فيه مسائل:
صورته: أن يتفق رجل مع امرأة طلقها زوجها الطلقة الثالثة أو مع أوليائها على أن يتزوج بها ليحلها لزوجها الأول فإذا أحلها للأول فلا نكاح بينهما أو إذا أحلها للأول طلقها.
وقد اختلف أهل العلم في حكم هذا النكاح وحكم هذا الإحلال للزوج السابق:
القول الأول: لا يصح هذا النكاح سواء اتفقوا على أنه إذا أحلها للأول فلا نكاح بينهما أو أنه إذا أحلها للأول طلقها وبالتالي لا تحل للزوج الأول إذا فارقها الثاني.
وهو قول جمهور أهل العلم ومنهم المالكية والظاهرية وهو الأصح عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة وقول أبي يوسف الحنفي.
دليلهم الأول: حديث: «لعن رسول الله H المحلِّل والمحلَّل له»([2]).
فهذا الحديث يقتضي التحريم ويدل على فساد المنهي عنه فلا يصح عمل فاعله ملعون وسماه رسول الله H محللا لأنه قصد التحليل فيما لا يحل ولو أحلها حقيقة لما لعن ولا لعن المحلل له.
الثاني: ما جاء عن عمرو بن نافع عن أبيه أن رجلا سأل ابن عمر عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه فهل تحل للأول فقال: لا إلا نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله H([3]).
والسفاح: الزنا فهذا يدل على بطلان هذا النكاح وعدم اعتباره وكان هذا في عهد رسول الله H وهذا له حكم المرفوع وهذه الأدلة تشمل كلا الحالتين إذا اتفقوا على أنه إذا أحلها بطل نكاحه أو أنه إذا أحلها طلقها لتنكح الأول فكلاهما اشترط فيه نية التحليل.
القول الثاني: يصح النكاح في الحالتين فإذا فارقها الثاني حلت للأول.
وهو قول أبي حنيفة.
دليله: أنه شرط فاسد وعقد النكاح لا يفسد بالشروط الفاسدة إذا استكمل العقد أركانه المطلوبة وإنما يبطل الشرط وبالتالي إذا فارقها الثاني حلت للأول لصحة نكاح الثاني فيدخل الأول تحت عموم قوله تعالى: «حتى تنكح زوجا غيره».
وأيضا قد سماه رسول الله H محللا فهذا يقتضي صحة النكاح والحل للزوج الأول فلو لم يحصل الحل لم يكن محلِّلا ومحلَّلا له ولعن فاعله لا يلزم منه فساد النكاح وإن كان فعله محرما واستحق اللعن لوجود شرط في العقد ينافي المقصود من النكاح وهو السكن والتوالد والتعفف.
وما جاء عن ابن عمر فموقوف عليه فلا يعمل به وعارضه الحديث السابق المرفوع الذي سمى فاعله محلِّلا والمقصود بهذا الفعل محلَّلا له.
القول الثالث: يصح هذا النكاح ولا يحلها الثاني به للأول.
قول محمد بن الحسن الحنفي.
دليله: يصح النكاح لأن الشرط الفاسد لا يفسد العقد ولا تحل للأول لأنه استعجل ما أخره الشرع فعوقب بمنعه كمن قتل مورثه استعجالا للميراث فإنه يحرم منه.
القول الرابع: لا يصح النكاح في الحالة الأولى وهي التي يتفقوا فيها على أنه متى أحلها فلا نكاح بينهما ويصح النكاح في الحالة الثانية وهي التي يتفقوا فيها على أنه متى أحلها للأول طلقها الثاني.
وهو قول للشافعي ورواية لأحمد.
دليله: لا يصح النكاح في الحالة الأولى لأنه أفسد من نكاح المتعة لأنه يعقد إلى مدة مجهولة.
ويصح النكاح في الحالة الثانية لأنه وقع مطلقا من غير توقيت ولأن شرطه على نفسه الطلاق لا يؤثر في النكاح كما لو شرط على نفسه أي شرط فاسد فيصح النكاح.
ولأنه لو تزوجها على أن لا يطلقها صح وله أن يطلقها فينبغي كذلك إذا تزوجها على أن يطلقها أن يصح النكاح ولا يلزمه أن يطلقها.
الترجيح: الراجح مذهب جمهور أهل العلم الذي ينص على بطلان النكاح في الحالتين وعدم حلها للأول بهذا النكاح وبدون فرق بين الحالتين وقد رد بعض الشافعية صحة النكاح فيما لو اشترط عليه طلاقها بأن اشتراط الطلاق يجعل هذا النكاح مؤقتا والنكاح ما تأبد ولم يتوقت([4]).
هذه المسألة تحتوي على صورتين:
الأولى: إذا تزوجها الثاني بنية أن يحلها للأول ولم يشترط عليه ذلك([5]).
اختلف أهل العلم في صحة هذا النكاح وبالتالي حلها للأول إذا فارقها:
القول الأول: يصح عقد النكاح هنا وتحل للأول بعد مفارقة الثاني.
وهو قول الحنفية والشافعية والظاهرية وهو وجه للحنابلة.
دليلهم: الأول ما جاء عن ابن سيرين أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فندم وكان في المدينة رجل فقير فعرض عليه زوجها. وفي رواية: امرأة عجوز أن يتزوج المرأة المطلقة ثم يفارقها فقال: نعم فكان ذلك فقالت له الذي تزوجها: إذا قالوا لك فارقها فلا تفعل، فارتفعوا إلى عمر بن الخطاب فقال له: الزم امرأتك ولا تطلقها([6]).
الشاهد: أن هذا الرجل نوى نكاح المرأة لغرض أن يحلها لزوجها الأول ولم تشترط عليه ذلك المرأة التي تزوج بها وصحح عمر نكاحه.
الثاني: أنه خلا من شرط يفسده والعقد إنما يبطل بما شرط فيه مما يخل بالنكاح لا بما قصد كما لو اشترى عبدا بشرط أن يبيعه لم يصح ولو نوى ذلك بدون شرط صح البيع فمجرد النية في المعاملات غير معتبرة فوقع النكاح صحيحا لتوفر جميع شرائط الصحة المطلوبة في عقد النكاح وبالتالي لو فارقها حلت للأول.
القول الثاني: لا يصح هذا النكاح ولا تحل للأول.
وهو قول جماعة من السلف ومذهب المالكية وهو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم: أنه قصد به التحليل فكان كما لو شرطه فلم يكن نكاحه رغبة وقد سبق عن ابن عمر أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ليحللها لزوجها من غير مؤامرة فنهاه وأخبره أن مثل هذا كان يعد سفاحا على عهد رسول الله H فظاهره أنه نواه في نفسه ولم يشترط عليه بالإضافة للأحاديث التي فيها: لعن رسول الله H للمحلل فهي عامة تشمل من تزوج امرأة بشرط التحليل ومن تزوجها بنية التحليل ولو لم يشترط عليه ذلك.
وأما أثر عمر السابق فضعيف وأيضًا لعل هذا الرجل لم يقصد التحليل ولا نواه وإنما أظهر لهم الموافقة ولم يقصده في نفسه فنوى عند العقد غير ما اتفقوا معه عليه.
الترجيح: الراجح القول الثاني الذي ينص على فساد هذا النكاح وبالتالي لو فارقها لا تحل للأول لما سبق ذكره من الأدلة وقد رجحه الشيخ ابن عثيمين([7]).
الصورة الثانية: إذا نوت المرأة التحليل أو نواه أولياؤها ولم ينوه من أراد الزواج بها([8]).
يصح النكاح لأن وجود نية التحليل من المرأة لا أثر له لأن أمر المفارقة والإمساك بيد الرجل وليس بيدها، ولأن رسول الله H إنما لعن المحلِّل والمحلَّل له فلم يذكر لعنها في الحديث.
وقد نص على هذا الحنفية والمالكية وهو الصحيح عند الحنابلة وأيضًا هو مذهب الشافعية والظاهرية لأن التحليل المحرم عندهم هو التحليل المشروط عند العقد أما مجرد وجود نية التحليل فلا تؤثر في النكاح.
وذهب بعض الحنابلة إلى أن نيتها التحليل كنية الرجل للتحليل وقال الشيخ ابن عثيمين: هذا محل خلاف بين العلماء ولم يتحرر عندي الآن أي القولين الأصح([9]). اهـ
الترجيح: الراجح أن نيتها لا تؤثر في صحة النكاح فوجود نيتها وعدمها سواء ولكن لعلها تأثم بسبب هذه النية السيئة.
فائدة: الزوج الأول لا يملك شيئا من العقد فهو أجنبي كسائر الأجانب وإنما استحق اللعن لأمرين:
الأول: أنه سبب لمباشرة الزوج الثاني لهذا التحليل فيما لو عرض عليه هذا.
الثاني: أنه رجع إليها بهذا التحليل المحرم([10]).
الذي عليه عامة العلماء أنها لا تحل لزوجها الأول ولا يصح نكاحه بها إذا طلقها الزوج الثاني قبل وطئها فيتشرط جماع الثاني لها لتحل للأول، فعن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، فجاءت النبي H فقالت: إن عبد الرحمن بن الزبير لا يأتيها وليس معه إلا مثل هذه الهدبة فقال رسول الله H: «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»([12]).
فعسيلة كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل.
وأدنى الوطء المحل تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة وهو الذي يكفي فيه وجوب الغسل ويفسد الصوم والحج ويحصل به الإحصان وإيجاب الحد ولا يشترط حصول الإنزال لأن الشرط ذوق العسيلة لا الشبع وإفراغ الشهوة.
وشذ سعيد بن المسيب عن عامة العلماء فقال: يكفي عقد النكاح ولو لم يحصل الوطء لتحل للأول لظاهر قول تعالى: ﴿ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥ ﴾ [البقرة: ٢٣٠] والنكاح حقيقة في العقد ولم يشترط في الآية حصول الجماع.
ويرد عليه بأن لفظ النكاح هنا محتمل وحديث رفاعة القرظي صريح ومبين للمراد ولعل سعيد بن المسيب لم يبلغه هذا الحديث.
واختلفوا فيما لو وطئها زوجها الثاني وطئا محرما ثم طلقها كما لو كان الوطء في حالة حيض أو إحرام أو صوم:
القول الأول: لا تحل للأول إذا فارقها الثاني فلابد من وطء مباح شرعا.
وهذا قول الإمام مالك وهو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم: أنه وطء حرام فلم يحصل به الإحلال.
القول الثاني: تحل للأول بهذا الوطء.
وهو قول الحنفية والشافعية وهو وجه للحنابلة.
دليلهم: قوله تعالى: ﴿ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥ ﴾ [البقرة: ٢٣٠] وهذه نكحت زوجا غيره.
وأيضا ما سبق في حديث رفاعة القرظي: «حتى يذوق عسيلتها». وهذا الذوق قد وجد بهذا الوطء الذي حصل في محل الوطء بنكاح صحيح.
الترجيح: الراجح القول الثاني تحل للأول بهذا الوطء إذا فارقها الثاني فالوطء حصل في نكاح صحيح فكان كالوطء الحلال.
تعريفه: هو اتفاق الرجل والمرأة على الزواج إلى أجل معلوم مقابل أجرة فإذا انقضى الأجل وقعت الفرقة.
حكمه: إباحة رسول الله H أولا ثم حرمه إلى يوم القيامة بغض النظر هل أبيح مرة واحدة ثم نسخ أم أبيح أكثر من مرة ونسخ أكثر من مرة ما دام أنه حرم بعد ذلك إلى يوم القيامة لأدلة منها:
الأول: عن سبرة بن معبد الجهني أنه كان مع رسول الله H فقال: «يا أيها الناس قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة». وفي رواية: حرمه من يومكم هذا إلى يوم القيامة».
وعنه أيضا: أنه خرج مع رسول الله H عام الفتح إلى مكة فأذن لهم رسول الله H في متعة النساء فاستمتع بامرأة فمكث عندها ثلاثا قال: فلم أخرج حتى حرمها رسول الله H([14]).
الثاني: عن علي I أنه قال لابن عباس: إن النبي H نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر([15]).
الثالث: عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: رخص رسول الله H عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنه([16]).
الرابع: عن ابي بكر بن حفص عن ابن عمر قال: لما ولي عمر خطب في الناس فقال: إن الله أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة([17]).
وعن ابن عمر قال: قال عمر لو تقدمت فيها لرجمت يعني المتعة([18]).
وعن جابر قال: قال عمر: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن نزل منازله... وابتوا نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة([19]).
ولم ينكر هذا على عمر I أحد من الصحابة فكان كالإجماع منهم عليه في زمنه إذ غير جائز حظر ما أباحه رسول الله H إلا عن طريق النسخ.
وقد أجاز المتعة جماعة من السلف وهؤلاء منهم من أجازه لأنه لم يعلم بأن هذا النكاح نسخ ومنهم من أجازه لتأويل عنده فعن جابر I قال: استمتعنا على عهد رسول الله H وأبي بكر وعمر ثم نهانا عمر فلم نعد لها([20]). وهذا محمول على أن الذي استمتع في عهد أبي بكر وعمر لم يبلغه النسخ وإلا لم يفعله وفي تركهم بعد ذلك لما كان رسول الله H أباحه لهم دليل على أن الحجة قد قامت عندهم بعد ذلك على نسخ ذلك وتحريمه ولو لم يثبت عندهم النسخ لما جاز لهم أن يقروا عمر على حظره.
وعن ابن عباس أنه سئل عن متعة النساء فرخص فقال له مولى له إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قله أو نحوه فقال ابن عباس: نعم([21]).
وفي رواية قال مولى له إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قليل فقال ابن عباس صدقت([22]). فكان ابن عباس يرى الجواز في حالة الضرورة ويتأول المنع في غير حالة الضرورة.
وكان كثير من الصحابة والتابعين يعيبون عليه ذلك:
فعن علي بن أبي طالب أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال له: مهلا يا ابن عباس وفي رواية: «إنك رجل تائه» ـ أي: حائر ذاهب عن الطريق المستقيم ـ فإن رسول الله H نهانا عن متعة النساء([23]).
وعن عبد الله بن الزبير قال: «إن ناسا أعمى الله قلوبهم، كما أعمى أبصارهم، يفتون بالمتعة»، يعرض برجل، فناداه، فقال: إنك لجلف جاف، فلعمري، لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين - يريد رسول الله H - فقال له ابن الزبير: «فجرب بنفسك، فوالله، لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك»([24]).
وعن نافع أن ابن عمر سئل عن المتعة فقال: حرام فقيل له: إن ابن عباس يفتي بها فقال فهلا تزمزم بها في زمان عمر([25]).
وعن سالم بن عبد الله قال: قيل لابن عمر إن ابن عباس يرخص في متعة النساء فقال: ما أظن ابن عباس يقول هذا أما والله ما كان ليقول هذا في زمن عمر وإن كان عمر لينكلكم عن مثل هذا وما أعلمه إلا السفاح([26]).
وفي رواية قيل لابن عمر أن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة فقال سبحان الله ما أظنه يفعل هذا وهل كان ابن عباس إلا غلاما صغيرا إذ كان رسول الله H ثم قال ابن عمر نهانها عنها رسول الله H وما كنا مسافحين أي زانيين([27]).
وقال ابن أبي عمر مهلا يا ابن عباس فقال: فقد فعلت في عهد إمام المتقين فقال ابن أبي عمر إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ثم احكم الله الدين ونهى عنها([28]).
وعن ابن شهاب عن عبيد الله أن ابن عباس كان يفتي بالمتعة ويغمض ذلك عليه أهل العلم رأى يعيبون عليه فأبى ابن عباس أن ينتكل عن ذلك حتى طفق بعض الشعراء يقول: يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في ناعم خود مبتلة ... تكون مثواك حتى مصدر الناس؟
قال: فازداد أهل العلم بها قذرا ولها بغضا حين قيل فيها الأشعار([29]).
وقد جاء عن ابن عباس أنه تراجع عن فتواه السابقة في جواز نكاح المتعة([30]).
