2025/01/15
المبحث الثامن الإشهاد وإعلان النكاح

المبحث الثامن الإشهاد وإعلان النكاح

فيه مسائل:

المسألة الأولى: الإشهاد في عقد النكاح([1]).

اختلف العلماء في اشتراط وجود الشهود في عقد النكاح:

القول الأول: لا يصح عقد النكاح إلا بحضرة شاهدين.

وهو قول جمهور أهل العلم بما فيهم الحنفية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة واختاره علماء اللجنة الدائمة.

دليلهم الأول: حديث عائشة J أن رسول H قال: «ايما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل». زاد فيه بعض الثقات الأثبات: «وشاهدي عدل»([2]). فنص الحديث على أن النكاح لا يصح إلا بشاهدي عدل كما أنه لا يصح إلا بولي.

الثاني: حديث ابن عباس L عن رسول الله H أنه قال: «البغايا اللواتي يزوجن أنفسهن بغير بينة»([3]).

الثالث: عن عمر بن الخطاب I قال: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل»([4]).

القول الثاني: يستحب الإشهاد عند عقد النكاح ولا يشترط ذلك بشرط أن يعلن النكاح ويشاع بين الناس ويظهر أمره ولو بعد العقد ما دام أنه قبل البناء بالمرأة.

وهو قول جماعة من السلف ومذهب المالكية والظاهرية وهو رواية للإمام أحمد ونصره شيخ الإسلام ابن تيمية.

دليلهم: أن الأدلة في اشتراط الإشهاد ضعيفة فقد ضعفها بعض الأئمة كالإمام أحمد وقالوا: لم يثبت عن رسول الله H في الإشهاد على النكاح شيء. اهـ

وعلى ثبوتها يكون المراد بها نفي الكمال لا نفي الصحة فيكون الإشهاد مستحبا فقط فلو كان الإشهاد واجبًا لا يصح النكاح إلا به لجاءت الأدلة صريحة في ذلك لا إشكال في صحتها وذلك لأنه من الممتنع أن يكون ما يفعله المسلمون دائما له شروط لا يصح إلا بها ولا بينها رسول الله H بجلاء لكن لابد من إعلان النكاح وإظهاره حتى يتميز عن السر الذي هو الزنا.

الترجيح: الأحوط الأخذ بمذهب جمهور العلماء لما جاء في الحديث أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل.

وأيضا احتياطا للنسب والفروج وخوفا من الإنكار للعقد.

ويشكل علينا تضعيف بعض الأئمة لأحاديث الإشهاد في النكاح وربما يمكن الرد عليه من وجهين:

الأول: لعل المقصود ضعف هذه الأحاديث على سبيل الانفراد وأما بمجموعها فهي ثابتة ومما يقويه أن المشهور عن الإمام أحمد اشتراط وجود الشهود عند عقد النكاح.

الثاني: أنهم ربما لم يقفوا على كل طرق هذه الأحاديث.

تنبيه: إذا خلا النكاح من الإشهاد والإعلان فإنه يكون باطلا عند عامة العلماء.

إشكال وجواب:

لو قيل: كيف يعرف الشهود رضى المخطوبة بهذا النكاح ما دام أنهم شهود عليه؟

والجواب: يمكن ذلك إما عن طريق سماع كلامها أو عن طريق شاهدين يشهدان بذلك لكن هذا ليس على سبيل الوجوب بل للاستحباب والاحتياط وإلا فيكفي إخبار ولي أمرها برضاها مع تصديق الخاطب له([5]).

المسألة الثانية: عدالة الشاهدين في عقد النكاح([6]).

اختلف الفقهاء في شهود عقد النكاح هل تشترط فيهم العدالة أم لا؟

القول الأول: لا تشترط عدالة الشهود فتصح شهادة الفاسق.

وهذا قول الحنفية وهو رواية لأحمد.

دليلهم الأول: أن الشهادة تحمل فصحت من الفاسق كسائر التحملات.

الثاني: أنه لما صحت ولايته على نفسه فله أن يزوج نفسه ويقر على نفسه بأنه قتل أو زنا مثلا فكذلك تصح على غيره كشهادته على نفسه.

