2025/01/15
المبحث الأول: حقوق الزوج على زوجته.

المبحث الأول: حقوق الزوج على زوجته.

فيه مسائل:

المسألة الأولى: طاعة الزوجة لزوجها في الاستمتاع([1]).

اتفق العلماء على أنه يجب على المرأة أن تطيع زوجها إذا طلبها إلى الفراش أي للاستمتاع من الجماع ودواعيه لما روي عن أبي هريرة I أن النبي H قال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح»([2]). وفي لفظ لمسلم: «إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها».

وقد قال تعالى: ﴿ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ ﴾ [النساء : ٣٤] فالمرأة الصالحة هي التي تكون قانتة أي مداومة على طاعة زوجها فمتى امتنعت من إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزة.

المسألة الثانية: خدمة الزوجة لزوجها([3]).

اختلف العلماء في خدمة الزوجة لزوجها في شئون البيت من الطبخ والخبز والعجن والكنس والفرش وغسل ثيابه وأشباهه على أقوال:

القول الأول: يجب على الزوجة خدمة زوجها في مصالح البيت في حدود استطاعتها.

وهو قول أبي بكر بن أبي شيبة وأبي ثور والجوزجاني الحنبلي وابن تيمية وابن القيم وقال هو قول طائفة من السلف والخلف.

دليلهم: الأول قوله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ ﴾ [البقرة: ٢٢٨] فكمالها النفقة والكسوة والسكنى فعليها بمقابلة استمتاع الزوج بها والطاعة والخدمة له.

الثاني: ما جاء عن علي I أن فاطمة عليها السلام أتت النبي H تسأله خادما فقال: «ألا أخبرك ما هو خير لك منه؟! تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين وتحمدين ثلاثا وثلاثين وتكبرين أربعا وثلاثين([4])».

الشاهد: أن رسول الله H لم يأمر عليا أن يعطيها خادما أو يقوم بخدمة نفسه فلو لم تكن الخدمة واجبة عليها لأمر عليا بكفاية نفسه ولم تكن خدمتها له تبرعا وإحسانا فقد كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة.

الثالث: حديث أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»([5]).

دل هذا الحديث على تمام طاعة المرأة لزوجها حتى لو كان السجود لغير الله جائزا لأحد من الناس لكان للزوج على زوجته.

الرابع: قول الرسول: «استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوان([6])».فشبه المرأة عند زوجها بالأسير الذي يجب عليه خدمة من هو تحت يده وطاعته ولا يعصيه.

الخامس: أن الزوج سيدها كما في كتاب الله تعالى فقد قال: ﴿ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِ ﴾ [يوسف: ٢٥] فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والرقيق يجب عليه خدمة سيده.

السادس: ما جاء عن أبي هريرة I قال: سئل رسول الله H أي النساء خير؟ قال: «التي تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله»([7]).

فقوله: «تطيعه إذا أمر» عام يشمل الطاعة في الاستمتاع والخدمة.

السابع: ما جاء عن الحصين بن محصن عن عمته أن رسول الله H قال لها: «كيف أنت لبعلك؟» فقالت: ما آلو إلا ما عجزت عنه فقال: «انظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك»([8]).

الثامن: أن خدمة المرأة لزوجها في مصالح البيت هو المعروف والمألوف منذ عهد رسول الله H وقد أقر الصحابة على استخدامهم لنسائهم ولم ينكر ذلك ولا شك أن منهن الكارهة لذلك، فعن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنت أعلف فرسه ـ يعني زوجها ـ وأستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز لي جارات من الأنصار([9]).

التاسع: أن رسول الله H كان يأمر نساءه بخدمته فقال: «يا عائشة هلمي المدية واشحذيها بالحجر»([10]).

وقال: «يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا» وذلك عندما جاء معه بعض أصحاب الصفة إلى بيت عائشة J([11]).

القول الثاني: يجب على المرأة لزوجها الخدمة الباطنة كعجن وكنس وطبخ وغسل ثياب وفرش مما جرت به العادة ولو كانت المرأة غنية إلا إذا كانت ذات شرف وقدر وكان زوجها ذا سعة ومال فلا تجب عليها الخدمة.