ثم نهاهم عمر عن المتعة في زمنه فانتهى الجميع كما مر من حديث جابر في صحيح مسلم ثم انعقد الإجماع بعد ذلك على تحريمه ولم يخالف إلا الروافض فقالوا بإباحته كما نقله كثير من أئمة أهل السنة من أهل الفقه والحديث والتفسير قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحدا يجيز نكاح المتعة إلا بعض الروافض ولا معنى لقول يخالف القائل فيه كتاب الله وسنة رسوله. اهـ
وقال أبو عبيد: المسلمون اليوم مجمعون على أن متعة النساء قد نسخت بالتحريم نسخها الكتاب والسنة وهذا قول أهل العلم جميعا من أصحاب الأثر والرأي وأنه لا رخصة فيها لمضطر ولا لغيره. اهـ
وقال الحازمي: فكان تحريم تأبيد لا خلاف فيه بين الأئمة وفقهاء الأمصار إلا طائفة من الشيعة. اهـ
وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الرافضة. اهـ
وقال الكاساني الحنفي: أما الإجماع فإن الأمة بأسرهم امتنعوا عن العمل بالمتعة مع ظهور الحاجة لهم إلى ذلك. اهـ
وقال الخطابي: تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين. اهـ
وقال البغوي: اتفق العلماء على تحريم نكاح المتعة. اهـ
قال ابن رشد: أكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريمها. اهـ
وقال أبو حيان الأندلسي في تفسيره: اتفق فقهاء الأمصار على تحريمه. اهـ
وقال أبو بكر الرازي: وقد اتفق فقهاء الأمصار مع ذلك على تحريمها ولا يختلفون فيه. اهـ
وقال القرطبي: أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض. اهـ
وقال ابن قدامة: وتحريمها قول عامة الصحابة والفقهاء. اهـ
وقال الشوكاني: ثم قد أجمع المسلمون على تحريمها ولم يبق على الجواز إلا الرافضة وليسوا ممن يقدح في الإجماع. اهـ
وهنا نذكر شبهات لمن أجاز نكاح المتعة:
أولا من القرآن: قوله تعالى: ﴿ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ ﴾ [النساء : ٢٤] جاء في قراءة أبي بن كعب زيادة ففي مصحفه: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى» وقرأ كذلك ابن عباس والاستمتاع المؤقت بأجل هو نكاح المتعة فعن ابن جرير الطبري قال: حدثنا أبو كريب , قال: ثنا يحيى بن عيسى , قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث , قال: ثني حبيب بن أبي ثابت , عن أبيه , قال: أعطاني ابن عباس مصحفا , فقال: هذا على قراءة أبي. قال أبو كريب: قال يحيى: فرأيت المصحف عند نصير فيه: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى»([1]). وجاء عن هبيرة بن يريم وقيل عمير بن يريم عن ابن عباس كان يقرأ: ﴿فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى﴾([2]).
وعن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية على ابن عباس ﴿فما استمتعتم به منهن ﴾ فقال ابن عباس ﴿ إلى أجل مسمى﴾ فقلت: ما أقرؤها كذلك. فقال: والله لأنزلها الله كذلك([3]).
والجواب عن هذا الإشكال في هذه الآية بالآتي:
1 ) أن ذكر الأجل على ما سبق من قراءة أبي بن كعب وابن عباس لا يلزم منه أن المراد به نكاح المتعة لأن ذكر الأجل هنا يجوز أن يكون داخلا على المهر فيكون تقديره: فما دخلتم به منهن بمهر إلى أجل مسمى فأتوهن مهورهن عند حلول الأجل والصداق يسمى أجرا قال تعالى: ﴿ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ [النساء : ٢٥] أي: مهورهن. ولفظ الاستمتاع في الآية يراد به النكاح الشرعي فهو أيضًا استمتاع فالاستمتاع في اللغة الانتفاع قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا ٱسۡتَمۡتَعَ بَعۡضُنَا بِبَعۡضٖ ﴾ [الانعام: ١٢٨] فيكون المراد بالآية السابقة أنكم تستمتعون بالمنكوحات ـ أي الزوجات ـ فاعطوهن مهورهن في مقابل ذلك.
2 ) أن القراءة المتواترة والتي جاءت في مصاحف المسلمين والتي أجمع عليها الصحابة ليس فيها هذه الزيادة (إلى أجل مسمى) فهي قراءة شاذة. وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع فلا يعتمد على مثل هذه الزيادة ولا يستدل بها وسياق الآية مع النظر إلى ما قبلها وما بعدها يبين بجلاء أن المراد بالاستمتاع فيها عقد النكاح الشرعي لا المتعة وذلك من وجوه:
أ – أن المذكور في أول الآية وآخرها هو النكاح لا المتعة تذكر أولا المحرمات نكاحهن من النساء فقال: ﴿ حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ ...﴾ [النساء : ٢٣] ثم ذكر جواز نكاح من عدا المحرمات في قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم ﴾ [النساء : ٢٤] ثم عطف عليها قوله تعالى: ﴿ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فََٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ [النساء : ٢٤] بيانا لحكم المدخول بها في النكاح الشرعي من استحقاقها لجميع المهر أي من نكحتموهن واستمتعتم بهن يلزمكم أن تعطوهن مهرهن كاملة ثم قال بعد: ﴿ وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ... ﴾ [النساء : ٢٥] فذكر النكاح لا الإجارة والمتعة.
ب – قوله في الآية (محصنين) والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح لأن الواطئ بالمتعة لا يكون محصنا ولا يتناوله هذا الاسم فعلمنا أن المراد هنا النكاح الشرعي.
جـ - قوله في الآية (غير مسافحين) فسمى الزنا سفاحا لانتفاء أحكام النكاح الشرعي عنه وهذه الأحكام كذلك منتفية عن نكاح المتعة فكانت المتعة في معنى السفاح إذًا فالآية في عقد النكاح الشرعي وليست في المتعة كما قال به من لا يعلم معناها.
3 ) على القول بالاستدلال بالقراءة الشاذة فهي تكون بمنزلة خبر الآحاد فهذه الزيادة هنا إلى أجل مسمى في الآية هي كخبر الآحاد فإذا دلت على أن المراد إباحة المتعة أي الاستمتاع إلى أجل متفق عليه فهذا مما لا خلاف فيه أنه كان مباحا سابقا ثم نسخت بالأحاديث التي نقلت عن رسول الله H تحريمها والقرآن المتواتر أكثر الأصوليين على أنه لا ينسخ بالسنة لكن هذه الزيادة كخبر الآحاد فجائز بلا شك أن تنسخ بالسنة مع أن أكثر الأصوليين لا يرون الاستدلال بالقرآن غير المتواتر في شيء لأنه شاذ فهو باطل من أصله وذكر بعضهم أنها منسوخة بقوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ٥ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ ٦ ﴾ [المؤمنون : ٥، ٦] فأمر بحفظ الفرج إلا من الزوجة أو الأمة وجعل ما سواه تعدي.
الثاني حديث جابر السابق وفيه أنهم كانوا يرون بالمتعة حتى زمن عمر وإنما نهاهم عنها عمر فلم يحرمها رسول الله H إنما حرمها اجتهادا منه. وهذا علي بن أبي طالب I يبين أن المنع إنما جاء فيه عمر I فعن الحكم بن عتيبة قال قال علي I: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي([4]).
والجواب على هذا الإشكال:
أن من استمر على نكاح المتعة لم يعلم بتحريمه فلما اشتهر تحريمه وطبقه عمر I تركه جميع الصحابة وقد جاء تحريمه عن رسول الله H صريحا كما مر فكيف ندع ما جاء عن رسول الله H بمخالفة جماعة من الصحابة ولو لم يصب عمر في هذا النهي ورأى الصحابة أنه مخالف لما أباحه رسول الله H لأنكروا عليه كما أنكروا عليه بعض الأمور التي اجتهد بها والسنة على خلافها كنهيه عن المتعة للحاج حتى أنكر هذا ولده عبد الله بن عمر وأمر بالأخذ بما جاء عن رسول الله H في هذا فقد كان ابن عمر يفتي بالذي أنزل الله من الرخصة في التمتع وسن فيه رسول الله H فيقول له الناس: كيف تخالف أباك؟ فيقول لهم: ويلكم ألا تتقون الله أرأيتم إن كان عمر نهى عن ذلك يبتغي فيه الخير فلم تحرمون وقد أحله الله وعمل به رسول الله. ثم يقول: أرسول الله أحق أن تتبعوا سننه أم عمر؟!([5])
وأما ما جاء عن علي فهو ضعيف السند منكر المتن.
الثالث: أن الخلاف ثابت حتى عند المتأخرين من فقهاء الأمصار فالإمام أحمد له رواية بجواز المتعة مع الكراهة كما ذكره بعض الحنابلة فقد سئل الإمام أحمد عنها فقال: يجتنبها أحب إليَّ. اهـ
والجواب من وجهين:
الأول: أن جماعة من الحنابلة وجهوا هذه الرواية لأن نص الإمام أحمد صريح في تحريمها وأجمع الحنابلة على هذا التحريم قال ابن قدامة: لم ينقل هذه الرواية إلا أبو بكر وغيره من أصحابنا يمنع هذا ويقول في المسألة رواية واحدة في تحريمها. اهـ
وقال ابن تيمية: توقف الإمام أحمد عن لفظ الحرام ولم ينفه. اهـ
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: وهي رواية عن أحمد ضعيفة. اهـ
الثاني: أن جميع الأمصار على خلاف هذا القول فقد أجمعوا على تحريم نكاح المتعة ونصوص السنة صريحة في نسخ الجواز والخلاص بتحريمها إلى يوم القيامة.
الترجيح: الراجح ما عليه عامة العلماء من تحريم المتعة وأنها كانت مباحة ثم حرمت إلى يوم القيامة فأدلة نسخها صحيحة صريحة وزيادة «إلى أجل مسمى» لو صحت قراءة عن رسول الله H فهي قراءة شاذة بدرجة خبر الآحاد نسختها الأحاديث المذكورة.
وأما قوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ٢٩ ﴾ [المعارج: ٢٩] فهذه الآية مكية وآية الاستمتاع مدنية فيصعب القول بأنها منسوخة بها والله أعلم.
فائدة: اختلف الفقهاء في مرتكب المتعة بعد استقرار الإجماع على تحريمها هل يحد حد الزنا أم لا؟
على قولين عندهم:
الأول: نعم يحد حد الزنا فقد قضى به عمر بحضرة الصحابة ولم ينكر عليه.
الثاني: لا يحد للشبهة هنا شبهة العقد وشبهة الخلاف في العصر الأول([6]).
قلت: الراجح عندي أنه يرجع لاجتهاد الحاكم بحسب المصلحة.
تنبيه: قول الفقهاء نكاح المتعة يظهر منه التناقض فالنكاح شرعا له صفات لا توجد في المتعة فكأنه جمع بين نقيضين لكنه اشتهر على لسان الفقهاء وقصدهم المتعة المعروفة وليس النكاح الشرعي فلا مشاحة في الألفاظ.
صورته: أن يتزوج الرجل امرأة وفي نيته أن يطلقها بعد مدة معينة دون أن يتفق معها أو مع أوليائها على ذلك مثل المسافر الذي يسافر إلى بلد يقيم به مدة لأجل حاجته فيخشى على نفسه الفتنة أو يريد السكنة فيتزوج وفي نيته أنه إذا عاد إلى وطنه أن يطلقها ويوفيها حقها.
حكمه: فيه خلاف بين الفقهاء:
القول الأول: هو شبيه بنكاح المتعة فهو نكاح باطل.
قول الإمام الأوزاعي وهو المذهب عند الحنابلة واختاره شيخنا مقبل الوادعي.
دليلهم: أنه لو اشترط عليهم ما في نيته وهو أن يكون النكاح مؤقتا بمدة لكان هذا الشرط مفسدا للنكاح فتكون نيته بذلك مفسدة للعقد كما لو شرطه فكل شرط مفسد للعقد بذكره يكون مفسدا له بالنية والقصد فالأعمال بالنيات كما لو نوى التحليل ولم يتفقوا عليه فإن النكاح لا يصح فكذلك هنا إذا نوى التوقيت ولم يتفقوا عليه لا يصح النكاح.
القول الثاني: هذا النكاح جائز وليس هو من نكاح المتعة.
وهو قول جمهور الفقهاء منهم الحنفية والمالكية والشافعية وبعض الحنابلة واختاره الشيخ ابن باز.
دليلهم: لا يعتبر من نكاح المتعة ولا شبيه به لوجود الفارق بين هذا النكاح وبين نكاح المتعة ومنها أن المتعة تنتهي بانتهاء المدة المتفق عليها أما هذا النكاح فملكه للمرأة ثابت وقد يرغب بها فيمسكها ولا يطلقها ويصح النكاح.
وأيضا المتعة لا مهر فيها إنما هي إجارة بأجرة ولا ترث المرأة في المتعة إذا مات وهي معه ولا يرث منها كذلك ولا تعتد بأربعة أشهر وعشرا بوفاته لأنها ليست زوجة له أما هذا النكاح فلها المهر وترث منه ويرث منها وتعتد لوفاته لأنها تعتبر زوجة.
وأيضا دوام المرأة معه ليس بواجب أصلا بل له أن يطلقها متى شاء فإذا قصد أن يطلقها بعد مدة فقد قصد أمرا جائزا شرعا.
وأما تحريم النكاح بنية التحليل ولو لم يتفقوا عليه فلأنه لم يقصد النكاح أصلا ولم يرغب فيه والنكاح رغبة وإنما مقصوده أن يعيدها إلى المطلق قبله وهذا مقصود غير شرعي فكان من نكاح التحليل المحرم أما النكاح بنية الطلاق فإنه يقصد فيه النكاح ويرغب فيه لكنه لا يريد الدوام فيه وهذا من حقه فلا يجب عليه الدوام مع زوجته فله مفارقتها.
وأيضا النكاح بنية التحليل يعتبر من نكاح السفاح بنص الحديث كما مر في حديث ابن عمر وأما النكاح بنية التوقيت وعدم التأبيد فليس هنالك دليل على تحريمه وأنه يُعد من نكاح السفاح.
القول الثالث: ليس من نكاح المتعة فيصح العقد مع الإثم.
وهو قول بعض المعاصرين منهم الشيخ ابن عثيمين.
دليلهم: ليس من نكاح المتعة للفارق بينه وبين نكاح المتعة ويحرم فعله لما فيه من الغش والخداع للزوجة وأهلها ولما فيه من الإضرار بالمرأة والتلاعب بمشاعرها وينافي مقاصد الشريعة من النكاح وهو بناء أسرة كريمة صالحة وإيجاد علاقات أسرية قوية وذلك لأن مراده هنا أن تكون المرأة أداة تسلية وترفيه مؤقت وسدا لذريعة تعمد السفر إلى بلاد أخرى لغرض القيام بهذا الزواج فقط وهذا مما لا يقول بجوازه أحد.
الترجيح: الراجح عندي أنه ليس بنكاح متعة فيصح العقد لكنه يحرم لما فيه من مفاسد ترفضها الشريعة المكرمة والأخلاق السامية وقد قال الإمام مالك عليه: ليس من الجميل ولا من أخلاق الناس.
وقال ابن باز: ترك هذه النية أولى احتياطا للدين وخروجا من الخلاف.
تنبيه: أما ما يفعله بعض العابثين من تعمد السفر إلى بعض البلدان لأجل القيام بهذا الزواج ليس له نية من سفره هذا إلا هذا الأمر فهذا الفعل منه لعله لا يجزه أحد من أهل العلم لأن المسألة عند المتقدمين إنما هي فيمن سكن بلدة فترة مؤقتة أو كان في سفر وخشي على نفسه قال الشيخ ابن عثيمين: سمعت أن بعض الناس اتخذ من هذا القول ـ أي إباحة النكاح بنية الطلاق ـ ذريعة إلى أمر لا يقول به أحد وهو أنهم يذهبون إلى البلاد للزواج فقط. اهـ
وقال د/ السهيلي: هذا النكاح على هذا النحو لم يصححه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين. اهـ
اعلم أولا أنه لا خلاف بين أهل العلم في النهي عن الشغار وأنه لا يجوز للأدلة الثابتة في النهي عنه فعن ابن عمر I قال إن رسول الله H نهى عن الشغار. والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ليس بينهما صداق([9]).
وتفسير الشغار هنا من قول نافع فقد جاء في رواية([10]) عن ابن عمر قال: نهى رسول الله H عن الشغار قال عبيد الله قلت لنافع ما الشغار؟ فقال: الشغار... فذكره.
وعن أبي هريرة قال: نهى رسول الله H عن الشغار والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي([11]).
وجاء تفسير الشغار من هذه الطريق عن عبيد الله بن عمر فقد رواه النسائي([12]) عن أبي هريرة I قال: نهى رسول الله H عن الشغار قال عبيد الله والشغار... فذكره.
واختلف أهل العلم في عدد الصور التي تدخل في مسمى الشغار كالآتي:
الصورة الأولى: أن يقول الرجل للآخر: زوجتك وليتي ـ ابنتي، أختي، غيرها ـ على أن تزوجني وليتك ـ ابنتك، أختك، غيرها ـ وبضع كل واحدة صداق للأخرى.
أو زوجت ابنك على ابنتي على أن تزوج ابني بابنتك بضع كل واحدة صداق للأخرى.
وهذه الصورة اعتمدت على ثلاثة أشياء:
الأول: الشرط فهو لن يزوجه وليته إلا بمقابل أن يزوجه وليته.
الثاني: التلفظ بجعل بضع كل واحدة مهرا وصداقا للأخرى.
الثالث: عدم تسمية صداق لكل واحدة عدا البضع.
وهذه الصورة لا خلاف بين أهل العلم أنها تعد من نكاح الشغار وأنها منهي عنها.
الصورة الثانية: أن يقول الرجل للآخر: زوجتك وليتي أو زوجتها قريبك على أن تزوجني وليتك أو تزوجها قريبي ولا مهر بينهما.
فوجد الشرط هنا ولكنهما لم يسميا صداقا وإنما المقصود جعل بضع كل واحدة مقابل بضع الأخرى إلا أنهما لم يتلفظا بهذا.
وقد اختلف أهل العلم في هذه الصورة هل تعد من نكاح الشغار أم لا؟
القول الأول: لا تعد هذه الصورة من نكاح الشغار ويلزم مهر المثل لكل واحدة.
وهو المشهور عند الشافعية ووجه للحنابلة.
دليلهم الأول: أن تعريف الشغار في حديث ابن عمر السابق جاء في رواية فيه زيادة: «وبضع كل واحدة صداق الأخرى»([13]).
والشاهد: أنه زاد في تفسير الحديث ذكر البضع.
الثاني: ما رواه ابن جريج قال حدثنا أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: نهى رسول الله H عن الشغار. قال: والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه([14]).