الثالث: ما دام أنه يصلح للولاية الكبرى وهي الخلافة والسلطنة فيصلح للولاية الصغرى وهو القضاء والشهادة من باب أولى.

القول الثاني: لابد من عدالة الشهود ولا تصح شهادة الفاسق.

وهو قول المالكية والشافعية والظاهرية وهو المذهب عند الحنابلة.

دليلهم الأول: الخبر السابق «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» فقيد الشاهد بالعدل وكذلك ثبت هذا عن عمر بن الخطاب I ـ كما مر ـ.

الثاني: أن الفاسق من أهل الإهانة فلا تكرمه ولا تعظيم للعقد بإحضاره.

الترجيح: الراجح القول الثاني لابد من عدالة الشهود لنص الحديث مع أثر عمر I ولأن الشهادة أمانة والفاسق ليس من أهل الأمانة إلا أنه لا تشترط عدالته الظاهرة والباطنة بل تكفي عدالته الظاهرة ولو لم تعلم عدالته الباطنة فعليه تقبل شهادة مستور الحال إذا لم يعلم بجرح ولم يظهر فسقه لأن الأصل في المسلم العدالة وإلا فلو اعتبرنا العدالة الباطنة لم يصح انعقاد النكاح إلا بحضرة الحاكم لأن العامة لا يعرفون غالبًا شروط العدالة وقد أجمع المسلمون على جواز انعقاده بغير حضور الحاكم وهذا هو المذهب عند الشافعية وعند الحنابلة وهو الصواب.

المسألة الثالثة: شهادة النساء في عقد النكاح([7]).

اختلف الفقهاء في صحة شهادة رجل وامرأتين في عقد النكاح:

القول الأول: تصح شهادة رجل وامرأتين في عقد النكاح.

وهو قول الحنفية وهو رواية لأحمد وقول ابن حزم الظاهري.

دليلهم الأول: القياس على صحة شهادتهن في الأموال فكما تصح شهادة رجل وامرأتين في عقود الأموال لقوله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُۚ... إلى قوله تعالى: فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فكذلك في عقد النكاح.

الثاني: ما جاء عن عمر I أنه أجاز شهادة رجل مع نساء في نكاح([8]).

القول الثاني: لا تصح شهادة النساء في عقد النكاح فلا تصح شهادة رجل وامرأتين.

وهو قول جمهور أهل العلم منهم المالكية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة.

دليلهم الأول: نص الحديث السابق: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» فخص الرجال وإنما نص الشرع على قبول شهادتهن في الديون المؤجلة وتقاس عليها بقية الحقوق المالية أما العقود التي لا يطلع عليها غالبًا إلا الرجال وليست من الأموال فلا تقاس عليها فهي من خصائص الرجال.

الثاني: ما جاء عن الزهري أنه قال: مضت السنة من رسول الله H والخليفتين من بعده ألا تجوز شهادة النساء في الحدود والطلاق والنكاح([9]).

وأثر عمر في تجويز شهادة النساء في عقد النكاح فمع ضعفه قد جاء عنه خلافه بسند أصح منه عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: لا تجوز شهادة النساء في النكاح والطلاق([10]).

الترجيح: الأحوط الأخذ بمذهب جمهور العلماء الذي ينص على عدم صحة شهادة النساء في النكاح لعدم وجود الدليل الكافي الذي تطمئن النفس للأخذ به في تجويز شهادتهن في عقد النكاح وذكر هذه المسألة بتوسع أكثر في كتاب الشهادات.

تنبيه 1: يتشرط في الشاهد أن يكون من أهل التكليف فلا تصح شهادة المجنون والصبي وهذا مما لا يعلم فيه خلاف عند الفقهاء.

تنبيه 2: ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا تقبل شهادة الأب لولده في النكاح وغيره وتقبل شهادة الأخ لأخيه في النكاح وغيره([11])، وبسطه وتفصيله تجده في مظانه في كتاب الشهادات.

المسألة الرابعة: إعلان النكاح([12]).

