]) مراجع: فتح القدير (3/195)، حاشية ابن عابدين (4/66)، المنتقى للباجي (3/352)، الاستذكار (16/375)، النجم الوهاج (7/52)، المغني (9/463)، الإنصاف (8/47)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/131)، إعلام الموقعين (3/123).
([3]) ضعيف: رواه أبو داود (2194)، والترمذي (1220)، وابن ماجه (2039)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/98)، والدارقطني (3/256)، (4/18)، والحاكم (2/198) وغيرهم عن عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك عن عطاء عن أبي هريرة به. وعبد الرحمن هذا لين الحديث وتفرده بهذا الحديث عن عطاء منكر، فقد روى عبد الرزاق في مصنفه (10243) عن ابن جريج عن عطاء قال: من نكح لاعبا أو طلق لاعبا فقد جاز. وهذا موقوف وسنده صحيح. قال ابن عبد البر: لو كان الحديث صحيحا عن عطاء ـ يعني المرفوع ـ لما خفي على ابن جريج فإنه أقعد الناس بعطاء وأثبتهم فيه. وله شاهد عن الحسن البصري أن رسول الله H قال: «من طلق أو حرر أو نكح فقال: إني كنت لاعبا فقد جاز عليه». رواه ابن أبي شيبة (4/115) والطبري في تفسيره (5/12) وابن أبي حاتم الرازي في تفسيره (2/425)، ومراسيل الحسن البصري من أضعف المراسيل. وأيضًا قد جاء بأصح من هذا عن الحسن البصري عن أبي الدرداء موقوفا كما سيأتي فلعله الأصح عن الحسن البصري.
وللحديث عدة شواهد كلها ضعيفة جدا لا يرتقي بها الحديث للحسن. انظرها في الإرواء (1826) وقد حسن الألباني حديث أبي هريرة I بمرسل الحسن البصري
([4]) ضعيف: رواه ابن أبي شيبة (4/114)، وسعيد بن منصور (3/370)، وعبد الرزاق (10248)، وبنحوه رواه البيهقي (7/341) بإسنادين ضعيفين عن عمر I.
([5]) ضعيف: رواه عبد الرزاق (10247) بسند ضعيف.
([6]) ضعيف: رواه ابن أبي شيبة (4/114)، وسعيد بن منصور (3/370)، وعبد الرزاق (10246) عن الحسن البصري عنه وهذا منقطع، الحسن لم يسمع من أبي الدرداء. كما في جامع التحصيل للعلائي وقد أشار الألباني إلى ضعف هذه الآثار الثلاثة في الإرواء (6/227، 228).
([7]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/66)، روضة الطالبين (5/389)، المغني (9/481)، الإنصاف (8/51).
([8]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/57)، بداية المجتهد (2/3)، حاشية الدسوقي (3/5)، فتح الباري (10/254)، مغني المحتاج (3/178)، المغني (9/464، 466)، الإنصاف (8/38).
([9]) ضعيف: رواه أحمد (2/359)، وأبو داود (4840)، والنسائي في الكبرى (6/127)، وابن ماجه (1894)، والدارقطني (1/229)، والبيهقي (3/208)، وغيرهم بإسناد ضعيف وضعفه الألباني في الإرواء برقم (2).
([10]) سنده صحيح: رواه أحمد (1/392، 432)، وأبو داود (2118)، والنسائي (6/89)، وفي الكبرى (6/26)، والترمذي (1131)، وابن ماجه (1892)، والبيهقي (3/214)، (7/146) وغيرهم عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة وأبي الأحوص عن ابن مسعود به. ورواية أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود منقطعة وجاء في بعض طرقها في أولها عن ابن مسعود في خطبة الحاجة في النكاح وغيره: علمنا رسول الله H خطبة الحاجة. وذكرها. وفي بعضها في آخره: قال شعبة: قلت لابي إسحاق: هذه في خطبة النكاح أو في غيرها؟ قال في كل حاجة. اهـ
وأما رواية ابي الأحوص عن ابن مسعود فسندها صحيح متصل وليس فيها الزيادة المدرجة في بعض طرق رواية أبي عبيدة.
([11]) سبق تخريجه.
([12]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/58)، المغني (9/469)، كشاف القناع (5/20)، فتاوى اللجنة الدائمة (18/92)، الموسوعة الفقهية (41/221).
([13]) الشرح الممتع (12/32) بتصرف.
([14]) لم أقف عليه: ذكره بعض فقهاء الحنابلة في كتبهم وقالوا: رواه أبو حفص العكبري. قال الألباني: لم أقف على إسناده. الإرواء (1820).
([15]) فتاوى نور على الدرب للعثيمين (10/110)، فتاوى اللجنة الدائمة (19/146).
([1]) مراجع: حاشية ابن عابدين (5/67)، فتح باب العناية (2/6)، الذخيرة للقرافي (4/396)، بداية المجتهد (2/4)، المنتقى للباجي (3/275)، شرح مسلم للنووي (9/181، 183)، سنن البيهقي (7/45)، فتح الباري (10/205)، النجم الوهاج (7/48، 51)، المغني (9/460)، الإنصاف (8/45، 49)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/15، 64)، المحلى (1831).
([2]) رواه البخاري (5087)، ومسلم (1425).
([3]) رواه مسلم (1218).
([4]) سبق تخريجه.
([5]) فتاوى اللجنة الدائمة (18/86).
([6]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/71)، حاشيتا قلوبي وعميرة (3/328)، الإنصاف (8/46)، الشرح الممتع (12/38، 40).
([7]) مراجع: حاشيتا قليوبي وعميرة (3/328)، الإنصاف (8/46).
([8]) مراجع: فتح القدير (3/190)، مغني المحتاج (3/182)، المغني (9/461)، الإنصاف (8/49).
([9]) مراجع: فتح باب العناية (2/5)، روضة الطالبين (5/384)، مغني المحتاج (3/182)، المغني (9/462)، الإنصاف (8/50).
([10]) مراجع: فتح القدير (3/193)، حاشية ابن عابدين (4/65)، روضة الطالبين (5/385)، المغني (9/463)، الإنصاف (8/50).