فجعل من ضمن تعريف الشغار التصريح بجعل البضع صداقا.
فعليه: إذا لم يحصل التصريح بذلك بل سكتوا عنه لم يكن شغارا ولو نووه لعدم التشريك بالبضع عند اللفظ فليس فيه إلا شرط عقد في عقد وذلك لا يفسد النكاح لكنه يفسد المهر وبالتالي يلزم مهر المثل لكل واحدة كما لو سمى مهرا محرما كخمر أو خنزير يصح النكاح ويفسد المهر ويلزم مهر المثل.
القول الثاني: تعد هذه الصورة من نكاح الشغار أيضًا.
وهو مذهب جمهور أهل العلم منهم الحنفية والمالكية والظاهرية وهو المذهب عند الحنابلة وهو نص الشافعي وقال بعض الشافعية إنه المذهب.
دليلهم الأول: ما سبق من تفسير الشغار في حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة فليس فيه ذكر العوض بالبضع وهي أصح فإما أن تقدم وإما أن يقال: يعمل بالجميع فكلاهما من صور الشغار أي بالتلفظ بذكر البضع وبعدم التلفظ بذكره.
الثاني: إذا شرط في نكاح أحدهما تزويج الأخرى دون صداق فقد جعل بضع كل واحدة صداقا للأخرى فصار كما لو لفظ به فيكفي القصد به.
الترجيح: الراجح ما عليه جمهور العلماء من إدخال هذه الصورة في معنى الشغار فلا فرق بين أن يتلفظ بقوله: «وبضع كل واحدة صداق للأخرى» وبين عدم التلفظ بها ما دام أنه قصد جعل بضع كل واحدة صداقا للأخرى.
الصورة الثالثة: أن يقول زوجتك ابنتي أو أختي على أن تزوجني ابنتك أو أختك ونجعل لكل واحدة كذا وكذا من المهر.
أو يقول مثلا: زوجتك أختي بمائة درهم على أن تزوجني أختك بمائة درهم.
ففي هذه الصورة وجد الشرط أيضًا فلا يزوجه حتى يزوجه لكنهما سميا مهرا لكل واحدة سواء استويا في المهر أو تفاوتا فيه.
وقد اختلف أهل العلم في هذه الصورة هل تلحق بحكم الشغار أم لا؟
القول الأول: تعد هذه الصورة كذلك من الشغار فتأخذ حكم الشغار.
وهو المشهور عند المالكية ومذهب الظاهرية وهو وجه للشافعية ووجه للحنابلةواختارته اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز([1]).
دليلهم الأول: ما جاء عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلا صداقا فكتب معاوية بن أبي سفيان ـ وهو خليفة ـ إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله([2]). فحكم معاوية على هذا النكاح بأنه فاسد لأنه من الشغار المنهي عنه مع أنهما جعلا بينهما صداقا.
الثاني: حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم وسبق تخريجه وليس في تفسير الشغار عدم تسمية المهر لكل واحدة فقد قال في تفسيره هو أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك أو أختك وأزوجك ابنتي أو أختي. وهذا التفسير يدخل فيه ما لم يجعل فيه صداق وما جعل فيه صداق فهو أعم من الأحاديث التي اقتصرت على تفسير الشغار بعدم وجود المهر بينهما فيؤخذ بالأعم مع أن تفسير الشغار في حديث ابن عمر إنما هو من قول نافع.
الثالث: أن معنى الشغار موجود هنا ولو سمى المهر لأن معنى الشرط هنا جعل بضع كل امرأة منهما بعض مهر الأخرى مع المال المسمى فمهر كل واحدة هذه الدراهم وبضع الأخرى وإن لم يصرحوا بذلك لكنه مقتضى وجود هذا الشرط.
الرابع: أن نكاح الشغار فاسد وعدم تسمية الصداق لا تفسد العقد لصحة العقد مع عدم ذكر الصداق فعلى هذا يكون المفسد للعقد هو الشرط وقد وجد سواء سمى الصداق أم لم يسمه فكان هذا هو الشغار المنهي عنه.
القول الثاني: لا تعد هذه الصورة من نكاح الشغار.
وهو مذهب الحنفية والمذهب عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة ووجه للمالكية وهو الذي كانت تفتي به اللجنة الدائمة قبل رئاسة الشيخ ابن باز([3]).
دليلهم الأول: أن تفسير الشغار الذي جاء في حديث ابن عمر وهو في الصحيحين قيد بعدم وجود المهر بينهما كما سبق فإن كان هذا التفسير من رسول الله H فلا إشكال بعدها وإن كان تفسير صحابي فيؤخذ به فهو أعلم بمعاني الشريعة وأعلم بالمقال وإن كان هذا التفسير من قول من بعده ممن رواه فهو مقدم لأن الراوي أفهم لما روى ولأنه ربما أخذه عن الصحابي ولأنه موافق للمعنى اللغوي للشغار الذي ذكره أهل اللغة فأصل الشغور: الخلو يقال: بلد شاغر من الأمير أي خال منه ودار شاغر من أهلها أي خالية ويقال: شغر الكلب: إذا رفع رجله وأخلى مكانها فيكون المراد بالشغار هنا الخلو من المهر، ويكون التفسير المطلق المذكور في حديث أبي هريرة مقيد بالتفسير الذي في حديث ابن عمر وحتى يتفق المعنى الشرعي للشغار مع المعنى اللغوي له.
الثاني: أنه قد سمى لكل واحدة ما يصح أن يكون مهرا في الشرع فخرج بذلك عن أن يكون الآخر عوضا منه فصح العقد وبطل الشرط فهذا الشرط لا يفسد العقد وإنما يكفي إلغاؤه.
وأما حديث معاوية السابق فيرد عليه بالآتي:
الأول: أن هذا الأثر قد جاء في رواية بلفظ: «وكانا جعلاه صداقا([4])». ففي هذا اللفظ زيادة الضمير في (جعلاه) العائد على الشرط السابق والتقدير وكان جعلا بضع كل واحدة منهما صداقا للأخرى وهذا يدل على أنهما لم يسميا صداقا لكل واحدة وإنما اكتفيا ببضع مقابل بضع آخر([5]). فاتفق هذا الحديث بزيادة الضمير مع تفسير الشغار في حديث ابن عمر السابق ومع المعنى اللغوي للشغار.
الثاني: على فرض أنهما جعلا صداقا بينهما فيحمل على أنهما كانا جعلا مهرا قليلا لا يصح أن يكون مهرا إنما الغرض الحيلة للوقوع في الشغار المنهي عنه.
الثالث: أن هذا من معاوية للاحتياط ومن باب سد الذرائع وقوله: «هذا الشغار...» مبني على فهمه وهو مخالف للمعنى اللغوي للشغار([6]).
والمنقول عن السلف كما مر في حديث أبي هريرة وابن عمر.
وعن أنس بن مالك أنه قال: الشغار أن يبدل الرجل الرجل أخته بغير صداق([7]).
وعن سويد بن غفلة قال: كانوا يكرهون الشغار قال والشغار الرجل يزوج الرجل على أن يزوجه بغير مهر([8]).
وعن عطاء قال: الشغار أن ينكح هذا هذا وهذا هذا بغير صداق إلا ذلك([9]).
الرابع: أن في سنده محمد بن إسحاق وقد أعل الإمام أحمد هذا الحديث به وفساد العقد في نكاح الشغار ليس لأجل عدم تسمية الصداق فقط وإنما لخلو هذا النكاح من صداق وجعل الإبضاع صداقا وعوضا لبعضها البعض وهذا يترتب عليه فساد هذا العقد من وجوه كما سيأتي ذكرها في المسألة التالية عند الكلام على حكم نكاح الشغار.
وقولهم: إن الشرط هنا يلزم منه المعاوضة بالإبضاع ولو وجد المهر.
فالجواب عليه أنه لا يلزم منه ذلك فكل امرأة نكحت بمهر إلا أن ولي كل امرأة يطمع ويرغب بنكاح مولية الأخر فيشترط عليه ذلك الشرط ثم للخلاص من هذه الشبهة يشترط كون المهر المسمى يساوي مهر المثل أو أن يكون كثيرا لا قليل حيلة أو ان يلغى ويبدل بمهر المثل على مذاهب كما سيأتي تفصيله في المسألة التالية عند الحديث على المهر اللازم عند صحة النكاح هنا.
الترجيح: الراجح أنه لا يكون شغارا إلا بوجود الشرط المذكور مع خلو النكاح من مهر مسمى أما مجرد الشرط مع تسمية المهر لكل واحدة فلا يكون شغارا كما قاله أهل المذهب الثاني فالثابت عن رسول الله H جزما النهي عن الشغار أما تفسيره فمحل احتمال والظاهر أنه ليس من قول رسول الله H ولا من قول الصحابي كما سبق عند تخريجه لكنه تفسير بعض رواة الحديث فهو أدرى بمعنى ما روى وأيضًا هو الموافق لما ذكره أهل اللغة من تفسير الشغار وأيضًا لا يستقيم معنى الشغار إلا بهذه العلة وهي الخلو من المهر قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يعقل له علة مستقيمة إلا إشغاره عن المهر كما فسره الإمام أحمد فرج بفرج([10]).
وأيضا هذا التفسير هو المنقول عن السلف، ومع هذا لا ينبغي فتح هذا الباب للعامة بالقول بصحة هذا النكاح بهذا الشرط إذا وجد المهر فربما أكره الولي المرأة على هذا النكاح لأجل مصلحته هو فقط ليحصل على الزوجة التي يرغب بها لا سيما في هذه الأزمنة التي قل فيها الورع والخوف من الله بين الناس فإن حصل هذا النكاح صح لأنه لا يعد شغارا كما سبق([11]).
فائدة: إذا زوج رجل وليته على رجل وزوج الثاني الأول أيضًا بوليته ولم يقع هذا على وجه الشرط وإنما على سبيل الاتفاق من غير شرط أو على وجه المكافأة ومع وجود المهر فلا يعتبر من نكاح الشغار، صرح بهذا بعض أهل العلم ولا أظنهم يختلفون فيه.
هذه المسألة تحتوي على قسمين:
القسم الأول: إذا حكمنا على هذا النكاح بأنه شغار.
اختلف أهل العلم في عقد نكاح الشغار هل يصح أم لا؟
القول الأول: يصح العقد ولا يفسد ويلزم مهر المثل لكل واحدة من الزوجتين.
قول الحنفية ورواية لأحمد.
دليلهم الأول: أن هذا النكاح انعقد بنية التأبيد ولكن أدخل فيه شرط فاسد والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة وإنما يلغى الشرط الفاسد ويصح العقد.
الثاني: سبب النهي عن نكاح الشغار الخلو من المهر فإذا جعلنا لكل واحدة منهما بعد ذلك مهر المثل لم يخلو النكاح في هذه الحال من مهر فلم يبق شغارا حقيقة.
الثالث: أن الفساد من جهة المهر لا يوجب فساد العقد فإذا سمي ما لا يصلح أن يكون مهرا فلا يفسد العقد ويلزم مهر المثل كما لو سمى مهرا محرما كخمر أو خنزير فإن هذا العقد لا يفسد وإنما يلغى هذا المهر ويلزم مهر المثل فكذلك هنا البضع لا يصح أن يكون مهرا فيلغى هذا المهر ويلزم مهر المثل مع صحة العقد.
القول الثاني: يفسد عقد الشغار.
وهذا قول جمهور أهل العلم منهم المالكية والشافعية والظاهرية وهو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم الأول: أن رسول الله H نهى عن الشغار والنهي يقتضي فساد المنهي عنه فيفسد عقد نكاح الشغار كالنكاح بلا ولي ونكاح المتعة ونكاح التحليل.
الثاني: ما جاء عن ابن عمر أن رسول الله H قال: «لا شغار في الإسلام»([13]). أي: لا صحة لعقد الشغار في الإسلام وهو ظاهر هذه الصيغة فالظاهر من هذه الصيغة نفي الأصل والصحة كقوله: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل». وكقوله: «لا عمل إلا بنية».
الثالث: أن الصحابة فرقوا بين الزوجين في نكاح الشغار كما سبق عن معاوية أنه أمر مروان أن يفرق بين الزوجين وقال: «هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله». وسنده حسن كما سبق.
الرابع: أنه ملك بضع موليته شخصين: الناكح لها وموليته وذلك يوجب فساد العقد كما لو زوج ابنته من رجلين.
الخامس: أنه مهر لا تنتفع به المرأة فلم يرجع إليها المهر بل عاد المهر إلى الولي وهو ملكه لبضع زوجته مقابل بضع موليته فيكون النكاح خلا من مهر فلا يصح العقد فليس هذا كما لو سمى لها مهرا من الأعيان المحرمة حتى يصح العقد ويلغى المهر وتعطى مهر المثل.
الترجيح: الراجح ما عليه جمهور أهل العلم من فساد عقد النكاح لقوة أدلتهم ولو فرضنا أن قول أبي حنيفة ومن معه أقيس لكنه مخالف للنص وآثار الصحابة والنص مقدم على القياس([14]).
ملاحظة: المشهور عند المالكية أن نكاح الشغار يفسخ أبدا قبل البناء بالمرأة أو بعده إلا في الصورة الثالثة التي تعد عندهم أيضًا من الشغار وهي التي فيها الصداق المسمى مع الشرط ـ كما سبق ـ فيقولون: إن العقد يفسخ قبل البناء أما بعده فلا يفسخ ويلزم المهر لأن هذا وإن كان عندهم من نكاح الشغار لكنه ليس صريح الشغار وإنما يسمى عندهم وجه الشغار لأنه شغار من وجه دون وجه فمن حيث إنه يسمى لكل واحدة صداقا فليس شغارا ومن حيث إنه يشترط تزويج أحدهما بمقابل الأخرى فهو شغار.
القسم الثاني: إذا حكمنا على هذا النكاح بأنه ليس شغارا.
اختلف أهل العلم في المهر اللازم بناءا على صحة النكاح لأنه ليس شغارا:
القول الأول: يلغى المهر المسمى ويلزم مهر المثل لكل واحدة.
وهو مذهب الشافعية ووجه للحنابلة ووجه للمالكية.
دليلهم: أنه شرط مع المهر المسمى شرطا فاسدا وهو تزويجه بموليته ففسد المهر مع صحة النكاح فيلزم عند فساد المهر مهر المثل.
القول الثاني: يلزم عليه إذا بنى بها الأكثر من المهر المسمى ومهر المثل.
وهو المشهور عند المالكية.
دليلهم: لعل دليلهم أنه إذا نقص المهر المسمى على مهر المثل فمعناه أن المهر نقص لأجل هذا الشرط فنحتاج إلى إكمال النقص حتى يصل إلى مهر المثل أما إذا كان المسمى أكثر من مهر المثل أو يساويه ذهب ما نخشاه من جعل الشرط المذكور جزءا من المهر المطلوب.
القول الثالث: يلزم المهر المسمى إن صح أن يكون مهرا غير قليل ولا حيلة ولو كان أقل من مهر المثل.
نص عليه الإمام أحمد وهو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم: أنه سمى قدرا يصح أن يكون مهرا شرعا ولم يحصل تشريك بين البضع والمهر المسمى عند اللفظ كما لو قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك. ومهر كل واحدة منهما كذا من المال وبضع الأخرى.
وإنما وجد شرط فاسد كأن يقول: زوجتك وليتي على أن تزوجني وليتك ومهر كل واحدة كذا فيبطل هذا الشرط ويصح النكاح ويصح المهر المسمى ويشترط ألا يكون هذا المهر المسمى قليلا ويظهر ذلك بأن يكون الصداق المذكور لا يزوج به لمثل هذا الرجل قط لولا أن ابنته معه ويشترط ألا يكون فيه حيلة فلو سمى صداقا حيلة والمقصود المشاغرة لم يصح لبطلان الحيل الموصلة لتحليل المحرم.
فعليه: يصح المهر المسمى إن كان كثيرا لا حيلة فيه.
وقال بعض فقهاء الحنابلة: إنه لو سمى صداقا كثيرا صح ولو حيلة لأن ظاهر كلام الإمام أحمد أن المهر يصح إذا لم يكن قليلا حيلة فقد روى الأثرم عن الإمام أحمد أنه قال: أما إذا كان صداقا فليس هو شغار إلا أن يكون صداقا قليلا جعلوه للحيلة ليحلوا به النكاح فهذا لا يجوز([15]). اهـ
تنبيه: قال بعض الحنابلة: مراد الإمام أحمد بصحة المهر إذا لم يكن قليلا حيلة أن يساوي هذا المهر المسمى مهر المثل ولا ينقص عليه. وقاله الشيخ ابن عثيمين ورجحه لأنه إذا وجد مهر المثل سلمنا من الوقوع في معنى الشغار من جعل بضع مهرا لبضع وسلمنا من ظلم النساء فقد أعطين المهر كاملا([16]) وأكثر الحنابلة على أنه لا يشترط أن يساوى مهر المثل فيصح بأقل من مهر المثل ما لم يكن قليلا حيله.
الترجيح: ما ذهب إليه الحنابلة في المذهب عندهم أقعد وأقيس وما ذهب إليه الآخرون ممن يوجب مهر المثل أحوط وأسلم وعندي هنا في الترجيح حالات:
الحالة الأولى: أن يكون المهر المسمى يساوي مهر المثل وأعطى كل واحد منهما زوجته فالنكاح صحيح ولا إشكال في هذا.