وهو مذهب المالكية.

دليلهم: أن ذات الشرف والقدر ليس شأنها الخدمة فهي أهل للإخدام إذا كان زوجها غنيا.

القول الثالث: تجب عليها الخدمة لزوجها ديانة يعني فيما بينها وبين الله تعالى فتفتي به إلا إذا كانت ممن لا تخدم ولا تجب قضاء وحكما فلا تجبر عليها إن أبت.

وهو مذهب الحنفية.

دليلهم: أن رسول الله H قسم الأعمال بين علي وفاطمة J فجعل أعمال خارج البيت على علي I وأعمال داخل البيت على فاطمة J([12]). مع أنها سيدة نساء العالمين.

القول الرابع: لا تجب على المرأة الخدمة في بيت زوجها دون فرق بين فقيرة وغنية ورفيعة ودنيئة.

وهو مذهب الشافعية والمذهب عند الحنابلة وقول أهل الظاهر.

دليلهم: أن المعقود عليه منفعة الاستمتاع فلا يلزمها غيره فلا تجب طاعته إلا بالجماع ودواعيه بهذا جاءت الأدلة صريحة ومن ألزمها بخدمة زوجها فقد ألزمها بما لا نص فيه.

والأدلة المجملة الدالة على طاعة الزوجة لزوجها تحمل على المفسرة وهي الطاعة في الجماع ونحوه.

وما جاء من خدمة نساء النبي H له وخدمة نساء الصحابة لأزواجهن فهذا من باب التطوع والأفضل ومكارم الأخلاق وليس من الواجب عليهن.

الترجيح: الراجح وجوب الخدمة على المرأة لزوجها بحسب ما جرت به العادة والعرف ولا نعلم لمن قال بعدم الوجوب مطلقا دليلا صالحا وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه قول ضعيف، وهو اختيار الشيخ الألباني([13])، وشيخنا مقبل الوادعي([14]).

وقالت اللجنة الدائمة: المرأة يجب عليها أن تقوم بما جرت عادة النساء في بلدها بعمله في بيتها بدون أجرة لأن المتعارف عليه في البلد كالمشروط وقد جرت العادة في بلادنا بقيام المرأة بالطبخ ونحوه فهو واجب عليها([15]).

وقال ابن باز: الواجب على الزوجة طاعة زوجها في المعروف وعدم عصيانه إذا طلبها في نفسها أو في حاجة البيت فالواجب السمع والطاعة في المعروف وأن تجيبه في حاجته في نفسها وفيما يتعلق ببيته وملابسه ونحو ذلك حسب العرف المعتاد في بلاده([16]).

وقال ابن عثيمين: وهذا القول هو الراجح أن المرأة يجب عليها أن تعاشر زوجها بما دل عليه العرف وبما كان متعارفاً بين الناس بحسب الأحوال وبحسب الأزمان وبحسب الأمكنة... وبناءً على ذلك فإننا قد نقول في وقت من الأوقات إنه يلزمها أن تخدم زوجها في الطبخ وغسيل الأواني وغسيل ثيابه وثيابها وثياب أولادها وحضانة ولدها والقيام بمصالحه وقد نقول في وقت آخر إنه لا يلزمها أن تطبخ ولا يلزمها أن تغسل ثيابها ولا ثياب زوجها ولا ثياب أولادها حسب ما يجري به العرف المتبع المعتاد وهذا إذا تأملته وجدته ما يدل عليه القرآن والسنة([17]).

تنبيه: نقل ابن القيم عن أبي حنفية ومالك القول بعدم الوجوب مطلقا وعنه أخذ هذا بعض المتأخرين والمذكور في كتب الحنفية والمالكية ما ذكرناه هنا وهو يتفق كثيرا مع القول الأول.

فائدة: خدمة الزوجة لوالدي زوجها لا تجب عليها ولا أظنهم يختلفون فيه لكنه يستحب لما فيه من إعانة للزوج على البر بوالديه ولأنه يسعد الزوج ويزيد من الألفة والمحبة بين الزوجين([18]).