أي إظهاره وإشهاره بين الناس ولا خلاف بين الفقهاء في استحبابه مع وجود الشهود حال العقد لحديث محمد بن حاطب الجمحي قال: قال رسول الله H: «فصل بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح»([13]).

ومعنى الصوت في النكاح أي يتحدث عنه ويُظهر.

وحديث عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله H: «أعلنوا النكاح»([14]).

واختلف الفقهاء لو تواطأ الولي والخاطب والشهود على كتمان النكاح وعدم إعلانه هل يبطل النكاح أم لا؟

القول الأول: يبطل النكاح فلابد من إعلانه وإظهاره.

وهو مذهب مالك ورواية لأحمد وقول بعض الحنابلة.

دليلهم: أن الشرع أمر بإعلان النكاح وذلك حتى لا يشتبه بالزنا الذي يقع في حالة السر والكتمان وفرقا بينه وبين السفاح.

القول الثاني: لا يبطل النكاح مع كراهية كتمانه وعدم إعلانه.

وهو قول الحنفية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة وقول الظاهرية.

دليلهم: عدم وجود دليل ينص على اشتراط إعلان النكاح لصحة عقد النكاح وقد قال رسول الله H: «لا نكاح إلا بولي وخاطب وشاهدي عدل» كما مر من حديث أبي هريرة I. ومعناه: أن النكاح يصح عند وجود هؤلاء ولا يعتبر النكاح نكاح سر إذا شهد عليه عدلان من المسلمين ولأن إعلان النكاح إنما يكون بعد عقد النكاح ولو كان الإعلان شرطا لاعتبر حال عقد النكاح كسائر الشروط.

ويكره ترك إعلانه لمخالفة الأمر بإعلان النكاح فالسنة إعلان النكاح.

الترجيح: الراجح أن النكاح يصح مع الكراهة كما قاله أصحاب القول الثاني لما اعتمدوا عليه. ويفهم من كلامهم أنه لو وطأها في هذه الحالة فإنه يكره ولا يحرم فهي زوجته والنكاح صحيح لكن إذا كان يخشى من ترتب آثار سيئة على ذلك فإنه يمتنع عن ذلك لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما ذكرته اللجنة الدائمة([15]).

المسألة الخامسة: ضرب الدف في النكاح.

الغرض منه أمران:

الأول: إظهار الفرح والسرور الذي يتناسب مع النكاح.

الثاني: إشهار النكاح وإظهاره([16]).

والدف عبارة عن إطار أحد طرفيه مفتوح والآخر مغطى بجلد أو نحوه ولا جلاجل له وحكمه في الأعراس كالتالي:

أولا: للنساء

ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعيته للنساء في الأعراس لحديث محمد بن حاطب: «فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت»([17]).

وعن عائشة J أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال رسول الله H: «يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو»([18]).

ومعنى قوله: (لهو) أي آلة لهو وهي هنا الدف لا غيرها للنهي عن استخدام آلات اللهو والطرب وإنما رخص الشرع بآلة الدف في الأفراح والمناسبات وقد ذهب بعض السلف إلى إنكار الدفوف للنساء للنهي عن استخدام آلات اللهو فعن أبي عامر أو أبو مالك الأشعري قال رسول الله H: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف...»([19]).

الترجيح: الراجح ما عليه جمهور أهل العلم أنه يشرع للنساء ضرب الدف في الأعراس ولا بأس به عند العقد وعند الزفاف وبعده بقليل.

فائدة: لا بأس برقص النساء بمناسبة الزواج أثناء ضرب الدف مع شيء من الغناء النزيه لأن هذا أيضًا من إعلان الزواج لكن بشرط أن يكون في محيط النساء فقط وبصوت لا يرتفع ويتجاوز مكانهن مع التستر الكامل بحيث لا يبدو شيء من عورة المرأة في حالة الرقص كسقيانها وعضديها وإنما يبدو ما جرت عادة المرأة المسلمة بكشفه في حضرة النساء وأيضًا بشرط عدم التشبه بالراقصات العاهرات في رقصهن وإمالتهن وهز أعطافهن ونهودهن وأعجازهن وتكسرهن وتغنجهن بلا حياء ولا حشمة بل عجب بالنفس وغرور فخلاصته أنه مباح إذا سلم من المنكرات([20]).