الحالة الثانية: أن يكون المهر المسمى كثيرا لكنه أقل من مهر المثل وأعطى كل واحد منهما زوجته فالنكاح صحيح أيضًا والأفضل والأحوط أن يزاد حتى يصل إلى مهل المثل فيكمل النقص.
الحالة الثالثة: أن يكون المهر المسمى قليلا لكنه يصلح أن يكون مهرا شرعا وعرفا وأعطى كل واحد منهما زوجته فالنكاح صحيح لعدم خلوه من صداق معتبر شرعا وعرفا لكن يلزم عليه أن يزيد عليه حتى يكون كثيرا فنأمن من تشريك البضع في المهر وإن زاد عليه حتى وصل إلى مهر المثل فهو أفضل وأحوط ولو قلنا ببطلان النكاح هنا فله وجه قوي فلهذا الأحوط أن يفسخ النكاح.
الحالة الرابعة: أن يكون المسمى قليلا لا يصلح مثله مهرا لا شرعا ولا عرفا أو يصلح شرعا لكنه لا يصلح عرفا فلا يصح النكاح ويفسخ ولو كانت كل امرأة استلمت مهرها فوجود هذا الصداق كعدمه والحقيقة أن المهر هنا هو بضع كل واحدة وإنما احتالوا بالقليل المسمى ليصححوا به هذا النكاح.
الحالة الخامسة: إذا سمي الصداق ووجدت حيلة الغرض منها إبدال البضع بالبضع لم يصح النكاح قال الشيخ ابن عثيمين بأن قال أصدقتك ألف ريال على أن تصدق ابنتي ألف ريال فمعناه أنه لا صداق بينهما ما دام يعطيه ألف ريال ويأخذ منه ألف ريال فحقيقة الأمر ألا صداق فهذا أيضًا لا إشكال في منعه([17]).
قلت: وهو كما قال إلا إذا أخذ ولي الأولى من الثاني المهر وأعطاه لوليته أو جهز به وليته وكذلك الثاني أخذ من الأول المهر غير هذا المدفوع سواء ساواه أو قل عنه أو زاد وأعطاه لوليته أو جهزها به فيجوز عندي في هذه الحالة ويصح العقد والله أعلم.
الحالة السادسة: إذا جعلا لكل واحدة مهرا مناسبا كمهر المثل وحصل النكاح ولم يُدفع المهر لكل واحدة ولم يكن هنالك إلزام من البداية بالدفع وإنما المراد التوصل إلى المشاغرة ليزوجه وليته مقابل أن يزوجه وليته فهذه حيلة للتوصل إلى المنهي عنه والمهر إنما هو مجرد صورة وشكل فلا يصح العقد هنا.
الحالة السابعة: إذا لم يتم دفع المهر المتفق عليه عند العقد إلا أن كل واحد من الزوجين عازم على دفعه والتزم بدفعه فليس هنالك حيلة لجعل الأبضاع عوضا لبعضها البعض فهذا محل تردد ونظر فقد يقال إن العقد يبطل لأن العزم على الدفع والالتزام به ربما حصل في البداية ثم يحصل التساهل وتضيع الحقوق وتترك المطالبة وتهضم المرأة فيصير هذا المهر كالعدم والنكاح حصل بمهر البضع وقد يقال إن العقد يصح لجواز العقد على مهر مؤجل وليس هنالك حيلة لإسقاطه وإنما يلزم الإسراع في الدفع ولا شك أن الأحوط والأسلم للدين والإكمال لبراءة الذمة أن يفسخ هذا النكاح هنا.
فائدة: متى قلنا بفساد النكاح وكان كل زوج يرغب في العودة لزوجته وكذلك الزوجة فيعاد العقد بنكاح صحيح بمهر معتبر كمهر المثل ويسلم عند العقد ولا يعاد نفس المبلغ بين الوليين وإنما يستلمه الولي ويعطى غيره مهرا لمن يريد نكاحها سواء تساوى المهرين أو تفاضلا فنأمن من المعاوضة بالأبضاع ونسلم من ظلم المرأة ونحرص على مراعاة مصلحتها.
تنبيه: من وقع في الشغار وهو جاهل للنهي فيه فإنه لا يأثم لكن يفسخ النكاح ويجدد إن رغب الزوجان بالعودة لبعضهما بالشروط اللازمة والأولاد في النكاح السابق المنهي يعتبرون أولادا شرعيين ينسبون لآبائهم لأنه نكاح شبهة بسبب جهل كثير من الناس بحكمه وبسبب أن بعض العلماء يصححه.
اختلف العلماء في حكم نكاح المسلم العفيف بالمسلمة الزانية قبل توبتها من الزنا:
القول الأول: يجوز للمسلم العفيف أن يتزوج بالمسلمة الزانية ولا يشترط توبتها من الزنا.
وهو مذهب جمهور العلماء بما فيهم الحنفية والمالكية ـ إلا أنهم قالوا بالكراهة مع الجواز ـ والشافعية وبعض الحنابلة.
دليلهم الأول: أن الله E لما ذكر المحرمات من النساء في قوله: ﴿ حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ...﴾ [النساء : ٢٣] لم يذكر منهن المسلمة الزانية ثم قال بعدها: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ ﴾ [النساء : ٢٤] أي: ما عدا من سبق وهذا عموم فيشمل بعمومه الزانية والعفيفة من المسلمات ما عدا من سبق ذكرهن من المحرمات.
ونحوه قوله تعالى: ﴿ وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ ﴾ [النور : ٣٢] والزانية من أيامى المسلمين.
الدليل الثاني: حديث ابن عباس وفيه: أن رجلا جاء إلى النبي H فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامس. قال: «غربها» قال: أخاف أن تتبعها نفسي. قال: «فاستمتع بها»([19]).
والشاهد من الحديث: قوله: «لا ترد يد لامس» فهذه عبارة تكني بها العرب عن عدم العفة من الزنا. أي: أنها لا تمتنع ممن يطلب منها الفاحشة ولم يجبره رسول الله H على مفارقتها، فكان دليلا على جواز نكاح الزانية المسلمة.
وأما قوله تعالى: ﴿ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ ﴾ [النور : ٣] فالجواب عليه من وجوه:
الأول: ليس المراد بالنكاح في الآية: عقد النكاح وهو التزويج، إنما المراد به الوطء، والتقدير: لا يزني الزاني إلا بزانية مثله أو مشركة لأنها لا تعتقد تحريمه فلا يطاوعه على الزنا إلا زانية مسلمة أو مشركة ولا يزني بالزانية إلا زان مثلها أو مشرك لأنه لا يعتقد تحريمه فلا يطاوعها على الزنا إلا زان مسلم أو مشرك.
واستخدام لفظ (النكاح) والمراد به الوطء والجماع سائغ في الشرع واللغة فقد قال تعالى: ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥ ﴾ [البقرة: ٢٣٠] والمراد بالنكاح هنا: الوطء والجماع كما بينه رسول الله H وذلك عندما طلق رجل امرأته ولم يطأها فأرادت الرجوع إلى زوجها الأول الذي طلقها ثلاثا فقال لها رسول الله H: «لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»([1]).
والمراد بذوق العسيلة: الوطء ـ الجماع ـ كما هو معلوم فمعنى: ﴿ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥ ﴾ أي: حتى يطأها زوج آخر.
وقال الجوهري في صحاحه: النكاح: الوطء وقد يكون العقد. اهـ
وقد جاء تفسير النكاح في الآية بالوطء عن ابن عباس I فعنه قال: قوله تعالى: ﴿ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ ﴾ [النور : ٣] قال: لا يزني إلا بزانية أو مشركة([2]). ولا يحمل النكاح هنا على عقد النكاح ـ التزويج ـ لأنه سيلزم منه إباحة زواج الزاني المسلم بالمشركة ولو كانت وثنية وإباحة زواج المسلمة الزانية بالمشرك وكل هذا محرم فذكر المشرك والمشركة في الآية يمنع حمل النكاح هنا على عقد التزويج وبالتالي يحمل على المعنى الآخر وهو الوطء.
ويكون الغرض من ذلك الذم والتشنيع على الزنا وعلى فاعله ويكون قوله تعالى ـ بعد ذلك ـ ﴿ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ عائدا على الزنا والمعنى أن الله تعالى حرم الزنا على المؤمنين.
الثاني: أن الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿ وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ ﴾ [النور : ٣٢] فدخلت الزانية في أيامى المسلمين.
الثالث: أن هذه الآية خاصة بنكاح امرأة من الكفار بغي كان الناس يردون عليها كما جاء في سبب نزولها ـ سيأتي تخريجه ـ أما الزانية المسلمة فيصح العقد بها ولا تدخل في الآية.
القول الثاني: يحرم على المسلم العفيف أن يتزوج بالمسلمة الزانية.
وهو قول طائفة من السلف وهو المذهب عند الحنابلة وقول جماعة من المحققين كابن حزم وابن تيمية وابن القيم وابن الأمير الصنعاني والشوكاني واختاره الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين.
دليلهم: الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ ﴾ والمراد بالنكاح هنا: عقد التزويج لا الوطء بالزنا ويدل على هذا عدة أمور:
الأول: سبب نزول هذه الآية، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة وكان بمكة بغي يقال لها (عناق) وكانت صديقته قال: فجئت رسول الله H فقلت: يا رسول الله، أنكح عناق؟ قال: فسكت عني، فنزلت: ﴿ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ ﴾ فدعاني فقرأها عليَّ وقال: «لا تنكحها»([3]).
وعن سليمان التيمي عن الحضرمي عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمرو قال: إن امرأة يقال لها أم مهزول وكانت مسافحة وكان يتزوجها الرجل وتشترط له أن تكفيه النفقة فسأل رجل رسول الله H أن يتزوجها فنزلت: ﴿ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ ﴾([4]).
والشاهد: أن الآية نزلت في بعض المسلمين الذين أرادوا التزوج ببعض البغايا فحرم الله تعالى التزوج بهن فسبب النزول يبين أن المراد بالنكاح هنا عقد النكاح وليس الوطء.
الثاني: أنه ليس في القرآن لفظ النكاح إلا ويراد به العقد وإن دخل فيه الوطء أيضًا كما في قوله تعالى: ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥ ﴾ [البقرة: ٢٣٠] فالمراد: عقد النكاح مع الوطء وأما أن يراد بلفظ النكاح مجرد الوطء فهذا لا يوجد في كتاب الله أبدا.
الثالث: أنه قد جاء ما يدل على تحريم الزنا في الآية التي قبلها وهي قوله تعالى: ﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٢ ﴾ [النور : ٢] فأي حاجة أو فائدة إلى إعادة ذكر تحريم الزنا بعد ذلك في الآية التي بعدها.
الرابع: أننا إذا حملنا النكاح هنا على الوطء يكون المعنى الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك ولا فائدة من ذلك فالأمر واضح فهو كقوله: الزوج لا يتزوج إلا بزوجة والزوجة لا يتزوجها إلا زوج. وكقوله: الأكل لا يأكل إلا مأكول والمأكول لا يأكله إلا آكل. ومثل هذا ينبغي أن يصان وينزه عنه كلام الله تعالى.
وذكر المشرك والمشركة في الآية لا إشكال فيه إذ يكون المعنى: الرجل إن تزوج بزانية مسلمة وهو يعتقد حرمته فهو زان وإن تزوج بها وهو مستحل له لا يعتقد حرمته كما كانوا في الجاهلية يتزوجون البغايا فهو مشرك ولا يلزم من هذا إباحة نكاح المشرك للمسلمة الزانية فالمراد هو بيان أن النكاح هنا لا يجوز.
ويكون معنى قوله تعالى: ﴿ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [النور : ٣] أي: حرم على المؤمنين التزوج بالزواني.
وما جاء عن ابن عباس من تفسير النكاح هنا بالوطء قد جاء عنه خلافه فقد قال في تفسير هذه الآية: نساء بغايا متعالمات حرم الله نكاحهن لا ينكحهن إلا زان من المؤمنين أو مشرك من المشركين([5]).
الدليل الثاني: حديث أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله»([6]).
ووجه الدلالة من الحديث: أن الزاني لا يتزوج إلا بزانية مثله فيفهم منه أنه يحرم على المسلم العفيف التزوج بالمسلمة الزانية فليست مثله والوصف بالمجلود في الحديث بناء على الأغلب في حق من ظهر منه الزنى فالزاني المجلود ظهر أمره حتى جلد بخلاف من يتهم فقط فلا يؤثر ذلك.
الدليل الثالث: أن الزانية لا يؤمن أن تفسد على الرجل فراشه وتنسب إليه من الأولاد من ليس منه فكيف يحل له التزوج بها.
الدليل الرابع: قوله تعالى: ﴿ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ ﴾ [النساء : ٢٥] فقوله: (محصنات غير مسافحات) أي: عفائف غير زانيات فأمر بنكاحهن بهذا الشرط.
والقول بأن الآية منسوخة يصعب جدا فلا برهان على ذلك وأيضًا يمكن الجمع بين هذه الآية وقوله تعالى: ﴿ وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ ﴾ [النور : ٣٢] بأن نقول: إن الآية الثانية عامة أمر فيها بنكاح النساء ولا يكون إلا بالشروط التي ذكرها الشرع فإذا لم تتوفر كل الشروط الشرعية لم يدخل هذا النكاح في هذا الأمر الذي في الآية كنكاح المحرمات من النسب والرضاع والمصاهرة ونكاح امرأة الغير فكذلك الزانية إذا لم تتب لهذه الآية التي في سورة النور.
وكذلك القول في قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ ﴾ [النساء : ٢٤] يخرج من عمومها نكاح النساء اللاتي حرم الشرع نكاحهن بأدلة مما لم يذكر تحريمه في الآية السابقة كالزانية التي لم تتب ونكاح المطلقة أو المتوفى عنها زوجها التي لا زالت في العدة، والجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها.
وأيضا دعوى الخصوصية في الآية بامرأة بغي مشركة تعتبر دعوى في غاية البعد يرفضها لفظ الآية وسياقها والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وأما حديث: «لا ترد يد لامس» فالرد عليه من وجوه:
الأول: أن بعض أهل الحديث ضعف هذا الحديث قال ابن تيمية: ضعفه أحمد وغيره. اهـ
الثاني: أن قوله: «لا ترد يد لامس» ليس صريحا بأن مراد زوجها أنها تزني بل يحمل على أنها سيئة الأخلاق ليس فيها حشمة ونفور عن الأجانب وإذا وضع الرجل يده عليها لم تنفر عنه لكنها لا تمكنه من وطئها لهذا قال: «لا ترد يد لامس» فجعل اللمس باليد فقط ولو كان مراده الجماع لعد قاذفا وللزم عليه الحد.
أو يحمل على أن مراده بقوله: «لا ترد يد لامس» أي: أنها لا ترد طالب مال فلا تمنع أحدا طلب منها شيئا من مال زوجها فيكون كلامه كناية عن سخائها الزائد في إخراج مال زوجها لمن طلب منها شيئا منه فما كان رسول الله H ليحل له بقاء امرأته معه مع أنها لا ترد من أراد بها الفاحشة فنحمل الحديث على أحسن الوجوه والمعاني([7]).
الثالث: أن ما جاء في هذا الحديث ـ على فرض حمله على الفجور والزنا ـ إنما هو في وقوع المرأة المتزوجة بالزنا ومسألتنا مفروضة في نكاح الزانية ابتداء فلا دليل فيه لمسألتنا هذه.
الترجيح: الراجح القول الثاني الذي ينص على تحريم نكاح الزانية المسلمة والآية وإن كان لفظ النكاح فيها يحتمل الأمرين الوطء بالزنا وعقد النكاح إلا أن سبب نزولها يرجح الثاني وهو أن المراد بالنكاح فيها عقد النكاح ـ التزويج ـ
فائدة: الزاني المسلم إذا لم يتب فكذلك يحرم على المسلمة العفيفة الزواج به وهذا قول بعض أهل العلم وهو رواية للإمام أحمد([8]). لقوله تعالى: ﴿ ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ ﴾ [النور : ٣] وكذلك الزاني ربما أفسد المرأة فإنه إذا كانت عادته الزنا استغنى بالبغايا فلم يكفي امرأته في الإعفاف فتحتاج إلى الزنا.
وأيضا فعله هذا مما يدعو المرأة إلى أن تمكن منها غيره مقابلة له في ذلك كما هو الواقع في كثير من الأحيان فطبع المرأة يدعو إلى الرجال الأجانب إذا رأت زوجها يذهب إلى النساء الأجانب.
وفرق جماعة من الحنابلة بين اشتراط توبة الزانية واشتراط توبة الزاني في النكاح قال الشيخ ابن عثيمين: وهذا من غرائب العلم أن يستدل ببعض النص دون بعض فالزانية والزاني كلاهما سواء في الآية فكيف يفرق بينهما فما الفرق بين الزاني والزانية في هذا الباب والدليل واحد ولهذا فالقول الراجح بلا شك أنه لا يجوز أن يُزوج الزاني حتى نعلم أنه تاب بالقرائن([9]).
اختلف الفقهاء في الزانية هل يلزم لصحة نكاحها الاستبراء أو انقضاء العدة من الزنا إما بوضع حملها وإما بالحيض إذا لم تكن حاملا؟ وكلام الفقهاء في هذه المسألة على حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان طالب النكاح بها غير الذي زنى بها.