المسألة الثالثة: الاستمتاع بالمرأة الحائض([19]).

أجمع العلماء على أن وطء الزوجة الحائض في الفرج محرم لنص القرآن الكريم قال تعالى: ﴿ وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِ... ﴾ [البقرة: ٢٢٢] والسنة الصحيحة فعن أنس I أن رسول الله H قال: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» يعني: إذا حاضت المرأة([20]).

وأجمعوا على أن الاستمتاع بالمرأة الحائض فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو القبلة أو المعانقة أو اللمس جائز لما ثبت عن رسول الله H أنه كان يفعله فعن عائشة J قالت: كان إحدانا إذا كانت حائضا أمرها رسول الله H فتأتزر بإزار ثم يباشرها([21]).

وعن ميمونة J قالت: كان رسول الله H يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض([22]).

ومعناه: تشد إزارا تستر سرتها وما تحتها إلى الركبة وأذن لأصحابه بذلك كما سيأتي.

واختلفوا في الاستمتاع بها فيما بين السرة والركبة من تحت الإزار من دون الوطء في القبل أو الدبر:

المذهب الأول: يحرم الاستمتاع بالمرأة فيما بين السرة والركبة من دون إزار.

وهو قول جماعة من السلف وهو المذهب عند الحنفية والمالكية والشافعية وهو رواية لأحمد.

دليلهم الأول: أن رسول الله H كان يأمر المرأة من نسائه إذا أراد أن يباشرها وهي حائض أن تأتزر ـ كما مر سابقا ـ والأمر يقتضي الوجوب وترك الواجب محرم.

الثاني: ما جاء عن عبد الله بن سعد أنه سأل رسول الله H ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال: «لك ما فوق الإزار»([23]). وجاء بنحوه عن عمر عن رسول الله H([24]).

الثالث: أن في إباحته ذريعة للوقوع في المحرم المجمع عليه وهو الوطء فهذا الموضع حريم الفرج ومن يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

وقول الرسول: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» ـ سبق تخريجه ـ محمول على المعتاد لغالب الناس من الاستمتاع بالحائض بالقبلة واللمس ونحوهما لا بما تحت الإزار.

وأيضا هو مبيح والأدلة المعارضة له مانعة والمانع مقدم على المبيح عند التعارض.

المذهب الثاني: لا يحرم الاستمتاع بالمرأة الحائض فيما بين السرة والركبة من تحت الإزار من دون وطء.

وهو قول جماعة من السلف وقول بعض الحنفية والمالكية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة ومذهب الظاهرية.

دليلهم الأول: أن منع الوطء لأجل الأذى فاختص بمحله فقط وهو الفرج.

الثاني: ما جاء عن أنس I أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيت فسأل أصحاب النبي H النبي H فنزلت: ﴿ وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى... ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فقال: «اصنعوا كل شيء إلى النكاح»([25]). وهذا صريح في الإباحة فلا يجوز تعديه وهو البيان لمراد الله تعالى في الآية.

الثالث: عن بعض أزواج النبي H كان رسول الله H إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا([26]).

وأدلة المخالفين تحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة أو أنها في حق من يخشى على نفسه الوقوع في المحظور لقوة شهوته أو خفت ورعه.

الترجيح: الراجح أنه لا يحرم الاستمتاع بالحائض فيما بين السرة والركبة من دون إزار والمنهي عن الاستمتاع به منها هو الفرج فقط والمستحب والأفضل ألا يباشرها إلا من فوق الإزار إلا إذا خشي على نفسه أن يقع في الفرج لقوة شهوة أو خفة ورع فيحرم عليه حينئذ مباشرتها من تحت الإزار سدا للذريعة واحتياطا للدين.

تنبيه: يدخل في قوله: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» جواز استمناء الرجل بيد زوجته وكافة العلماء على عدم تحريمه([27]).

المسألة الرابعة: وطء المستحاضة([28]).

الاستحاضة هو جريان الدم في غير أوقاته المعتادة فهو دم فساد ومرض يسيل من عرق إذا انفجر أو انقطع وتسميه العوام بالنزيف.

