فيه مسألتان:
وذلك كأن يشترطه الأب لنفسه فيقول لابنتي كذا ولي كذا فهل يلزم هذا الشرط لمن اشترطه لنفسه؟
فيه خلاف بين الفقهاء:
القول الأول: يلزم هذا الشرط لكل من اشترطه كالأب أو الأخ ويكون النكاح صحيحا والمهر صحيحا.
وهو مذهب الحنفية.
دليله: أن الولي وكيل عن المرأة فله أن يشترط لنفسه شيئا ولا يشبه النكاح البيوع حتى يمنع الوكيل من اشتراط شيء لنفسه.
القول الثاني: يفسد المهر المسمى ويلغى هذا الشرط ويلزم مهر المثل ويصح النكاح.
مذهب الشافعية وهو وجه للحنابلة.
دليله: يصح النكاح لأن المهر ليس شرطا لصحة النكاح وإن كان من واجباته ويفسد المهر لفساد الشرط المذكور لأن جميع المدفوع حق للمرأة فقد أنقصت المرأة من صداقها جبرا لأجل ما اشترطه وليها لنفسه فهو كالوكيل في البيع ليس له أن يبيع بسعر ويشترط له من المشتري حصة من البيع ويرجع إلى مهر المثل لأنه إذا فسد المهر المسمى رُد إلى مهر المثل.
القول الثالث: يصح هذا الشرط للأب فقط ولا يصح لغيره من الأولياء وإذا اشترطه غير الأب صح النكاح وصح المهر ويرجع الجميع للمرأة.
وهو قول جماعة من السلف وهو الصحيح عند الحنابلة.
دليله: أما الأب فيجوز له أن يشترط شيئا لنفسه من صداق ابنته لما في القرآن الكريم أن شعيبا S ـ كما سماه المفسرون ـ قال لموسى S: ﴿ قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖ ﴾ [القصص: ٢٧] فزوج موسى S واشترط عليه منفعة لنفسه وهي رعاية غنمة.
ولما جاء من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله H قال: «أنت ومالك لوالدك»([2]).
والشاهد: أنه جعل مال الولد ملكا للأب فعليه يكون صداق البنت ملكا لأبيها فله أن يشترط لنفسه منه ما شاء ولا يصح هذا الشرط لغير الأب لأن الأصل أن جميع ما يعطى هو للمرأة مقابل الزواج بها فيرجع الجميع لها.
القول الرابع: يصح المهر ويرجع كله للمرأة سواء اشترطه الأب أو غيره ولا يصح هذا الشرط لأحد من أوليائها.
وهو قول جماعة من السلف وهو مذهب مالك ووجه للحنابلة.
دليله الأول: أنه حقها أصلا بما استحل من فرجها ولولا هذا الاستحلال لما أعطاها شيئا فاشتراط الولي شيئا منه لنفسه يعتبر أخذا لحق الغير وما لا حق له فيه كاشتراط الوكيل في البيوع لنفسه لا يقبل منه.
الثاني: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله H قال: «أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطاه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته»([3]). فالحديث هذا صريح بأن كل ما دفع قبل العقد فهو للمرأة ولم يستثن الحديث أحدا أما بعد عقد النكاح فهو لمن جعل له سواء كان وليا أو غير ولي أو للمرأة نفسها كهدية أو هبة أما المهر فكله حق للزوجة لا يجوز لأحد أن يأخذ منه شيئا ولا أن يشترط لنفسه منه شيئا.
الترجيح: الراجح القول الأخير أن كله للمرأة وليس لأحد أن يشترط شيئا منه لنفسه سواء كان أبا أو غيره لقوة د ليل أهل هذا المذهب وقد رجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين ويجوز للأب أن يأخذ من مهر ابنته بعد ذلك ما شاء بشرط ألا يضر بها للحديث السابق: «أنت ومالك لأبيك». وأما غير الأب فلا يجوز له أن يأخذ شيئا من مهرها إلا برضاها وبدون إحراج وقد نصت على هذا اللجنة الدائمة([4]) وابن عثيمين([5])، وهذا مستفاد من مسألة أعم وهي هل يجوز للأب أن يأخذ من مال ابنه أو ابنته ولو بغير رضاهما أم لا يجوز له ذلك كبقية الأقارب إلا برضاهما؟
وفي هذه المسألة خلاف عند الفقهاء والصواب جوازه بشروط. وهو المذهب عند الحنابلة لحديث: «أنت ومالك لأبيك»([6]). وبسط هذه المسألة في غير هذا الموضع.
اتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها جائزة التصرف في مالها إذا عفت زوجها من مهرها أو بعضه أو وهبته له أو بعضه بعد قبضه صح ذلك ونفذ عليها قال تعالى: ﴿ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓٔٗا مَّرِيٓٔٗا ﴾ [النساء : ٤].