وخلاف الفقهاء فيها كالآتي:
القول الأول: لا يصح التزوج بها حتى تضع حملها أو تمكث ثلاثة قروء إذا لم تكن حاملا.
وهذا هو المذهب عند المالكية والمذهب عند الحنابلة، إلا أن المالكية يعتبرونه استبراء والحنابلة يعتبرونه عدة.
دليلهم: أما كونها لا توطأ وهي حامل من الزنا ولا يصح العقد بها فدليله:
الأول: أن الشرع نهى عن وطء الحامل من غير الواطئ والنهي عام فيدخل فيه الحامل من الزنا كسائر الحوامل قال تعالى: ﴿ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّ ﴾ [الطلاق : ٤].
وعن حنش الصنعاني، قال: غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري، قرية من قرى المغرب يقال لها: جربة، فقام فينا خطيبا، فقال: أيها الناس، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قام فينا يوم حنين، فقال: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره - يعني إتيان الحبالى من السبايا - وأن يصيب امرأة ثيبا من السبي حتى يستبرئها([11]).
وجاء عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أتى بامرأة مُجح ـ أي: حامل قربت ولادتها ـ على باب فسطاط، فقال: «لعله يريد أن يلم بها»، فقالوا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟»([12]).
الثاني: أن الحمل من الزنا محترم فلا يجوز إسقاطه فيمنع صحة النكاح كما يمنع ذلك الحمل من غير الزنا.
وأما إذا لم تكن حاملا من الزنا فكذلك لا يصح العقد بها حتى تنهي عدتها أو تستبرئ، ودليله:
الأول: لأجل معرفة براءة الرحم لأنه يحتمل أن تكون حاملا من الزنا فيكون نكاحه لها باطلا ـ كما سبق في الحامل من الزنا ـ فلابد من حيضها حتى نأمن من عدم وجود الحمل، وقد سبق من حديث رويفع أن رسول الله H قال: «لا يحل لامرئ أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها».
الثاني: أنه يفضي إلى الاشتباه في النسب فإذا حملت يحتمل أنه من الأول ويحتمل أنه من الثاني فتشتبه الأنساب فربما علقت من الزاني ونسبه الزوج إليه فلابد من العدة قبل نكاحها لنسلم من اشتباه النسب.
الثالث: أنه وطء في قُبل فتلزم فيه العدة كسائر من فارقها زوجها.
وأما كونها تمكث ثلاثة قروء إذا لم تكن حاملا فقياسا على عدة الحرة المطلقة فإنها تمكث ثلاثة قروء بنص القرآن.
وكونه لا حرمة لماء الزاني فلا يمنع هذا اشتراط العدة أو الاستبراء قبل نكاحها وذلك لحرمة ماء الثاني طالب النكاح بها حتى لا ينسب إليه من ليس منه.
القول الثاني: لا يصح العقد بها حتى تستبرئ إما بوضع حملها إذا كانت حاملا وإما بالاستبراء بحيضة واحدة إذا لم يظهر فيها الحمل.
وهو قول للإمام مالك ورواية للإمام أحمد ورجحه ابن تيمية وابن القيم وهو فتوى اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية.
دليلهم: الواجب استبراؤها لأجل براءة الرحم وحفاظا على الأنساب كما مر في الأدلة السابقة.
وتستبرأ بحيضة واحدة لأن الغرض التأكد من براءة الرحم من الحمل وهذا يحصل بحيضها مرة واحدة ولا دليل على إلزامها بثلاثة قروء كعدة المطلقة الحرة فليست عدة من طلاق زوج حتى يلزم ذلك وقد أجاز رسول الله H وطء المسبية من المعركة بعد استبراءها بحيضة واحدة، فعن أبي سعيد الخدري I قال: إن رسول الله H قال في سبايا أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة»([13]).
وعن علي I قال: نهى رسول الله H أن توطأ الحامل حتى تضع أو الحائض حتى تستبرئ بحيضة([14]).
وسبق من حديثرويفع بن ثابت أن رسول الله H قال في السبايا: «لا توطأ غير ذات حمل حتى تستبرئ».
وعن الشعبي قال: نهى رسول الله H يوم أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع أو حائل حتى تستبرئ([1]).
فسماه استبراء ولم يسمه عدة أي أن المراد معرفة أن المرأة المسبية ليست حاملا لأن الظاهر من الحامل أنها لا تحيض ـ وقد يسمى الاستبراء عدة ـ فيكفي لمعرفة عدم وجود الحمل حصول حيضة واحدة لهذا عامة العلماء على أن المسبية تستبرئ بحيضة واحدة([2]).
وكذلك المختلعة من زوجها تتربص بنفسها حيضة واحدة على القول الراجح من أقوال أهل العلم لأنه استبراء وليس بعدة كعدة المطلقة فقد قضى رسول الله H في امرأة ثابت بن قيس عندما خالعته أن تمكث حتى تحيض حيضة([3]). فإذا كانت المختلعة لكونها ليست مطلقة ليس عليها عدة المطلقة وإنما الاستبراء بحيضة فالزانية من باب أولى.
وكذلك من اعتقت بعد وطء سيدها وارادت الزواج فإن عليها الاستبراء عند جمهور أهل العلم ولا عدة عليها.
القول الثالث: لا يصح العقد بها إذا كانت حاملا ويصح العقد بها إذا لم تكن حاملا من دون عدة ولا استبراء.
وهو قول أبي يوسف الحنفي وزفر الحنفي ورجحه ابن عثيمين.
دليلهم: أما الحامل فلا يصح العقد بها حتى لا يسقي ماؤه زرع غيره كما في الأدلة السابقة.
وأما غير الحامل فلا دليل على وجوب العدة أو الاستبراء عليها فيصح التزوج بها وقد جاء عن عائشة J أن رسول الله H قال: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»([4]). فما دام أننا لم نتيقن من حملها فتنكح والحكم بالولد لو حصل الحمل بأنه للفراش أي لمن تزوج بها.
القول الرابع: يصح عقد النكاح بالزانية ولو كانت حاملا من الزنا ولا تحتاج إلى عدة ولا استبراء.
وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعية، إلا أن الحنفية قالوا: لا يجوز وطأها إذا كانت حاملا وإن صح العقد. وقال الشافعية: يجوز وطئها مع الكراهة.
دليلهم الأول: قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ ﴾ [النساء : ٢٤] فذكر الله تعالى المحرمات أولا ثم ذكر حل ما عدا ذلك ولم يذكر في المحرمات الزانية حتى تنتهي عدتها أو حتى تستبرأ.
الثاني: أن ماء الزاني لا حرمة له فلم يعتبر به فكان كالعدم وإنما يمنع تزوج الحبلى من غير الزنا لحرمة صاحب هذا الماء فلا نقيس الزانية على غيرها.
الثالث: أن وطء الزنا لا يلحق به النسب فالحمل إنما يلحق بأمه فالعاهر لا شيء له فلم يمنع صحة النكاح كما لو لم يوجد.
واستدل الحنفية على حرمة وطئها إذا كانت حاملا بما سبق عن رسول الله H أنه نهى أن يسقي الرجل ماؤه زرع غيره. وقالوا لا يلزم من حرمة الوطء لعارض الحبل من صحة النكاح كما يصح الزواج بالحائض أو النفساء مع أنه يحرم وطأها في هذه الأثناء.
واستدل الشافعية على جواز وطئها بأن ماء الزاني غير محترم فلا أثر له فهو كالعدم وإنما يمنع من وطء الحامل إذا كان حملها من ماء محترم.
الترجيح: الراجح ما ذهب إليه أهل المذهب الثاني من وجوب الاستبراء إما بوضع الحمل وإما بحيضة واحدة وتكفي الحيضة لأن الأصل أن الحامل لا تحيض فإذا لم تحض غلب على الظن أنها حامل وإن حاضت غلب على الظن أنها ليست حاملا فيصح العقد بها وإذا حملت في هذه الحالة فالولد لصاحب الفراش وهو الزوج لأن الغالب أنها لم تحمل من الزنا بخروج الحيضة منها.
فائدة: هذا الخلاف يجري أيضًا في المرأة المتزوجة إذا زنت فهل يشترط الاستبراء أو العدة قبل أن يطأها زوجها أو لا يشترط ذلك؟
والصواب هنا كالصواب في المسألة السابقة أنه لا يحل لزوجها وطأها حتى تضع حملها إذا حملت من الزنا أو تستبرأ بحيضة إذا لم تكن حاملا لأن الأدلة السابقة تشمل أيضًا هذه الصورة.
الحالة الثانية: إذا كان طالب النكاح بها الرجل الذي زنى بها.
والخلاف في هذه الحالة كالتالي:
القول الأول: لا يصح لمن زنى بها التزوج بها حتى تستبرأ من مائة الفاسد إما بوضع الحمل أو بالحيض كما لو أراد الزواج بها غير الذي زنى بها.
وهو مذهب المالكية والحنابلة واختارته اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية([5]).
دليلهم الأول: أن النكاح له حرمة ومن حرمته ألا يُصب على ماء السفاح فيختلط الحرام بالحلال ويمتزج ماء المهانة بماء العزة فلابد من الاستبراء حتى يفرق بين الماء الطيب والماء الخبيث.
الثاني: أنها إذا حملت من الزنا فإن ولد الزنا لا يلحق بالزاني ولا ينسب إليه كما سبق في الحديث: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فجعل الولد لصاحب الفراش والعاهر وهو الزاني لا شيء له فعليه إذا وطأها وهي حامل فكأنه سقى بمائه زرع غيره.
القول الثاني: يصح عقد الزاني بمن زنى بها ولو كانت حاملا منه فلا تحتاج إلى عدة ولا استبراء.
وهو مذهب الحنفية جميعا ومذهب الشافعية.
دليلهم: أن ماء الزاني لا حرمة له ولأن هذا الحمل منه فلا نخشى من اختلاط نسب الزوج بنسب الزاني ولا ماء الزوج بماء الزاني وبالتالي لا تحتاج إلى براءة رحمها.
الترجيح: الأقرب القول الثاني أنه يصح نكاح الزاني بمن زنى بها بدون عدة فلا عدة لها منه لأن ماءه يسقي زرعه وإن لم ينسب إليه. ويشكل علينا إذا لم يظهر حملها وعقد بها ثم وطأها مباشرة قبل أن تحيض فربما كانت علقت من الزنى ولم يعلموا ذلك فينسب إليه الولد وهو في الأصل من مائه الأول ماء الزنى فلا ينسب له وإنما لأمه.
والجواب على هذا الإشكال ـ والله أعلم ـ أنا نمنعه من وطئها حتى تحيض حيضة أو يظهر الحمل لكن لا يمنع هذا من صحة النكاح فلو حصل أن وطأها قبل أن تحيض حيضة وحملت فتحسب مدة الحمل وعمر الجنين فإن ظهر أنه من الماء الحرام فلا ينسب إليه ولا يلحق به وإن ظهر أنه من الماء الحلال فينسب إليه ويلحق به ويسهل في هذه الأزمنة حساب ذلك لتوفر الأجهزة الحديثة لحساب مثل هذا وعند الشك أو غفل الزوجان عن هذا حتى كبر الطفل فينسب للواطء ويلحق به حتى لا يضيع نسبه بمجرد الشك ولعموم: الولد للفراش.
ومع كل هذا: الأحوط ألا يعقد عليها من زنى بها حتى تستبرأ بوضع حمل أو بحيضة لكن لو حصل العقد قبل هذا فالعقد صحيح.
ملاحظة: من قال باستبرائها بالحيض اختلفوا في القدر المطلوب كما في الحالة الأولى ما بين ثلاثة قروء وقرء واحد.
فائدة: يصح زواج الزاني بمن زنى بها وعليه جمهور العلماء لعموم قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ ﴾ [النساء : ٢٤] ولا دليل يمنع منه([6]).
قلت: لكن إذا تواطأ الرجل والمرأة على الزنا لأجل يوافق الأولياء قهريا على تزويجهما أو يستسهلان الزنا لأن العقوبة بعدها سهلة وهي العقد له بها فلا يجوز لهم هنا الموافقة على تزويجه بها لأن هذه حيلة مذمومة والحيل في الشرع باطلة ويعاقبان بنقيض قصدهما وحتى لا نفتح بابا للتلاعب بالأحكام الشرعية والاستهانة بالذنوب العظيمة، والله أعلم.
اختلف أهل العلم في هذه المسألة:
القول الأول: يفسخ النكاح ويفرق بين الزوجين.
وهو قول بعض الصحابة وبعض التابعين وهو رواية للإمام أحمد.
دليلهم الأول: أنه كما يبطل النكاح إذا حصل ابتداء فكذلك إذا وجد الزنا بعد النكاح.
الثاني: أنه بإمساكها يكون ديوثا.
القول الثاني: لا يفسخ النكاح ولا يفرق بينهما.
وهو مذهب جمهور أهل العلم وهو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم الأول: أنها معصية لا تخرج من الإسلام فلم تبطل النكاح.
الثاني: أن بعض الناس وقع في الزنا في عهد رسول الله H فلم ينقل عنه أنه حكم ببطلان النكاح وحكم بفسخ النكاح.
الثالث: حديث ابن عباس ـ السابق ـ «لا ترد يد لامس» إذا حملناه على الزنا.
الترجيح: الراجح ما عليه جمهور أهل العلم أن النكاح لا يبطل. لكن لا يجوز له إمساكها إذا لم تتب، قال ابن تيمية: ولم يقل مسلم إنه يجوز إمساك بغي. اهـ
وقال أيضا: إذا كانت تزني لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال بل يفارقها وإلا كان ديوثا([8]).
شذ بعض الظاهرية فقالوا يجوز للرجل أن يجمع في آن واحد بين تسع نسوة لقوله تعالى: ﴿ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ﴾ [النساء : ٣] قالوا: فالواو عندهم للجمع فهي اثنتان زائدا ثلاثة زائدا أربعة ومجموع ذلك تسع، ولأن النبي H مات وفي عصمته تسع نسوة وهذا أيضًا مذهب الرافضة.
وذهب كافة أهل العلم إلى أنه يحرم على الرجل أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة في آن واحد، فعن ابن عمر أن غيلان بن سلمة أسلم وله عشر نسوة فأسلمن معه فأمر النبي H أن يتخير أربعا منهن([10]).
وعن قيس بن الحارث أو الحارث بن قيس أنه قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي H فقلت له ذلك فقال: «اختر منهن أربعا»([11]).
وعن نوفل بن معاوية الديلمي قال: أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت رسول الله H فقال: «فارق واحدة وأمسك أربعا»([12]).
وعن عروة بن مسعود أنه أسلم ومعه عشر نسوة فأمره رسول الله H أن يتخير أربعا([13]).
فمنع رسول الله H كل هؤلاء الصحابة من إمساك أكثر من أربع نسوة وأمرهم بطلاق ما زاد على الأربع. وأيضًا هو إجماع من الصحابة والأئمة المتبوعين فلا يعلم عن أحد من الصحابة الزواج بأكثر من أربع في زمن رسول الله H أو بعده. وأما الآية فالمراد بها التخيير بين اثنين أو ثلاث أو أربع كما قال تعالى ـ في الملائكة ـ : ﴿ أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ﴾ [فاطر: ١] ولم يرد أن لكل ملك تسعة أجنحة.
فقوله: (مثنى) معدول عن اثنين اثنين فمعنى الآية: أنكحوا اثنتين اثنتين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة فالمراد الجميع لا المجموع كما يقال: جاء القوم مثنى وثلاث ورباع، أي: أنهم جاؤوا اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة فالمراد تبيين حقيقة مجيئهم وأنهم لم يجيئوا جملة ولا فرادى، ولو أريد مجموع العدد في الآية لكان قوله مثلا (تسعا) أرشق وأبلغ، فعلى هذا لا يقال: إن الواو في الآية للجمع لوجود القرينة السابقة الدالة على عدم إرادة الجمع.
وجمع رسول الله H بين تسع نسوة في آن واحد فهذا من خصائصه فقد أمر من أسلم ومعه أكثر من أربع بمفارقة ما زاد على الأربع وأيضًا قد جمع رسول الله H في بعض أزمنته أكثر من تسع نسوة.
أجمع العلماء على أنه لا يجوز للأجنبي نكاح المعتدة من الغير سواء أكانت عدتها من طلاق أم موت أم فسخ أم شبهة وسواء أكان الطلاق رجعيا أم بائنا لأن العدة وجبت لمعرفة براءة الرحم ولحفظ النسب فلو جوزنا بها النكاح اختلط النسب.
اختلف العلماء في جواز نكاح المحرم بحج أو عمرة والمحرمة بحج أو عمرة:
القول الأول: لا يحرم نكاح المحرم ونكاح المحرمة.
وهو مذهب طائفة من السلف والحنفية.
دليلهم: الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ ﴾ [النساء : ٢٤] وهذا عام دل على جواز نكاح كل من لم يُذكر في الآية السابقة فيدخل فيه نكاح المحرم والمحرمة.
الدليل الثاني: ما جاء عن ابن عباس أنه قال: تزوج رسول الله H ميمونة وهو محرم([16]). فتزوج رسول الله H ميمونة وهو محرم فكان دليلا على إباحة نكاح المحرم.