وهذا بخلاف الحيض فهو جريان دم المرأة في أوقات معلومة ويخرج من قعر الرحم.

وقد اختلف العلماء في حكم وطء المستحاضة بعد إجماعهم على أنها تصلي وتصوم وتعتكف في المسجد وتقرأ القرآن وتمس المصحف:

القول الأول: لا يجوز وطء المستحاضة مطلقا.

وهو قول بعض السلف.

دليلهم: أن الله تعالى أمر باعتزال النساء في الحيض لأجل الحيض وهو دم يخرج من الفرج وكذلك الاستحاضة دم يخرج من الفرج فحكمه حكم الحيض في تحريم الوطء.

القول الثاني: لا يجوز وطء المستحاضة إلا أن يخاف الزوج على نفسه ا لوقوع في المحظور فيجوز له وطؤها عندئذ.

وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

دليله: أما المنع من وطئها فلأن منع وطء الحائض معلل بالأذى وهو موجود في المستحاضة فثبت تحريم الوطء في حق المستحاضة، وأما جوازه لمن خاف الوقوع في الزنا إن ترك الوطء فلأن حكم المستحاضة أخف من حكم الحيض لهذا تصلي وتصوم وغير ذلك.

القول الثالث: يباح وطء المستحاضة مطلقا.

وهو مذهب جمهور العلماء منهم الحنفية والمالكية والشافعية وهو رواية لأحمد.

دليلهم الأول: أن الله تعالى قال: ﴿ وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ﴾ [البقرة: ٢٢٢] وهذه قد تطهرت من الحيض فجاز إتيانها.

الثاني: عن عكرمة قال: كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها([29]).

الثالث: عدم وجود دليل شرعي على تحريم وطئها مع أن بعض المستحاضات قد سألن رسول الله H عن أحكام المستحاضة فلو كان الوطء حراما لبينه لهن.

الرابع: أنهم أجمعوا على أن المستحاضة تصلي وتصوم وتعتكف وغيرها فكذلك في الوطء فالمستحاضة تلحق بالطاهر وليس بالحائض التي لا تشابهها في شيء.

الترجيح: الراجح ما عليه جمهور العلماء من حل وطء الزوج لزوجته المستحاضة مطلقا فلا دليل يمنع منه.

المسألة الخامسة: خروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه([30]).

اتفق الفقهاء ـ من حيث الجملة ـ أنه لا يحق للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذن وذلك لأنها كالرقيق والأسير عنده قال تعالى: ﴿ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِ ﴾ [يوسف: ٢٥] وقال H: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم([31])». ولقوله تعالى: ﴿ وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰ ﴾ [الاحزاب : ٣٣].

ولأنها تفوت بالخروج ما يملك الزوج عليها من الاستمتاع ولأن حق الزوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب ولأن له عليها حق الحبس في مقابلة وجوب النفقة عليها.

وجاء عن ابن عمر أن النبي أتته امرأة فقالت: ما حق الزوج على امرأته فقال H: «لا تصدق بشيء من بيته إلا بإذنه فإن فعلت كان له الأجر وعليها الوزر ولا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنتها ملائكة الله وملائكة الرحمة وملائكة الغضب حتى تتوب أو يرجع([32])».

ويجوز خروجها بدون إذنه لعذر كأن يشرف البيت على الانهدام فتخرج خوفا من الضرر أو الاستفتاء عن نازلة وقعت لها ولم يغنها زوجها بعلم عنده أو يسأل عالما وكذلك للعمل إذا لم ينفق عليها زوجها.

واختلفوا في خروجها لزيارة والديها أو عيادتهما بدون إذنه:

القول الأول: لا يجوز لها الخروج لزيارة والديها أو عيادتهما إلا بإذنه فإن منعها امتنعت.

قول بعض الحنفية وظاهر مذهب الشافعية وهو مذهب الحنابلة.

دليلهم: الأدلة السابقة بعمومها تدل على عدم جواز خروجها في هذه الحالة أيضًا إلا بإذنه فإذا منعها من الخروج امتنعت وإلا كانت ناشزا.