واختلفوا هل لها الرجوع فيه أم لا؟
القول الأول: لها الرجوع فيه.
قول بعض السلف وهو رواية لأحمد.
دليلهم الأول: قوله تعالى: ﴿ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓٔٗا مَّرِيٓٔٗا ﴾ [النساء : ٤] فإذا طالبت به لم تطب به نفسا.
الثاني: ما جاء عن عمر بن الخطاب I أنه كتب أن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت زوجها فشاءت أن ترجع رجعت([8]).
القول الثاني: ليس لها الرجوع فيه.
قول جمهور أهل العلم بما فيهم الحنفية والمالكية والشافعية والمذهب عند الحنابلة.
دليلهم الأول: الآية السابقة فقد طابت نفسها عندما وهبته أو عفته منه وصار حلالا له.
الثاني: حديث ابن عباس L أن رسول الله H قال: «العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه»([9]). فلا يجوز لها العودة فيه كما لا يجوز للغير العودة في هبته.
الترجيح: الراجح مذهب جمهور أهل العلم ليس لها الرجوع فيما وهبته من مهرها لزوجها أو عفته منه للأدلة المذكورة.
([1]) مراجع: مشكل الآثار للطحاوي (11/325)، بداية المجتهد (2/28)، المجموع شرح المهذب (18/17)، معالم السنن للخطابي (3/186)، المغني (10/118)، الإنصاف (8/248)، عون المعبود (5/116)، سلسلة الأحاديث الضعيفة (3/57)، منار الإسلام للعثيمين (2/537).
([2]) صحيح لغيره: رواه أحمد (2/179، 214)، وأبو داود (3525)، وابن ماجه (2292)، وابن الجارود في المنتقى (995)، والبيهقي (7/480) وغيره بإسناد حسن. وجاء من حديث جابر رواه ابن ماجه (2291)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/158)، ومشكل الآثار (1598)، والطبراني في الجامع الصغير (947)، والخطيب البغدادي في الموضح لأوهام الجمع والتفريق (12/140) عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا وإسناده صحيح. ورواه البيهقي (7/480) عن محمد بن المنكدر قال رسول الله به. وهذا مرسل ولا يضر لثبوت المتصل أيضًا ولهذا الحديث شواهد عديدة انظرها في نصب الراية للزيلعي (3/339) والإرواء للألباني (838، 1626).
([3]) حديث حسن: رواه عبد الرزاق (10739)، وأحمد (2/182)، وأبو داود (2129)، والنسائي (6/120)، وابن ماجه (1955)، والطحاوي في مشكل الآثار (4471)، والبيهقي (7/248) عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا وقد صرح ابن جريج بسماعه من عمرو بن شعيب عند النسائي والطحاوي فالسند حسن لكن يشكل عليه أن البخاري قال: إن ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب كما في العلل الكبير للترمذي (186).
وله شاهد عن مكحول عن رسول الله H بنحوه رواه عبد الرزاق (10743) وهو مرسل صحيح.
وشاهد ثالث من حديث عائشة بنحوه عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة به مرفوعا رواه عبد الرزاق (10740) معلقا ووصله الإمام أحمد في مسنده (6/122) والبيهقي (7/248) عن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب به. وسنده ضعيف لضعف الحجاج بن أرطأة ولعله وهم فيه إنما هو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقد حسن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الأرناؤوط في تحقيقه لمسند الإمام أحمد والمشكل للطحاوي وضعف الألباني الحديث لعنعنة ابن جريج لأنه مدلس في السلسلة الضعيفة (1007) وقد سبق أن ابن جريج صرح بالتحديث في بعض الطرق فانتفت تهمة التدليس هنا وعلى فرض أنه لم يسمع من عمرو بن شعيب فالحديث حسن لغيره بمجموع الطرق.
([4]) فتاوى إسلامية (2/361).
([5]) فتاوى منار الإسلام (2/537).
([6]) المغني(8/273)، الإنصاف (7/154).
([7]) مراجع: التمهيد لابن عبد البر (7/237، 241)، تفسير القرطبي (6/46) فتح الباري (5/534)، المغني (8/279)، (10/163)، الإنصاف (7/147).
([8]) ضعيف: رواه عبد الرزاق (16562) عن محمد بن عبد الله الثقفي أن عمر بن الخطاب كتب به ورجاله ثقات لكن محمد بن عبد الله هو ابن أبي المجالد لم يسمع من عمر فالسند منقطع قال الحافظ ابن حجر: رواه عبد الرزاق بسند منقطع عن عمر. الفتح (5/534).
([9]) رواه البخاري (2589).