وأما ما جاء عن يزيد بن الأصم قال حدثتني ميمونة أن رسول الله H تزوجها وهو حلال وكانت خالتي وخالة ابن عباس([17]). فهو مردود من عدة وجوه:
الأول: أن حديث ابن عباس أصح إسنادا فقد اتفق الشيخان على إخراجه في صحيحيهما أما حديث يزيد بن الأصم فانفرد بإخراجه الإمام مسلم ولم يخرجه البخاري وعند التعارض يقدم ما في الصحيحين على ما انفرد به أحدهما.
الثاني: أن يزيد بن الأصم تابعي وقد اختلف في حديثه وصلا وإرسالا ورجح بعض الحفاظ الإرسال وأما ابن عباس فهو من الصحابة فحديثه معدود في المسند ولو أرسله فهو مرسل صحابي فهو مقبول.
الثالث: أن ابن عباس أحفظ وأتقن من يزيد فيقدم حديثه وقد كان بعض الأئمة ينكر على يزيد بن الأصم ما نقله بمخالفته لما نقله ابن عباس فعن عمرو بن دينار عن جابر بن يزيد عن ابن عباس أن رسول الله H تزوج ميمونة وهو محرم. قال عمرو بن دينار: فحدثني الزهري عن يزيد بن الأصم أن النبي H نكح ميمونة وهي حلال. قال عمرو: فقلت للزهري: وما يدري يزيد أعرابي بوال أتجعله مثل ابن عباس؟!([18])
الرابع: أن هنالك شواهدا توافق ما روي عن ابن عباس من نكاح رسول الله H وهو محرم فلم ينفرد بهذا ابن عباس، فعن عائشة قالت: تزوج رسول الله H بعض نسائه وهو محرم([19]).
وعن أبي هريرة I قال: تزوج رسول الله H ميمونة وهو محرم([20]).
وأما حديث أبي رافع أن رسول الله H تزوج ميمونة وهو حلال ـ سيأتي تخريجه ـ فلا حجة فيه لضعفه.
وأما ما جاء عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان أن رسول الله H قال: «لا ينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب»([21]). فيجاب عليه بالآتي:
الأول: أنه انفرد بروايته نبيه بن وهب وليس هو من أهل العلم الكبار ولا بدرجة من روى حديث ابن عباس أن رسول الله H تزوج وهو محرم فيقدم حديث ابن عباس.
الثاني: يمكن حمل النكاح في حديث عثمان على الوطء لا على العقد فإن من معاني النكاح الوطء وهذا يوافق ما جاء في القرآن والسنة من أن المحرم يحرم عليه جماع المرأة فعلى هذا المعنى لا يكون هنالك تعارض بين حديث عثمان وحديث ابن عباس.
الثالث: أن يحمل النهي في حديث عثمان على الكراهة فقط ـ على فرض حمل النكاح فيه على العقد ـ جمعا بينه وبين حديث ابن عباس ويقوي هذا أنه قد جاء في حديث عثمان المذكور نهى المحرم أيضًا عن الخطبة وهي مكروه فقط باتفاق العلماء فليكن النكاح كذلك ووجه كراهية النكاح للمحرم أن المحرم في شغل عن مباشرة عقود الأنكحة لأن ذلك يوجب شغل قلبه عن إحسان العبادة لما فيه من خطبة ومراودات ودعوة واجتماعات ويتضمن تنبيه النفس لطلب الجماع والجماع محرم عليه.
القول الثاني: يحرم نكاح المحرم والمحرمة وإن حصل بطل النكاح.
وهو قول جمهور العلماء منهم المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية.
دليلهم: حديث عثمان السابق «لا ينكح المحرم ولا يُنكح» وهو حديث صحيح رجاله ثقات ولا مطعن فيه وقد أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وصححه الدارقطني وألزم البخاري إخراجه([22]).
والمراد بالنهي عن النكاح فيه عن النهي عقد النكاح وحمله على الوطء يرد عليه من وجوه:
الأول: أن لفظ النكاح إذا أطلق الأصل أن يراد به عقد النكاح كما هو المعروف في الكتاب والسنة وحمله على الوطء خارج عن الأصل والمعروف منه وهنا في الحديث لفظ النكاح مطلق ولا قرينة تدل على إخارجه عن معناه الأصلي.
الثاني: أن للحديث قصة تدل على أن المراد بلفظ النكاح في الحديث عقد التزويج ففي صحيح مسلم أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بابنة شيبة بن جبر فأرسل إلى أبان بن عثمان يحضر ذلك وهو أمير الحج فقال أبان: سمعت عثمان ـ فذكر الحديث ـ ففهم راوي الحديث أن المراد بالنكاح في الحديث العقد والراوي أفهم لما روى من غيره.
الثالث: قوله في الحديث «لا يُنكح» بالضم لا يصح حمله على الوطء لأن الرجل لا يُوطئ غيره فيكون المعنى الصحيح له أن المحرم لا يتزوج ولا يُزوج غيره.
الرابع: قوله في الحديث «ولا يخطب» والخطبة هي طلب التزويج فيكون معنى النكاح المذكور في الحديث هو عقد التزويج الذي تسبقه الخطبة، وحمل ما في الحديث من نهي المحرم عن النكاح على الكراهة فقط غير صحيح وذلك لأن الأصل في النهي أنه للتحريم عند الإطلاق وكذلك النهي يقتضي فساد المنهي عنه كما هو محرر في كتب الأصول وهنا النهي مطلق ولا قرينة تصرفه عن التحريم إلى الكراهة.
وكون المحرم نهي كذلك عن الخطبة والنهي عنها للكراهة فلا يلزم منه أن النهي عن النكاح يكون كذلك للكراهة وذلك للفارق بين الأمرين فالمنهي عنه هو النكاح أصلا والنهي عن الخطبة لأنها طلب لهذا النكاح وإلا فالخطبة لا متعلق لها بأصل النكاح فقد يخطب ولا يتم النكاح إذا رد الخاطب وقد يحصل النكاح بلا خطبة أصلا إنما العقد مباشرة ففرق بين المنهي عنه أصلا والمنهي عنه تبعا لمجرد أنه وسيلة إلى المنهي عنه، مع أن هنالك من أهل العلم من حمل النهي عن الخطبة في هذا الحديث على التحريم لمطلق النهي.
ولا يعارض حديث عثمان بحديث ابن عباس لأمور:
الأول: أن المعروف عند الأصوليين أنه إذا تعارض القول والفعل ولم يمكن الجمع أنه يقدم القول على الفعل فيقدم هنا حديث عثمان لأنه قول وأما حديث ابن عباس فهو مجرد فعل فيكون نكاح رسول الله H لميمونة وهو محرم على ما جاء عن ابن عباس من خصائصه H وأما غيره فيحرم عليه.
الثاني: أن قول ابن عباس أن نكاح رسول الله H لميمونة كان وهو محرم قد خالفته ميمونة نفسها فذكرت أن رسول الله H تزوجها وهو حلال وهي صاحبة القصة فهي أدرى بنفسها وما حصل لها وكان ابن عباس يومئذ صغيرا فلعله وهم في ذلك ويؤيد هذا ما جاء عن أبي رافع أنه قال: تزوج رسول الله H ميمونة وهو حلال وكنت الرسول بينهما([23]). فوافق أبو رافع ميمونة في نكاح رسول الله H لها وهو حلال وكان الرسول بينهما في هذا العقد فهو أعلم بحال رسول الله H حينها، وحديث ميمونة صحيح خرجه الإمام مسلم في صحيحه ولم يصب من ضعفه.
الثالث: أنه يمكن حمل قول ابن عباس أن رسول الله H تزوجها وهو محرم على أنه قصد بقوله (وهو محرم) أي وهو في البلد الحرام أو في الشهر الحرام لا أنه متلبس بالإحرام ويتعين هذا التأويل للجمع بين الروايات وهو سائغ في اللغة وقيل معناه إن أمر زواجه بها ظهر وهو محرم وإلا فقد تزوجها أصلا وهو حلال.
وكذلك حديث عائشة وأبي هريرة أن رسول الله H تزوج وهو محرم يرد عليهما بنحو ما أجيب به على حديث ابن عباس مع ما في إسناديهما من ضعف، وقد جاء عن عمر بن الخطاب أنه رد نكاح رجل تزوج وهو محرم([24]).
الترجيح: الراجح ما عليه جمهور العلماء من تحريم نكاح المحرم والمحرمة بحج أو عمرة وأن نكاحهما لا يصح فحديث عثمان صريح في ذلك وحديث ابن عباس أمكن الرد عليه بما سبق ذكره.
وأما الخطبة فأكثر العلماء على كراهيتها فقط لأنها وسيلة للنكاح فقط وقال بعض العلماء بحرمتها لظاهر النهي وهو الأقرب، لكن لا يبطل النكاح إذا حصل بعد الإحرام لأن الخطبة لا متعلق لها بالنكاح.
اختلف العلماء في إباحة نكاح المسلم الحر للأمة المسلمة:
القول الأول: لا يجوز للمسلم الحر نكاح الأمة المسلمة إلا باجتماع شرطين:
الأول: عدم القدرة على نكاح الحرة المسلمة.
والثاني: وجود ضرورة وهي خشية الوقوع في الزنا.
فإذا انعدم الشرطان أو أحدهما فلا يصح نكاحه للأمة.
وهذا قول جمهور العلماء منهم المالكية في المذهب عندهم ومذهب الشافعية وهو الصحيح عند الحنابلة.
دليلهم: استدلوا بقوله تعالى: ﴿ وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡ ﴾ [النساء : ٢٥].
فاشترط في نكاح الأمة عدم استطاعة الطول وهو القدرة على نكاح المحصنات وهن الحرائر.
واشترط كذلك لجواز ذلك خوف العنت وهو الوقوع في الزنا وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗا ﴾ [المجادلة: ٤] وكقوله: ﴿ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ ﴾ [البقرة: ١٩٦] ولم يختلف العلماء في الآية الأولى أن الإطعام لا يجوز لمستطيع الصيام وفي الآية الثانية أن الصيام لا يجوز إلا لمن لم يجد ما ذكر الله وجوده في الآية. وهذه الآية مخصصة للعمومات في الآيات الأخرى كقوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ ﴾ [النساء : ٢٤] وقوله: ﴿ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ﴾ [النساء : ٣] فيخرج من عموماتها نكاح الأمة إذا لم يتوفر فيه الشرطان المذكوران.
والنهي عن نكاحها لما فيه من مفسدة تعرض الأولاد للرق ولأنه نقص ينافي الكمال لما فيه من العدول عن الحرائر إليهن وهذه المفاسد تقتضي تحريم هذا النكاح إلا لضرورة.
القول الثاني: نكاح الحر المسلم للأمة المسلمة جائز مطلقا سواء خاف العنت أم لا وسواء كان قادرًا على نكاح الحرة أم لا إذا لم يكن تحته زوجة حرة.
وهو مذهب طائفة من السلف والحنفية وقول ضعيف لمالك ووجه للحنابلة.
دليلهم: استدلوا بالعموم في قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ ﴾ [النساء : ٢٤] وقوله: ﴿ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ﴾ [النساء : ٣] فيدخل فيها نكاح الأمة.
والمقصود بالطول في قوله تعالى: ﴿ وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا ﴾ [النساء : ٢٥] وجود الحرة في عصمته فمن كانت عنده حرة فهو ذو طول فمعنى الآية: أن من عنده طول أي زوجة حرة فلا يجوز له نكاح الأمة وإذا لم يكن متزوجا بحرة فيجوز له نكاح الأمة ولو استطاع لنكاح الحرة وهو معنى ما جاء عن الحسن البصري أن النبي H نهى أن تنكح الأمة على الحرة([26]).
وأما ذكر خوف العنت في هذه الآية فليس شرطا لصحة نكاح الأمة إنما هو من باب الاستحباب فهو كقوله تعالى: ﴿ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً ﴾ [النساء : ٣] وقد اتفق الجميع على أن للحر أن يتزوج أربعا وإن خاف ألا يعدل فالأمر بواحدة عند خوف عدم العدل أمر للاستحباب فكذلك له تزوج الأمة وإن لم يكن خائفا العنت.
وأما المفاسد التي تحصل بسبب هذا النكاح فلا تقتضي التحريم وإنما تقتضي الكراهة فقط لأنه يجوز له نكاح الآيس وغيرها مع أنه يعلم أنه لن يحصل له الولد منها فلأن يحصل عليه رقيقا بنكاح أمة مسلمة أولى إذ أن المقصود بالذات من النكاح إنما هو تكثير المسلمين وهذا حاصل بالولد المسلم ولو كان رقيقا والحرية مع ذلك كمال يرجع أكثره إلى أمر دنيوي والنقص أيضًا هنا خفيف مع وجود حرية الأب.
القول الثالث: يجوز نكاحها إذا خاف على نفسه العنت ولو كان قادرًا على نكاح الحرة.
وهو مذهب بعض السلف.
دليلهم: أنه مضطر فجاز له نكاح الأمة.
الترجيح: الراجح ما عليه جمهور العلماء أنه لا يجوز نكاح الحر المسلم للأمة المسلمة إلا باجتماع الشرطين المذكورين في الآية فهي نص في المسألة.
وقوله تعالى: ﴿ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً ﴾ فظاهره الوجوب وقال به بعض أهل العلم ولو وجد الإجماع على عدم الوجوب فالصارف له الإجماع.
وأما قوله تعالى في نكاح الأمة: ﴿ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡ ﴾ [النساء : ٢٥] فلا صارف له عن الوجوب من نص ولا إجماع بل الجمهور على وجوب توفر هذا الشرط لمن أراد نكاح الأمة.
فائدة1: مع وجود الشرطين لصحة نكاح الأمة إلا أن الأفضل ترك نكاحها لقوله تعالى في آخر الآية: ﴿ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡۗ ﴾ [النساء : ٢٥] لما فيه من مفسدة رق الأولاد وعدم كفاءة الأمة له.
فائدة2: لا يجوز نكاح الأمة على الحرة أي من كانت تحته زوجة حرة فلا يجوز له أن يتزوج عليها بأمة ولو اجتمع فيه الشرطان المذكوران في الآية وهذا عليه جمهور العلماء وهو المنقول عن الصحابة لأن شرط جواز نكاح الأمة عدم القدرة على نكاح الحرة وهذا متزوج بحرة فطلب النكاح لها وعنده امرأة حرة جعله كالقادر على نكاح الحرة ابتداء([27]).
وأما الحديث في النهي عن نكاح الأمة على الحرة فهو ضعيف كما مر تخريجه.
انتشرت في هذه الأزمنة بعض أنواع الأنكحة بمسميات مستجدة وكثر الكلام حولها والخوض فيها والجدل ومن أشهرها ثلاثة أنكحة وبقية الأنكحة العصرية تتفرع عنها وتندرج فيها وهذه الثلاث هي:
الأول: النكاح بنية الطلاق.
وهذا النكاح النقاش فيه عند العلماء قديم إلا أنه صارت له مستجدات وأبعاد في الواقع المعاصر وقد سبق الكلام على حكم هذا النوع في هذا المبحث وهي المسألة الخامسة منه.
الثاني: زواج المسيار.
وهو عبارة عن عقد متكامل الأركان إلا أن المرأة وأولياءها يتنازلون عن بعض حقوقها من نفقة أو سكنة أو مبيت بعضه أو كله ولما كان هذا الزواج متعلق ببعض حقوق العشرة الزوجية فإن الكلام عليه سيكون في مبحث الشروط والعيوب في النكاح.
الثالث: الزواج العرفي وهو موضوع هذه المسألة.
والمقصود به النكاح الذي لم يوثق بوثيقة رسمية في الجهة المختصة لذلك في الدولة وسمي عرفيا لأن المسلمين اعتادوا على عقد النكاح بأركانه وشروطه المطلوبة شرعا دون أن يوثق بوثيقة رسمية من الدولة فلم يكن المسلمون يهتمون بتوثيق الزواج ولا يجدون في ذلك حرجا، فلما تطورت الحياة وتغيرت الأحوال وظهرت قوانين الأحوال الشخصية كان من ضمن ما ظهر واستجد قانون ينص على أنه لابد من توثيق عقد النكاح لدى الجهة المختصة بتوثيق العقود في الدولة فيكون مصادقا عليه من قبل هذه الجهة مقيدا في سجلات خاصة، والغرض منه المحافظة على مصالح عقد النكاح، فإذا أبرم عقد النكاح دون توثيقة رسميا سمي عرفيا.
وحكم هذا النكاح أنه إذا وجد الطرفان ولي أمر المرأة وطالب الزواج أو وكيله مع رضى المرأة وحضور شاهدين عدلين واتفاق على المهر وألفاظ النكاح من قبول وإيجاب وإعلان لهذا النكاح أنه يكون صحيحا بإجماع علماء الشريعة ولو لم يوثق رسميا من جهة مكتب الأحوال الشخصية أو المحاكم الشرعية أو أي جهة مختصة بذلك والأفضل بلا شك أن يوثق ويسجل حماية للحياة الزوجية وسدا لأبواب النزاع فيه وضمانا للحقوق الزوجية والمهور المؤجلة عند وجود التناكر والجحود فقد ينسى الشهود مع الأيام أو يغيبون عند الطلب وقد تضيع ورقة العقد العادية أو تتلف ورقة العقد العادية غير الموثقة والمقيد بالسجل قابل للطعن والتزوير والإنكار بخلاف العقد الرسمي الموثق فلا يقبل الطعن والإنكار، وقد يكون هذا التوثيق واجبًا ـ وإن صح النكاح بدونه ـ إذا أمر به ولي الأمر الشرعي لإن طاعة أولياء الأمور بالمعروف لازمة شرعا، وهذا التوثيق من المعروف بلا شك ومما يحتاج إليه وقد قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ ﴾ [النساء : ٥٩].