ثانيا: للرجال

اختلف الفقهاء في جواز ضرب الرجال بالدف عند الأفراح ونحوها:

القول الأول: لا يباح للرجال الضرب عليه.

وهو قول جمهور أهل العلم ورجحته اللجنة الدائمة.

دليلهم الأول: أنه من التشبه بالنساء فالأصل أنه من أعمالهن إنما كان يضرب بالدفوف في عهد رسول الله H وعهد السلف النساء فقط ومن كان يفعله من الرجال كان يعد من المنحرفين فرخص الشرع للنساء بذلك لضعفهن وحرصهن على اللهو كما رخص لهن بالزينة والتحلي بالذهب.

القول الثاني: يباح للرجال الضرب عليه في الأفراح كما يباح للنساء.

وهو ظاهر المنصوص عن الإمام أحمد وظاهر كلام الحنابلة وهو قول بعض الشافعية وكان يرخص به شيخنا الوادعي ومال إليه الشيخ العثيمين.

دليلهم الأول: أن الأدلة في ضرب الدف في الأعراس جاءت عامة لم تخص النساء من الرجال فتشمل الصنفين.

الثاني: أن المراد من ضرب الدف في الأعراس إعلان النكاح وإظهاره وهذا مطلوب من الرجال كما هو مطلوب من النساء بل هو من الرجال أبلغ.

الثالث: الأصل تساوي الرجال والنساء بالأحكام فلا يخص أحدهما بحكم إلا بدليل ولا دليل هنا على تخصيص النساء وأنكر السلف على من فعله من الرجال لأنه كان من خصائص النساء في زمنهم فكان من عادتهم أن النساء وحدهن يضربن بالدف فعليه إذا صارت العادة أن يضرب به الرجال أيضًا فلا يكون تشبها بالنساء ولا يعتبر حينها من خصائص النساء كما هو الحال في الأزمنة المتأخرة يضرب بها الرجال دون نكير عرفي خاصة مع الحاجة لإعلان النكاح.

الترجيح: الأقرب عندي والله أعلم جوازه للرجال أيضًا إذا صار عرف الناس أن يضرب به الرجال دون نكير ولم يعد من خصائص النساء.

تنبيه: أما استخدام آلات الملاهي المطربة والاستماع إليها فهو حرام مجمع على تحريمه ولا يعلم عن أحد من الأئمة الرخصة في شيء من ذلك وكذلك الغناء المهيج للطباع المثير للهوى المخل بالأخلاق لا يباح لرجل ولا لامرأة فعله ولا استماعه فإنه داع للفسق والفتنة في الدين والفجور فهو من المحرمات ولا خلاف بين العلماء المعتبرين فيه ولم يرخص فيه أحد يعتد به([21]).

المسألة السادسة: وليمة النكاح([22]).

المراد بها هنا الطعام الذي يصنع عند الزفاف ويدعى له الناس.

وقد أجمع أهل العلم على أن الوليمة تحصل بأي شيء من الطعام ولا يشترط فيها الذبيحة فعن أنس بن مالك I قال: لما بنى رسول الله H بصفية ودعى المسلمين إلى وليمة فما كان فيها من خبز ولا لحم فأمر بالأنطاع فألقي فيها من التمر والأقط والسمن فكانت وليمة([23]).

واختلف العلماء في حكم إقامة الولية في العرس:

القول الأول: تجب الوليمة.

وهو قول للمالكية وقول للشافعية ورواية لأحمد ومذهب الظاهرية.

دليله: أن رسول الله H أمر بها فعن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة على وزن نواة فرأى رسول الله H بشاشة العرس فقال له: «أولم ولو بشاة»([24]). فأمره بالوليمة ولا تجب الذبيحة فيها مع أمره بها في هذا الحديث لوجود أدلة أ خرى تدل على عدم وجوبها كما مر من حديث أنس في وليمة صفية J وحديث بريدة أن عليا I لما خطب فاطمة J قال له رسول الله H: «إنه لابد للعرس من وليمة»([25]).