وأيضا ما جاء عن أنس أن رجل سافر ومنع زوجته من الخروج فمرض أبوها فأرسلت إلى رسول الله فذكرت له ذلك فقال: «أطيعي زوجك» فمات أبوها فأرسلت إلى رسول الله H فقال: «أطيعي زوجك» فأرسل إليها أن الله قد غفر لأبيها بطاعتها زوجها([33]).

ويستحب له ألا يمنعها من زيارتهما أو عيادتهما لأن في ذلك قطيعة لهما وربما أدى إلى العداوة بينهم ولأنه مأمور بالمعاشرة لزوجته بالمعروف ومنعها من والديها بدون سبب ليس 

من المعاشرة لها بالمعروف.

القول الثاني: ليس لزوجها منعها من الخروج لزيارة والديها إذا كانت مأمونة فلو حلف عليها لا تزور والديها فإن القاضي يحكم لها بالخروج إليهما للزيارة أو لغيرها مما فيه مصلحة ويحنث الزوج في يمينه.

ظاهر مذهب المالكية.

دليلهم: عظم حق الوالدين ولما فيه من مضرة بها وتحريض على عقوق زوجها والنفور منه.

القول الثالث: لها الخروج بغير إذنه لزيارة والديها وليس له منعها من ذلك على قدر المتعارف عليه.

وذلك بشرط ألا يقدرا على الإتيان إليها فإن قدرا فلا تخرج.

المذهب عند الحنفية.

دليلهم: عظم حق الوالدين ولما في منعها من المضرة بها ولهما وأما إذا قدر الوالدان على الإتيان إليها فلا تخرج بغير إذنه لأن خروج الأبوين أيسر فكثرة خروج المرأة فيه فتح باب الفتنة خصوصا إذا كانت شابة والزوج من ذوي الهيئات.

الترجيح: الظاهر أنه لا يجوز لها أن تخرج لزيارة والديها أو عيادتهما بغير إذنه ويستحب له أن يأذن في زيارتهما في الحين بعد الحين لما فيه من جبر الخاطر وصلة الرحم وقد يجب عليه أن يأذن لها كما لو كان أبوها أو أمها مريضا ويقع في نفسه إذا لم تعده.

تنبيه: مفهوم كلام الفقهاء أن المرأة لا تخرج أيضًا للصلاة في المسجد إلا بإذنه لكن يستحب لزوجها ألا يمنعها من الخروج إلى المسجد للصلاة إذا أمنت الفتنة والمفسدة منها أو عليها لقوله H: «إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها([1])». وهذا الأمر بالإذن لها للاستحباب وليس للوجوب لأنه لو كان واجبًا لانتفى معنى الاستئذان والغرض منه لأن ذلك لا يتحقق إلا إذا كان المستأذن منه مخيرا وإلا لما كان للاستئذان معنى([2]).

المسألة السادسة: منع الزوج زوجته أن تدخل أحدا إلى بيته بغير إذنه([3]).

قال الفقهاء: لا يجوز للمرأة أن تدخل إلى بيت زوجها من لا يرضى الزوج بدخوله لما ورد عن أبي هريرة أن رسول الله H قال: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه([4])». وهذا محمول على ما لا تعلم رضى الزوج به أما إذا علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها.

وعن عمرو بن الأحوص أن رسول الله H قال: «استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم... فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون([5])».

وليس للزوج منع أبويها من الدخول إليها نص عليه الحنفية والمالكية والحنابلة لأن الله أمر بالصلة ونهى عن القطيعة فلا طاعة للمخلوق في معصية الخالق.

المسألة السابعة: صلاة وصوم المرأة بغير إذن زوجها([6]).

اختلف العلماء في صلاة وصوم التطوع للمرأة بغير إذن زوجها:

القول الأول: يحرم عليها أن تصلي أو تصوم التطوع إلا بإذنه ما دام حاضرا ليس غائبا ولو صامت بغير إذنه صح صومها وتأثم.

وهو مذهب جمهور العلماء منهم الحنفية والمالكية والصحيح عند الشافعية.

وهو مذهب الحنابلة.