ويعرض كثير من الناس عن هذا التوثيق لعقودهم إما تكاسلا وإما طمأنينة المتعاقدين لبعضهم البعض وإما جهلا في معرفة أهميته والحاجة إليه والعواقب السيئة التي قد تنشأ في المستقبل ويحتاج بعد ذلك للعقد الرسمي الموثق وإما فرارا من التكاليف المالية التي تدفع مقابل هذا التوثيق والتسجيل وإما وجود بعض الإلزامات والقيود التي تفرضها هذه الجهات المختصة ولا يريد العاقد الالتزام بها.
ثم طرأت على هذا النكاح مستجدات ومخالفات ولا زال يسمى بالزواج العرفي لمجرد أنه لا يوثق بوثيقة رسمية في الدولة ولا يقيد في السجل الرسمي فصارت كلمة الزواج العرفي تطلق على عدة صور وأشكال ولا تقتصر على صورة واحدة كما كان الأمر من سابق.
ونذكر هنا هذه الصور المستجدة وحكم هذا النكاح في كل صورة:
الأولى: أن يتم عقد النكاح مستوفيا لشروطه من رضى المرأة وحضور ولي أمرها وطالب النكاح وشاهدين عدلين ويذكر فيه المهر إلا أنهم يتواطأون على كتم هذا النكاح وعدم إعلانه وتصير المرأة زوجة له ويعاشرها سرا وكثيرا ما يلجأ الرجل لهذا النكاح إذا كان متزوجا بامرأة أولى ولا يريد أن تعرف زوجته الأولى أو أهلها حتى لا يحصل له كثير من المشاكل وربما تصل الأمور إلى خراب معيشته وبيته مع الزوجة الأولى وهو يرغب في النكاح بأخرى.
وكثيرا ما تلجأ المرأة لهذا النكاح إذا كانت تستلم راتبا بعد وفاة زوجها فتخشى أن يعرف أمرها فينقطع هذا الراتب أو تخشى من تعيير الناس لها بسبب هذا الزواج وقد صارت كبيرة أو تقصر في رعاية أولادها من نكاح سابق وهي تحتاج إلى النكاح.
وهذا النكاح بدون إعلان له مع وجود الشهود يعتبر صحيحا عند جمهور العلماء وإن كان النبي H أمر بإعلان النكاح إلا أنه لا يكون شرطا لصحة النكاح ثم مع صحة النكاح هل يكره عدم الإعلان له أم يحرم الأصل الكراهة إلا عند خشية حصول عواقب سيئة بعد ذلك كما يحصل كثيرا في هذا الزواج بهذه الصورة فإن كتمه يكون محرما فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وراجع مسألة: إعلان النكاح في المبحث الثامن من الفصل الأول، المسألة الرابعة.
الثانية: يتم عقد النكاح العرفي بوجود ولي المرأة مع موافقتها على هذا النكاح وحضور طالب النكاح أو وكيله ويفرض المهر ودون حضور الشهود وفي نفس الوقت يتفقون على كتمانه عن الناس ويكون النكاح سرا دون شهود ولا إعلان وهذا ما يسمى بنكاح السر وهو نكاح باطل بإجماع العلماء ويعد من السفاح فلا شهود فيه ولا إعلان([29]).
وانظر ما سبق في المسألة الأولى من المبحث الثامن في الفصل الأول.
الثالثة: أن يتم العقد بذكر بعض أركانه ولكن بدون وجود الولي وإنما تزوج المرأة نفسها بحضرة الشهود والمأذون والتراضي بين الزوجين والمهر ويلجئ الناس إليه عندما توجد معوقات لتحقيق النكاح الشرعي ومن هذه المعوقات: غلاء المهور أو تفاوت في المستوى الاجتماعي أو الفروق القبلية أو اختلافات سابقة بين الأسرتين أو نحو ذلك، وقد يكون السبب التقليد للكفار من منطلق حرية المرأة وأنها تفعل ما تشاء دون تدخل وليها في أمورها الشخصية ويصعب في مثل هذه الحالات توثيق هذا العقد في الجهة المختصة في الدولة لاشتراط موافقة ولي الأمر في البلد الإسلامية.
وهذا النكاح يعتبر نكاحا باطلا عند جمهور العلماء لنصوص شرعية صريحة فيه فقد قال رسول الله H: «لا نكاح إلا بولي» وقال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» وهما حديثان صحيحان([30]).
وانظر المسألة الأولى في المبحث السادس من الفصل الأول.
ويزداد هذا الفعل حرمة وخطورة عندما يحصل سرا دون معرفة ولي أمر المرأة ولا إعلانه بين الناس فلا شك في بطلان النكاح في هذه الحالة فهو شبيه بالسفاح وقد انتشر هذا النوع من النكاح بكثرة في هذه الأزمنة لا سيما بين طلاب المدارس والكليات وترتبت عليه آثار سيئة كثيرة وتلاعب بالنكاح وخيانات وغش وعبث ومآسي مؤسفة.
وقد شاع عند الناس تسمية هذه الصورة بالنكاح العرفي حتى لا يكاد يذكر الزواج العرفي إلا ويقصد به هذه الصورة ولا يعرف كثير من الناس إلا هذه الصورة فقط من الزواج العرفي وكثير من فتاوى أهل العلم في حكم الزواج العرفي تنصب على هذه الصورة من نكاح المرأة بدون إذن ومعرفة وليها.
([1]) مرسل صحيح: رواه ابن أبي شيبة (4/28).
([2]) مجموع فتاوى ابن تيمية (32/343).
([3]) صحيح لغيره: روي عن رسول الله H من عدة طرق: رواه أبو داود (2226)، والنسائي (6/497)، والترمذي (1221)، وابن ماجه (2058)، والطبراني في الكبير (24/265) وغيرهم وصححه الألباني في صحيح النسائي (3272).
([4]) رواه البخاري (2053)، ومسلم (1457).
([5]) فتاوى اللجنة الدائمة (19/383)، مجلة البحوث الإسلامية (9/72)، فتاوى محمد بن إبراهيم (10/135).
([6]) انظر المغني (9/564)، الأوسط لابن المنذر (8/512).
([7]) مراجع: المجموع شرح المهذب (17/328)، المغني (9/565)، مجموع فتاوى ابن تيمية (32/116، 141)، الإنصاف (8/430)، أضواء البيان (6/82)، المحلى مسألة (1839).
([8]) الفتاوى (32/118، 141).
([9]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/105)، الاستذكار (18/143)، المجموع شرح المهذب (17/349)، فتح الباري (10/173)، المغني (9/471).
([10]) حسن: رواه أحمد (2/13، 14، 44، 83). والترمذي (1158)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/252)، وابن حبان (4157، 4158)، والدارقطني (3/269)، والحاكم (2/193)، والبيهقي (7/149، 181) وغيرهم عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر به، هكذا حدث به معمر في العراق وحدث به في اليمن عن الزهري أن غيلان بن سلمة فذكره هكذا مرسلا، رواه أبو داود في مراسيله (234)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/252)، والدارقطني (3/270)، والبيهقي (7/182).
وحكم كبار الحفاظ كأحمد والبخاري ومسلم وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني على معمر بأنه وهم في وصله عندما حدث به في العراق وأن المحفوظ في الحديث الإرسال، وهكذا رواه مالك ويونس وعقيل وشعيب بن أبي حمزة وغيرهم عن الزهري، انظر سنن الترمذي (2/600)، وشرح معاني الآثار (3/253)، والعلل لابن أبي حاتم (1/400)، والعلل للدارقطني (13/123)، والتلخيص الحبير (3/192).
وله طريق أخرى عن ابن عمر من طريق سيف بن عبيد الله الجرمي عن سرار بن مجشر أبي عبيدة البصري عن أيوب عن سالم ونافع عن ابن عمر بنحوه، رواها الدارقطني (3/271)، والطبراني في الأوسط (1680)، والبيهقي (7/183) وسندها ظاهره الحسن فسيف الجرمي صدوق وباقي رجاله ثقات.
وقد صحح إسناده ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام (3/500) وقال ابن حجر في التخليص الحبير (3/193): رجال إسناده ثقات. وصحح الحديث عن ابن عمر الألباني في الإرواء (1883)، وقال: بالجملة فالحديث صحيح بمجموع طريقيه عن سالم عن ابن عمر.
وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح بطرقه وشواهده. كما في تحقيقه لمسند أحمد (8/221). ـ وستأتي شواهده ـ.
([11]) ضعيف: له طريقان: الأولى عن محمد بن أبي ليلى ومحمد بن السائب الكلبي عن حميضة بن المشردل عن قيس بن الحارث به رواها أبو داود (2241، 2242) وابن ماجه (1952)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/255)، وأبو يعلى (6872، 6874)، والدارقطني (3/271)، والبيهقي (7/183) وحميضة وابن أبي ليلى ضعيفان والكلبي متروك فلا تنفع متابعته لابن أبي ليلى.
والثانية: عن المغيرة بن مقسم الضبي عن قيس بن عبد الله بن الحارث، وفي رواية عن بعض ولد الحارث بن قيس وفي رواية: عن الربيع بن قيس ابن الحارث أسلم... فذكره. رواها البخاري في التاريخ الكبير (2/262)، والطحاوي (3/255)، والدارقطني (2/271)، والبيهقي (7/183). وفيه شيخ المغيرة مجهول وأيضًا ظاهر السند الإرسال، قال الشيخ الألباني: الحديث حسن عندي بمجموع طرقه. الإرواء (1885).
([12]) ضعيف: رواه الشافعي كما في المسند المنسوب إليه (1193) فقال: أخبرنا بعض أصحابنا ثم ذكر سنده، ومن طريقه أخرجه البيهقي (7/184) وشيخ الشافعي في السند مبهم وباقي رجال السند محتج بهم.
([13]) ضعيف: رواه البيهقي (7/184) وهو عن محمد بن عبيد الله الثقفي عن عروة بن مسعود به ورجاله محتج بهم لكن قال الإمام المقدسي محمد بن عبيد الله لم يدرك عروة بن مسعود. نقله عنه الألباني في الإرواء (6/295). وقال صاحب كتاب كشف الغمة في بيان خصائص رسول الله والأمة ـ بعد ذكر هذه الطرق ـ: لكن الحديث بمجموع هذه الطرق لا ينزل عندي عن الحسن. اهـ
([14]) مراجع: فتح باب العناية (2/16)، المجموع شرح المهذب (17/347)، المغني (11/237)، الموسوعة الفقهية (29/346).
([15]) مراجع: شرح معاني الآثار (2/269)، فتح باب العناية (2/20)، حاشية ابن عابدين (4/104)، المتنقى للباجي (2/238)، الحاوي الكبير (4/123-127)، المجموع شرح المهذب (7/287)، (17/312)، فتح الباري (4/528)، (10/207)، المغني (5/162)، (11/55)، الإنصاف (3/492).
([16]) رواه البخاري (1837)، ومسلم (1410).
([17]) رواه مسلم (1411) من طريق جرير بن حازم عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم قال حدثتني ميمونة به، وأعله البخاري بالإرسال فقد ذكر الترمذي أنه سأل محمدا ـ يعني البخاري ـ عن حديث يزيد بن الأصم فقال: إنما روى هذا عن يزيد بن الأصم أن النبي H تزوج ميمونة وهو حلال. ولا أعلم أحدا قال عن يزيد بن الأصم عن ميمونة غير جرير بن حازم. العلل الكبير (ص/131).
قلت: وممن خالفه حماد بن زيد فرواه الدارقطني في سننه (3/282) عنه عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم أن رسول الله H تزوج ميمونة وهو حلال. لكن قد روي موصولا من غير طريق جرير، فرواه أحمد (6/332، 335)، وأبو داود (1843)، والنسائي في الكبرى (3/288)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/271)، وابن حبان (4125، 4126)، والدارقطني (3/262)، والبيهقي (7/210) وغيرهم عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت تزوجت رسول الله H ونحن حلالان بسرف بعدما رجع، إلا أنه روي أيضًا عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم مرسلا، كما في الكبرى للنسائي (2/236)، وشرح معاني الآثار للطحاوي (2/271)، والعلل للدارقطني (5/262)، وسنن البيهقي (7/211).وله طرق أخرى عن يزيد بن الأصم مختلف أيضًا في وصلها وإرسالها ورجح الدارقطني فيها الإرسال. العلل له (15/263)، وانظر الكبرى للنسائي (3/288).
قلت: وعندي أن الحديث يثبت موصولا ومرسلا فكان يزيد بن الأصم أحيانا يخبر عن نكاح رسول الله H لميمونة وهو حلالا وأحيانا يصرح بمن حدثه بذلك ـ وهي خالته ميمونة ـ فيسنده. قال البيهقي في سننه (5/66): ويزيد لم يقله عن نفسه إنما حدث به عن ميمونة. اهـ
([18]) سنده صحيح: رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/269) والبيهقي (5/66).
([19]) حسن لغيره: روي عنها من طريقين: الأولى: عن ابن أبي عاصم النبيل عن عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة عن عائشة به رواها البيهقي (7/212) ورجاله ثقات لكن روى النسائي في الكبرى (3/289)، والبيهقي (7/212) عن عمرو بن علي الحافظ أنه قال لأبي عاصم النبيل: أنت أمليت علينا هذا من الرقعة ليس فيه عن عائشة فقال: دعوا عائشة حتى أنظر فيه. وقال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: يروون هذا الحديث عن ابن أبي مليكة مرسلا. العلل الكبير (ص/132).
والثانية: عن أبي عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة به، رواها ابن حبان (4132)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/269)، والبيهقي (7/212). وروي أيضًا عن أبي عوانة عن مغيرة مرسلا، رواه النسائي في الكبرى (3/289) وتابعه جرير بن عبد الحميد عن مغيرة مرسلا عند البيهقي (7/212) ورجح الحافظ أبو علي النيسابوري والبيهقي في هذه الطريق الإرسال.
قلت: فالراجح في الحديث الإرسال لكنه يتقوى بحديث ابن عباس السابق.
([20]) حسن لغيره: رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/270)، والدارقطني (3/263)، وفي سنده كامل أبو العلاء فيه ضعف. فتح الباري (10/208)، ويعضده حديث ابن عباس وعائشة.
([21]) رواه مسلم (1409).
([22]) الإلزامات والتتبع (ص/407).
([23]) ضعيف: رواه أحمد (6/393)، والترمذي (857)، والنسائي في الكبرى (3/288)، والطحاوي في معاني الآثار (2/270)، وابن حبان (4130، 4135) وغيرهم عن مطر الوراق عن ربيعة الرأي عن سليمان بن يسار عن أبي رافع به. ومطر الوراق فيه ضعف وقد خالفه الإمام مالك فرواه عن ربيعة الرأي عن سليمان بن يسار أن رسول الله H تزوج ميمونة فذكره، هكذا مرسلا وهو في الموطأ (1536) ومن طريق مالك، خرجه الطحاوي (2/270) وهذا هو الصواب في الحديث وضعفه بهذا العلة الألباني في الإرواء (1849).
([24]) سنده صحيح: رواه الإمام مالك في الموطأ (777) ومن طريقه البيهقي (7/213).
([25]) مراجع: فتح القدير (3/236)، فتح باب العناية (2/19)، الاستذكار (16/231)، تفسير القرطبي (6/222)، تفسير ابن كثير (3/442)، المغني (9/555)، الإنصاف (8/138).
([26]) ضعيف: رواه عبد الرزاق (13099)، وسعيد بن منصور (3/197)، والبيهقي (7/175) ورجال إسناد البيهقي ثقات لكنه مرسل. وله شاهد من حديث عائشة مرفوعا بنحوه رواه الدارقطني (4/39) وإسناده ضعيف جدا فيه مظاهر بن أسلم وصفدي بن سنان ضعيفان.
([27]) الاستذكار (16/228)، تفسير القرطبي (6/226)، سنن البيهقي (7/175).
([28]) مراجع: كتاب مستجدات فقهية في قضايا الزواج لأسامة الأشقر، الزواج العرفي في ميزان الإسلام لصلاح عامر، الزواج العرفي لسعيد عبد العظيم، الزواج العرفي داخل السعودية وخارجها ليوسف المطلق.
([29]) الفتاوى لابن تيمية (33/158).
([30]) سبق تخريجهما.
([1]) متفق عليه. سبق تخريجه.
([2]) صحيح: رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (8/2521)، وابن جرير الطبري في تفسيره (19/99) بإسناد صحيح.
([3]) حسن: رواه أبو داود (2051)، والترمذي (3451)، والنسائي في الصغرى (6/66)، والكبرى (5338)، والبيهقي (7/153) وغيرهم بإسناد حسن وحسنه شيخنا الوادعي في كتابه أسباب النزول (ص/159) وصححه الألباني في الإرواء (1886).
([4]) حسن: رواه أحمد (2/158)، والنسائي في الكبرى (11359)، والطبراني في الأوسط (1819)، والحاكم (2/193)، والبيهقي (7/153) وغيرهم.
وحضرمي في السند ليس هو ابن لاحق لكنه اليمامي القاص والأقرب أنه حسن الحديث.