وأيضا لما كانت إجابة الداعي إليها واجبة عند الجمهور دل على أن فعلها من الأصل واجب.

القول الثاني: الوليمة سنة فقط ولا تصل للواجب فمن تركها لا يأثم.

وهو قول جمهور أهل العلم منهم الحنفية والمالكية في المشهور والشافعية في الأصح والمذهب عند الحنابلة.

دليلهم الأول: أنه أمر بها مع أمره بالوليمة بالشاة أيضًا كما في حديث عبد الرحمن بن عوف وذبيحة الشاة ليست واجبة بالاتفاق فكذلك الوليمة وأما حديث بريدة فهو ضعيف.

الثاني: أنه طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة المستحبة فليس هو لدفع ضرورة كالنفقة فتجب.

الثالث: أنه لا يعلم أحد قال بوجوبها فتكون سنة بالإجماع.

الرابع: أن سبب الوليمة عقد النكاح وهو غير واجب ففرعه أولى أن يكون غير واجب.

الترجيح: الأقرب عندي القول الأول الذي ينص على وجوب صنع الوليمة في العرس للأمر بها في حديث عبد الرحمن بن عوف ولو كان طعاما لسرور لكنه واجب للأمر به ودعوى عدم وجود من قال بوجوبها مردودة فالخلاف موجود وقد نقل بعض الشافعية أن القول بوجوبه هو نص الشافعي وقال بعض الحنابلة أنه رواية للإمام أحمد.

تنبيه: لا يجوز الإسراف والمباهاة في الوليمة وإن كان التوسعة فيها بغير إسراف أفضل لمن قدر عليه لما سبق في الحديث: «أولم ولو بشاة».

فائدة 1: بالنسبة لوقت الوليمة فالأمر فيها واسع من حين العقد إلى بعد الدخول ولا يوجد وقت من هذه الأوقات تحرم فيها الوليمة قال ابن حجر: اختلف السلف في وقتها فمنهم من قال موسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول. وقال أيضا: استحب بعض الفقهاء أن تكون عند البناء ويقع الدخول عقبها وعليه عمل الناس اليوم. وقال المرداوي الحنبلي: وقت الاستحباب موسع من وقت عقد النكاح إلى انتهاء العرس لصحة الإخبار في هذا وكمال السرور بعد الدخول. وقال أيضا: جرت العادة فعل ذلك قبل الدخول بيسير([26]).

ومزيد من الكلام عليها وعلى بقية أحكام الوليمة في مظانه في كتاب الأطعمة والولائم.

فائدة2: قال ابن عثيمين الوليمة مشروعة في حق الزوج لأن النبي H قال لعبد الرحمن بن عوف: «أولم» ولم يقل لأصهاره أولموا([27]).

المسألة السابعة: محظورات في يوم الزفاف.

يقع الناس في عدة محظورات في يوم الزفاف منها:

1 ظهور الزوج على المنصة بجوار زوجته أمام النساء الأجنبيات عنه اللاتي حضرن حفلة الزواج وهو يشاهدهن وهن يشاهدنه فهذا لا يجوز وهو منكر يجب إنكاره.

2 إطلاق النار وفيه من المخاطر ما يقتضي منعه.

3 تصوير الحفل فمن وجد معه آلة تصوير سواء كانت عند النساء أو الرجال فالواجب الإنكار عليه وزجره لأن التصوير محرم ويشتد تحريمه إذا كان للنساء لما فيه من الفتنة وكشف عورات الناس واستغلالها فيما لا يرضي الله.

4 الزغاريد والتصفيق من النساء عند قدوم العروس ويسمعه الرجال وهذا لا يجوز لما يسبب من الافتتان بهن فقد منعت المرأة من رفع الصوت بالتلبية في الحج والعمرة بحضرة الرجال خشية الفتنة([28]).

5 التخلف عن صلاة الجماعة مع القدرة على الحضور بدون مشقة عليه.