دليلهم الأول: حديث أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه». وفي رواية: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه»([7]). وهذا النهي مطلق والنهي عند الإطلاق يقتضي التحريم.

الثاني: إن حق الزوج في الاستمتاع واجب على المرأة وأما صلاة أو صوم النافلة فليس واجبًا عليها فيقدم الواجب على المستحب.

ولا تبطل صلاتها ولا صومها إذا صلت أو صامت بغير إذن زوجها لأن النهي ليس متعلقا بذات الفعل أو شرطه وإنما لأمر خارجي وهو لأجل حق الزوج في الاستمتاع بزوجته.

وأما إذا كان غائبا فلها الصلاة والصوم بغير إذنه لأن الواجب له عليها من الاستمتاع منعدم لغيابه عنها لهذا قال في الحديث السابق «وزوجها شاهد» أي حاضر.

القول الثاني: يكره لها أن تصلي أو تصوم التطوع بغير إذنه ولا يحرم.

وهو قول بعض الشافعية.

دليلهم: أن النهي في الحديث للكراهة فقط من باب الأدب وحسن العشرة مع الزوج.

الترجيح: الراجح أنه لا يجوز لها التنفل بصلاة أو بصوم بغير إذن زوجها كما ذهب إليه جمهور العلماء لقوة ما ذكروه.

فائدة: ألحق بعض الحنفية المريض بالغائب في جواز صيام المرأة صوم التطوع بغير إذن زوجها وأنه ليس له منعها من صوم التطوع لأنه إنما يمنعها منه لحقه في الوطء والمريض لا يحتاج لذلك فصومها لا يضره.

والصحيح أن له منعها ولا تصوم بغير إذنه لأنه حاضر والصوم يهزلها وقد يحتاج المريض الاستمتاع بزوجته مع مرضه بالوطء أو ما دونه بخلاف الغائب عنها.

وأما صوم رمضان فلا تحتاج المرأة لأدائه استئذان الزوج وليس له منعها من صومه بلا خلاف بين العلماء لأن صومه و اجب عليها وكذلك أداء الصلوات المكتوبة إذا خشيت خروج وقتها.

وأما صيام قضاء رمضان بغير إذنه ففيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: أنه كصيام رمضان فلها صيامه في أي وقت وليس لزوجها منعها من صيامه.

وهو مذهب الحنفية والمشهور عند المالكية ووجه للشافعية.

دليلهم: أن قضاء صيام رمضان واجب عليها فلا يحتاج إلى إذن الزوج فيه.

القول الثاني: إذا كان الوقت واسعا فلا تصوم المرأة قضاء رمضان إلا بإذن الزوج وله منعها من صيامه وإذا ضاق وقت القضاء بأن لم يبق من شعبان إلا قدر أيام القضاء فلا يلزم عليها استئذان زوجها في صيامه وليس له منعها منه.

وهو قول بعض المالكية والمذهب عند الشافعية وهو مذهب الحنابلة.

دليلهم: أن الوقت إذا كان واسعا فصيامها القضاء لا يجب على الفور بل هو على التراخي وحق الزوج على الفور فهو مقدم. وأما إذا ضاق الوقت فلا يجوز لها ترك الصيام فهو كأداء رمضان فلا يمنعها الزوج من صيامه ولا يلزمها استئذانه.

الترجيح: الراجح القول الثاني أن زوجها لا يمنعها من قضاء صوم رمضان مع ضيق الوقت وله منعها مع اتساع الوقت لأنه لا يجب عليها القضاء فورا إذا اتسع الوقت ويجب عليها إذا ضاق الوقت.

المسألة الثامنة: صدقة المرأة من مال زوجها([8]).

لا خلاف بين العلماء أنه يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بإذنه.

واختلفوا في صدقتها من ماله بغير إذنه:

القول الأول: لا يجوز لها الصدقة من مال زوجها بغير إذنه مطلقا.

وهو رواية للإمام أحمد.

دليله: أنه تبرع بمال الغير بغير إذنه فلم يجز للزوجة كما لم يجز لغيرها، ولما روى أبو أمامة الباهلي I قال: سمعت رسول الله H يقول: «لا تنفق المرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها» قيل: يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: «ذاك أفضل أموالنا([9])».