وصحح الحديث الألباني في الأرواء (6/297) بناء على أن الحضرمي في السند هو ابن لاحق كما جاء مصرحا به في بعض طرق الحديث لكن جماعة من الحفاظ نصوا على أن الحضرمي الذي يروي عن سليمان التيمي هو اليمامي القاص وليس ابن لاحق وانظر ترجمة ابن لاحق في تهذيب التهذيب ولهذه القصة شاهدان مرسلان صحيحان بنحوها:
الأول: عن سعيد بن جبير رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (19/99).
والثاني: عن مجاهد بن جبر رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (8/2522).
([5]) إسناده صحيح: رواه ابن جرير الطبري (19/98) وذكره مع من فسر الآية بقوله: الزاني من المؤمنين لا يتزوج إلا زانية أو مشركة.
([6]) حسن: رواه أحمد (2/324)، وأبو داود (2052)، والحاكم (2/193)، وغيرهم بإسناد حسن وحسنه شيخنا الوادعي في الصحيح المسند (2/406).
([7]) تلخيص الحبير لابن حجر (3/252).
([8]) المحلى مسألة (1843)، مجموع فتاوى ابن تيمية (32/120)، التفسير الكبير لابن تيمية (5/283)، سبل السلام (3/202).
([9]) الشرح الممتع (12/139).
([10]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/106)، فتح باب العناية (2/22)، مواهب الجليل (5/34، 478)، حاشية الخرشي (5/104)، حاشية الدسوقي (3/416)، شرح السنة للبغوي (9/290)، المجموع شرح المهذب (17/348)، المغني (9/561)، مجموع فتاوى ابن تيمية (32/109-112) الإنصاف (8/132)، (9/295)، تفسير القرطبي (15/120)، أضواء البيان (6/83)، عون المعبود مع تهذيب السنن (6/136)، الشرح الممتع (12/140)، (13/332)، الموسوعة الفقهية (29/338)، مجلة البحوث الإسلامية (9/72).
([11]) صحيح لغيره: رواه سعيد بن منصور (2722)، وأحمد (4/108)، وأبو داود (2158)، وابن حبان (4850)، والطبراني في الكبير (4482)، والبيهقي (7/449)، وغيرهم بإسناد حسن. وحسنه الألباني في الإرواء (1/201).
وجاء بنحوه من طرق عن ابن عباس مرفوعا، رواه أحمد (1/256)، والنسائي (7/301)، وأبو يعلى (2414)، والدارقطني (3/69) وهو صحيح.
([12]) رواه مسلم (1441). وجاء بنحوه من حديث أبي سعيد الخدري ـ وسيأتي تخريجه ـ.
([13]) ضعيف بذكر الحيضة: رواه أحمد (3/28، 62، 87)، وأبو داود (2157)، والحاكم (2/195)، والبيهقي (7/249)، (9/124)، وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي فيه ضعف لسوء حفظه وضعف الألباني هذا السند في الأرواء (1/200).
([14]) ضعيف جدا: رواه ابن أبي شيبة (4/29) وفيه انقطاع مع ضعف في بعض رواته.
([1]) فتاوى اللجنة الدائمة (18/427)، ومجموع فتاوى ومقالات ابن باز (2/278).
([2]) حسن: رواه أحمد (4/94)، وأبو داود (2075)، والبيهقي (7/200) وغيرهم وفي سنده محمد بن إسحاق وهو صدوق حسن الحديث مدلس لكنه صرح هنا بالسماع. وحسن الألباني الحديث في الإرواء (1896).
([3]) فتاوى اللجنة الدائمة (18/422).
([4]) رواها ابن حبان(4153)، وأبو يعلى (7370) بإسناد حسن.
([5]) الفتح الرباني للبنا (16/196).
([6]) بذل المجهود في حل سنن ابي داود (10/67).
([7]) وسنده صحيح. رواه عبد الرزاق (10438).
([8]) سنده صحيح: رواه ابن أبي شيبة (4/33) وسويد ثقة جليل مخضرم.
([9]) صحيح: رواه عبد الرزاق (10439).
([10]) شرح الزركشي (5/223).
([11]) الشرح الممتع للعثيمين (12/174).
([12]) انظر المراجع السابقة وحاشية الروض المربع لابن القاسم (6/318).
([13]) رواه مسلم (9/171).
([14]) مجموع فتاوى ابن تيمية (32/63).
([15]) حواشي الإقناع للبهوتي (2/852).
([16]) انظر الشرح الممتع (12/174)، وشرح مسلم له (4/618).
([17]) شرح مسلم له (4/617).
([18]) مراجع: تفسير الطبري (19/96) تفسير البغوي (6/8)، تفسير القرطبي المسمى بالجامع لأحكام القرآن (15/116)، فتح القدير للشوكاني (4/7)، أضواء البيان للشنقيطي (6/73)، تفسير السعدي (ص/510)، تفسير سورة النور لابن عثيمين، بداية المجتهد (2/40)، حاشية الخرشي (4/135)، شرح السنة للبغوي (9/288)، المغني (9/562)، مجموع فتاوى ابن تيمية (32/101، 114، 144)، زاد المعاد (5/114)، الإنصاف (8/132)، المحلى مسألة (1843)، سبل السلام (3/202)، عون المعبود (6/34)، منحة العلام بشرح بلوغ المرام لعبد الله الفوزان (7/272).
([19]) حسن: رواه أبو داود (2048)، والنسائي (6/170)، والبيهقي (7/155) عن حسين بن حريث ثنا الفضل بن موسى عن الحسن بن واقد عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن ابن عباس به. وهذا إسناد ظاهره الحسن والكلام اليسير في بعض رواته لا ينزله عن مرتبة الحسن. وقد صحح هذه الطريق الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (1804) وله طريق أخرى عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير عن ابن عباس بنحوه، ولكن اختلف في وصله وإرساله. انظر مصنف عبد الرزاق (12365) وسنن النسائي (6/67، 170)، والبيهقي (7/154)، وشرح السنة للبغوي (2382) قال النسائي هذا خطأ ـ يعني الموصول ـ والصواب مرسل. اهـ.
قلت: والأمر كما قال الإمام النسائي فقد رواه الأكثرون مرسلا دون ذكر ابن عباس.
وجاء من حديث جابر بنحوه رواه الطبراني في الأوسط (4707، 6410)، والبيهقي (7/155)، والبغوي في شرح السنة (2383) عن أبي الزبير عن جابر به مرفوعا. قال الحافظ ابن حجر: رجاله موثوقون إلا أن أبا الزبير وصف بالتدليس ولم أره من حديثه إلا بالعنعنة. كما في اللآلئ المصنوعة للسيوطي (2/172).
قلت: وأيضًا اختلف فيه على أبي الزبير فرواه بعضهم عنه عن جابر ـ كما مر ـ ورواه بعضهم عنه عن مولى لبني هاشم ـ الحديث ـ دون ذكر جابر، رواه عبد الرزاق (12366)، والبيهقي (7/155). ورجح الإمام أبو حاتم الرازي هذه الطريق كما في العلل لابن أبي حاتم (1/433) فعليه: تكون هذه الطريق معلة إما بالإرسال وإما بعنعنة أبي الزبير، قال الحافظ ابن حجر: سأل الخلال الإمام أحمد عن حديث جابر فقال: ليس له أصل ولا يثبت عن رسول الله H. قال الحافظ ابن حجر: ولو انضمت هذه الطريق إلى ما تقدم من طريق ابن عباس لم يتوقف المحدث عن الحكم بصحة الحديث... ولو عرضت هذه الطرق على الإمام أحمد لاعترف على أن للحديث أصلا ولكنها لم تقع له فلذلك لم أر له في مسنده ولا فيما يروى عنه ذكر أصلا لا من طريق ابن عباس ولا من طريق جابر سوى ما سأله عنه الخلال وهو معذور في جوابه بالنسبة لتلك الطريق بخصوصها. اهـ اللآلئ المصنوعة (2/173).
([1]) في ثبوته نظر: رواه الطبري في تفسيره (6/586) وفيه يحيى بن عيسى وهو النهشلي ضعيف يعتبر به ورمي بالتشيع وهذا الذي رآه في مصحف أبي بن كعب في قراءة هذه الآية لم يذكر حبيب بن أبي ثابت أنها في المصحف الذي أعطاه ابن عباس فلعل يحيى بن عيسى أخطأ فيها فقد قال عنه ابن عدي: عامة ما رواه لا يتابع عليه. وقال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ.
وله شاهد عن قتادة قال في قراءة أبي بن كعب: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى» رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (6/588) ورجاله ثقات لكنه منقطع فقتادة لم يدرك أبي بن كعب.
وشاهد ثالث عن سعيد بن جبير قال: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى» قال: وهذه قراءة أبي بن كعب. رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف (160) ورجاله ثقات لكنه منقطع أيضًا لأن سعيدا لم يلق أبيا.
وأيضا قد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (6/588) بهذا السند عن سعيد بن جبير ولم يذكر قوله وهذه قراءة أبي بن كعب.
قلت: فإثبات قراءة قرآن عن صحابي بمثل هذه الأسانيد مما لا تطمئن له النفس لا سيما إذا كان جميع القراء على خلاف قراءته.
([2]) رواه الطبري في تفسيره (6/587)، وابن أبي داود في المصاحف (211-217) وسنده لابأس به.
([3]) صحيح: رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (6/585)، والحاكم (2/305)، وابن أبي داود في كتاب المصاحف (218) بإسناد صحيح.
([4]) ضعيف منكر: رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (6/588) ورجاله ثقات لكنه منقطع فالحكم لم يلق عليا.
وعن ابن جريج قال أخبرني من أصدق أن عليا قال بالكوفة لولا ما سبق من رأي عمر لأمرت بالمتعة ثم ما زنى إلا شقي. رواه عبد الرزاق (14029) وسنده ضعيف ففيه شيخ ابن جريج مبهم وأيضًا لا ندري هل لقي عليا I أم لا ولعله أخذه من الحكم بن عتيبة فعاد الأثر إليه. والثابت في الصحيحين وغيرهما كما سبق عن علي I أنه كان ينكر المتعة وينقل تحريمها عن رسول الله H.
([5]) صحيح: رواه البيهقي (5/21)، وهو عند الترمذي بنحوه.
([6]) انظر تفسير القرطبي (6/219)، وشرح مسلم للنووي (9/155).
([7]) مراجع: فتح باب العناية (2/29)، المنتقى للباجي (3/335)، شرح مسلم للنووي (9/155)، حاشية نهاية المحتاج (6/282)، فتح الباري (10/217)، المغني (10/47)، الإنصاف (8/163)، مجموع الفتاوى (32/147)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/76)، الشرح الممتع (12/184)، فتاوى البلد الحرام (ص/636)، رسالة النكاح بنية الطلاق د/ صالح آل منصور، رسالة النكاح بنية الطلاق د/السهيلي.
([8]) مراجع: بدائع الصنائع (2/278)، حاشية ابن عابدين (4/174)، فتح باب العناية (2/24)، التمهيد لابن عبد البر (14/70)، المنتقى للباجي (3/309)، المفهم للقرطبي (4/111)، حاشية الخرشي (4/324)، فتح الباري (10/204)، المجموع شرح المهذب (17/352)، النجم الوهاج (7/54)، مغني المحتاج (3/185)، المغني (10/42)، الإنصاف (8/160)، المبدع شرح المقنع لابن مفلح (7/84)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (5/219)، زاد المعاد (5/108)، كشاف القناع (5/93)، المحلى مسألة (1856).
([9]) رواه البخاري (5112)، ومسلم (1415).
([10]) عند البخاري (6960) ومسلم (9/171).
([11]) رواه مسلم (1416).
([12]) (6/422).
([13]) هذه الزيادة ليست موجودة في تفسير الشغار من حديث ابن عمر قال الحافظ ابن حجر: لم أجد هذا في الحديث إنما هو تفسير ابن جريج كما بين ذلك البيهقي. اهـ تلخيص الحبير (3/76).
قلت: وبيان البيهقي سيأتي في حديث جابر.
وقال البيهقي: الظاهر أن هذا تأويل من جهة الشافعي للتفسير الذي رواه مالك ـ يعني في حديث ابن عمرـ. اهـ معرفة السنن (5/339).
قال الزركشي: وقد ذكر أن ابن عمر فسر الشغار بأن يقول وبضع كل واحدة منهما مهر الأخرى لكن هذا التفسير لا يعرف في الصحاح ولا في السنن. شرح الزركشي على الخرقي (5/221).
([14]) رواه البيهقي في سننه (7/200)، وسنده صحيح، قال البيهقي في معرفة السنن (5/339): فيشبه إن كانت هذه الرواية صحيحة أن يكون هذا التفسير من قول ابن جريج أو ممن فوقه. اهـ
وقد رواه مسلم (1417)، من هذه الطريق عن جابر قال: نهى رسول الله H عن الشغار. هكذا مختصرا دون ذكر تفسير الشغار.
([1]) مراجع: بدائع الصنائع (3/187)، حاشية ابن عابدين (5/40)، فتح باب العناية (2/134)، بداية المجتهد (2/58، 87)، الاستذكار (16/158)، المجموع شرح المهذب (17/362)، الحاوي الكبير للماوردي (9/332)، المغني (10/49، 51، 54)، الإنصاف (8/161)، كشاف القناع (5/94)، المحلى مسألة (2217)، الموسوعة الفقهية (41/345).
([2]) صحيح لغيره: جاء عن عدة من الصحابة:
([3]) صحيح: رواه الحاكم (2/199)، والبيهقي (7/208)، والطبراني في الأوسط (9098)، وإسناده صحيح وصححه الألباني في الإرواء (1898).
([4]) انظر الحاوي الكبير للماوردي.
([5]) مراجع: انظر المراجع السابقة في المسألة الأولى.
([6]) ضعيف: رواه عبد الرزاق (10786، 10788)، وسعيد بن منصور (1999)، والبيهقي (7/209) ورجاله ثقات لكنه منقطع؛ ابن سيرين لم يسمع من عمر بن الخطاب، بهذا أعله الإمام أحمد وغيره كما في المغني لابن قدامة (10/53) وله طريق أخرى عن مجاهد عن عمر بنحوه رواه عبد الرزاق (10788)، والبيهقي (7/209) وهذا منقطع أيضًا وفي سنده ابن جريج وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث.
([7]) الفتاوى الجامعة للمرأة. جمع الوزان (2/635).
([8]) مراجع: بدائع الصنائع (3/187)، بداية المجتهد (2/88)، المغني (10/53)، الإنصاف (8/162).
([9]) الفتاوى الجامعة للمرأة جمع الوزان (2/636).
([10]) انظر بدائع الصنائع (3/188)، والمغني (10/53).
([11]) مراجع: بدائع الصنائع (3/188) حاشية ابن عابدين (5/39)، بداية المجتهد (2/87)، فتح الباري (10/585)، المغني (10/548)، الإنصاف (9/166)، شرح مسلم (10/4).
([12]) رواه البخاري (5317)، ومسلم (1433).
([13]) مراجع: بدائع الصنائع (2/273)، فتح باب العناية (2/27)، فتح القدير (3/247)، بداية المجتهد (2/58)، فتح الباري (10/217)، شرح مسلم (6/153)، الأوسط لابن المنذر (8/417)، معالم السنن للخطابي (3/163)، شرح السنة للبغوي (9/100)، المغني (10/46)، منهاج السنة (4/186)، الإنصاف (8/163)، المحلى مسألة (1858)، السيل الجرار (2/267)، تهذيب السنن (2/739)، تفسير الطبري (6/585)، أحكام القرآن للرازي (3/94)، البحر المحيط لأبي حيان سورة النساء آية (24)، أضواء البيان للشنقيطي (1/380)، تفسير الخازن (1/506)، البداية والنهاية (4/147).
([14]) كل هذه الروايات أخرجها مسلم برقم (1406).
([15]) رواه البخاري (5115)، ومسلم (1407).
([16]) رواه مسلم (9/157).
([17]) رجاله محتج بهم: رواه ابن ماجه (1963) وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيق سنن ابن ماجه.
([18]) صحيح: رواه ابن أبي شيبة (3/551) بإسناد صحيح.
([19]) رواه مسلم (1217).
([20]) رواه مسلم (9/156).
([21]) رواه البخاري (5116).
([22]) إسنادها صحيح: خرجها الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/26)، والبيهقي (7/204).
([23]) رواه مسلم (9/162).
([24]) رواه مسلم (9/161)، ورواه البيهقي (7/205) بهذا السند وفيه: يعرض بابن عباس.
([25]) صحيح: رواه ابن أبي شيبة (3/551) بإسناد صحيح.
([26]) صحيح: رواه عبد الرزاق (14035)، وابن أبي شيبة (3/551) مختصرا وسنده صحيح.
([27]) أخرجها الطبراني في الأوسط (9291) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/177): إسناده قوي. قال الألباني: وهو كما قال الحافظ ابن حجر. الإرواء (6/318). وبنحوها عند الطحاوي في معاني الآثار (3/25) وأبي عوانه في صحيحة (4083، 4084)، والبيهقي (7/202).
([28]) رواه مسلم (9/161) وانظر مصنف عبد الرزاق (14033). وابن أبي عمر هو عبد الرحمن الأنصاري تابعي ثقة ويقال إنه ولد في عهد رسول الله H
([29]) صحيح: رواه البيهقي (7/205) وقال الألباني في الإرواء (6/319): إسنادها صحيح. قلت: وهو كما قال.
([30]) ضعف ذلك الشيخ الألباني في الإرواء (1903) وقال: القول بتحريمها لم يثبت عنه صراحة.