وقد اختلف العلماء فيه فزفاف الزوجة عذر يبيح للزوج التخلف عن صلاة الجماعة عند الشافعية والحنابلة لكن الشافعية قيدوه بالتخلف عنها في الصلوات الليلية وأما المالكية فلم يعتبروا ذلك عذرا قال مالك: لا يتخلف العروس عن الجمعة والجماعات([29]).

المسألة الثامنة: تهنئة الزوجين والدعاء لهما([30]).

قال العلماء: يستحب تهنئة الزوجين والدعاء لهما فعن أبي هريرة I أن رسول الله H كان إذا رفَّأ إنسانا إذا تزوج ـ أي: هنأه بالزواج ودعا له ـ قال: «بارك الله لك ـ أي في أهلك ـ وبارك عليك ـ أي لأهلك فيك ـ وجمع بينكما في خيرـ أي خير ديني ودنيوي ـ»([31]).

وهذا الذي ثبت عن رسول الله H في التهنئة والدعاء أولى من غيره مما اعتاد عليه الناس من التهنئة والدعاء.


([1]) مراجع: فتح باب العناية (2/6)، الاستذكار (16/214)، حاشية الدسوقي (3/6)، المجموع شرح المهذب (17/297)، المغني (9/347)، مجموع الفتاوى (32/127، 129، 131)، الإنصاف (8/102)، المحلى مسألة (1832)، فتاوى اللجنة الدائمة (18/182).

([2]) صحيح: رواه بهذه الزيادة ابن حبان (4075)، والدارقطني (3/225)، والبيهقي (7/125)، وصححه الألباني في الإرواء (1854) بهذه الزيادة. ويشهد له ما جاء عن أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «لا نكاح إلا بولي وخاطب وشاهدي عدل» رواه ابن عدي في الكامل (6/2356) من طريقين عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة به:

الطريق الأولى: رواها أيضًا البيهقي (7/125) وسندها ضعيف.

والطريق الثانية: انفرد بها ابن عدي وظاهر سندها الحسن.

وهنالك شواهد أخرى ضعيفة جدا. انظرها في المراجع السابقة وفي نصب الراية (3/188).

([3]) الصواب وقفه: رواه عبد الرزاق (10481)، والترمذي (1129)، والبيهقي (7/125) وغيرهم وصوب الترمذي والبيهقي وقفه على ابن عباس وهو الصحيح. وبهذا حكم عليه الألباني في الإرواء (1862).

([4]) حسن لغيره: رواه البيهقي (7/126) عن عمر من طرق ضعيفة يثبت بمجموعها.

([5]) انظر مغني المحتاج (3/190)، والنجم الوهاج (7/63).

([6]) مراجع: فتح القدير (3/201)، حاشية الدسوقي (3/6)، المجموع شرح المهذب (17/297-298)، المغني (9/349)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/130)، الإنصاف (8/102)، المحلى مسألة (1832).

([7]) مراجع: فتح القدير (3/199)، فتح باب العناية (2/6)، بداية المجتهد (2/465)، المجموع شرح المهذب (17/297)، المغني (9/349)، الإنصاف (8/102)، المحلى مسألة (1832، 1790)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (8/6043).

([8]) ضعيف: رواه عبد الرزاق (15416)، وابن حزم في المحلى (8/480) عن عطاء عنه وهذا منقطع وفي سنده أيضًا الحجاج بن أرطأة فيه ضعف.

([9]) ضعيف: رواه ابن حزم في المحلى (8/478) وهو عند ابن أبي شيبة (6/544) مختصرا وهذا مرسل وفي سنده ضعف أيضًا.

([10]) رجاله ثقات: رواه عبد الرزاق (15407) وابن المسيب لم يسمع من عمر كثيرا لكنه تتبع أقواله وأحكامه.

([11]) المغني (14/181، 184).

([12]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/57)، حاشية الدسوقي (3/6)، المنتقى للباجي (3/313)، بداية المجتهد (2/17)، النجم الوهاج (7/56)، المغني (9/467، 469)، الإنصاف (8/341)، كشاف القناع (5/66)، مجموع الفتاوى (32/127، 130)، المنتقى للفوزان (3/239).

([13]) سنده حسن: رواه أحمد (3/418)، والترمذي (1113)، والنسائي (6/127)، وابن ماجه (1896)، والبيهقي (7/289) وغيرهم بإسناد حسن. وحسنه الألباني في الإرواء برقم (1994).

([14]) حسن لغيره: رواه أحمد (4/5)، وابن حبان (4066)، والبيهقي (7/288) وغيرهم، فيه عبد الله بن الأسود القرشي قال فيه أبو حاتم الرازي: شيخ. كما في تعجيل المنفعة لابن حجر. ويشهد له حديث محمد بن حاطب السابق. وجاء من حديث عائشة مرفوعا: «أعلنوا النكاح واضربوا بالدف» وفيه عيسى بن ميمون الواسطي متروك. وحسن الألباني حديث عبد الله بن الزبير في الإرواء في ثنايا حديث رقم (1993).

([15]) فتاواها (19/271، 272).

([16]) مراجع: فتح الباري (10/254، 283)، حاشية ابن عابدين (4/59)، حاشية الدسوقي (3/6)، كف الرعاع للهيثمي (ص/91 وما بعدها)، المغني (9/469)، الإنصاف (8/342)، فتح الباري لابن رجب (8/434)، الفروع لابن مفلح (5/237)، الاستقامة لابن تيمية (1/277)، الشرح الممتع (12/349)، فتاوى كبار العلماء في مسائل نسائية (ص/624).

([17]) حسن: سبق تخريجه.

([18]) رواه البخاري (5162).

([19]) سنده حسن: رواه البخاري (5590) معلقا ووصله غيره من نفس الطريق، منهم ابن حبان (6754)، والبيهقي (10/221)، وذكر ابن حجر من وصله من الأئمة ثم قال: فهذا إسناد صحيح لا مطعن فيه ولا علة. فتح الباري (11/176)، وتغليق التعليق (5/17).

([20]) المنتقى للفوزان (3/398)، ورسالة أفراحنا ما لها وما عليها للشيخ أحمد بن عبد الله السلمي عدل الإحساء (ص/107).

([21]) انظر فتح الباري لابن رجب (8/435، 436).

([22]) مراجع: الفتاوى الهندية (5/343)، التمهيد لابن عبد البر(2/189)، شرح الزرقاني للموطأ (3/223)، المفهم للقرطبي (4/136)، المجموع شرح المهذب (16/392، 394)، شرح مسلم للنووي (9/186)، فتح الباري (10/288)، مغني المحتاج (3/312)، المغني (10/192، 193)، الإنصاف (8/316)، المحلى مسألة (1823)، الموسوعة الفقهية (45/233)، الشرح الممتع (12/320).

([23]) رواه البخاري (5159)، ومسلم (1365).

([24]) رواه البخاري (5108)، ومسلم (1427).

([25]) فيه ضعف: رواه أحمد (5/359)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (258)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3017)، والبزار كما في كشف الأستار (1407) وغيرهم. فيه عبد الكريم بن سليط مجهول حال قال ابن حجر في التقريب: مقبول.

([26]) فتح الباري (10/288)، الإنصاف (8/317).

([27]) الشرح الممتع (12/321).

([28]) فتاوى اللجنة الدائمة (19/119، 124، 142)، فتاوى البلد الحرام (ص/685).

([29]) الذخيرة للقرافي (4/462)، الموسوعة الفقهية (27/191).

([30]) مراجع: إعلاء السنن للتهانوي الحنفي (8/3639)، عارضة الأحوذي لابن عربي المالكي (4/248)، البيان في مذهب الشافعي (9/232)، المغني (9/470)، حاشية الخرشي (4/126).

([31]) صحيح لغيره: رواه أحمد (2/381)، وأبو داود (2130)، والنسائي في الكبرى (9/107)، والترمذي (1116)، وابن ماجه (1905) وغيرهم بإسناد حسن وله شواهد يرتقي بها إلى الصحة. انظر آداب الزفاف للألباني (ص/102).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=2062