القول الثاني: يجوز للمرأة التصدق من مال زوجها بالشيء اليسير مما جرت العادة به

ولو لم يأذن فيه إذا لم يمنعها منه.

وهذا مذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة.

دليلهم: ما روته عائشة عن رسول الله H قال: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا([10])».

وعن أسماء قالت: يا رسول الله مالي مال إلا ما أدخل علي الزبير أفأتصدق؟ فقال: «تصدقي ولا توعي فيوعي الله عليك([11])». ولم يذكر رسول الله H في الحديثين إذن الزوج، ولأن العادة السماح بالتصدق بالشيء اليسير وطيب نفسه الزوج بذلك فالمعهود من النساء أنهن يفعلن ذلك من غير نكير من الزوج فجرى هذا مجرى الإذن الصريح فالإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي.

وجاء عن أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فلها نصف أجره([12])».

وقوله: «عن غير أمره» أي عن غير أمره الصريح.

وأما حديث أبي أمامة الباهلي فهو إما أنه ضعيف وإما أن المراد بإذن زوجها: إذنه صريحا أو دلالة وعرفا.

وأما الأدلة في تحريم إنفاق مال الغير بغير إذنه فهي عامة والأحاديث هنا خاصة في الزوجة والخاص يقدم على العام.

الترجيح: الراجح مذهب جمهور العلماء أنه يجوز لها التصدق من مال زوجها بالشيء اليسير لأنه غير ممنوع عنه في العادة إلا إذا نهاها الزوج عنه فلم يجز لها التصدق بشيء من ماله لعدم وجود المعنى المرخص بذلك وهو العرف الدال على طيب نفسه ورضاه وحديث أبي أمامة يشمل الإذن بالصريح وبالعرف والعادة.

المسألة التاسعة: منع الزوج زوجته من التصرف في مالها إلا بإذنه([13]).

اتفق العلماء على أن المرأة يجوز لها أن تخرج من مالها ما يجب عليها إخراجه بدون إذن زوجها كالنفقة على الأبوين وصلة الرحم والزكاة وقضاء الدين وليس لزوجها منعها من ذلك ولا خلاف بين العلماء في جواز تصرفها في مالها بمعاوضة كالبيع والإيجارة وليس لزوجها منعها لأخذها عوضه.

واختلف العلماء في تصرفها في مالها لصدقة أو تبرع أو هبة بدون إذن زوجها:

القول الأول: لا يجوز للمرأة التصرف في مالها مطلقا بصدقة نفل أو تبرع أو هبة إلا بإذن زوجها وله منعها من ذلك.

وهذا قول بعض السلف وهو رواية لأحمد.

دليلهم: ما جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله H: «لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها». وفي لفظ: «لا يجوز للمرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها([14])». ولم يفرق الحديث بين المرأة الرشيدة وغير الرشيدة وبين اليسير من المال والكثير منه.

والأدلة التي استدل بها من يرى بجواز تصرف المرأة في مالها بغير إذن زوجها تحمل على علم المرأة برضى الزوج في تصرفها في مالها.

القول الثاني: يجوز للمرأة التصرف في مالها بصدقه نفل أو تبرع أو هبة بثلث مالها فما دون بغير إذن زوجها ولا يجوز لها التصرف بأكثر من الثلث إلا بإذنه وله منعها من الزيادة.

وهذا القول رواية لأحمد وهو مذهب المالكية لكنهم أجازوا لها التبرع بعد الثلث بغير إذن زوجها إذا بعد ما بين التبرعين.

دليلهم: النهي الذي جاء في الحديث السابق ولأن حق الزوج متعلق بمالها كتعلقه ببدنها فعن أبي هريرة I قال: قال رسول الله H: «تنكح المرأة لأربع... فذكر منها: المال»([15]).

ويجوز بالثلث فما دون بغير إذن الزوج ولا يمنعها منه قياسا على الوصية فالمريض يجوز له أن يوصي من ماله بالثلث فما دون ولا يمنعه الورثة من ذلك فكذلك هنا في عطية وصدقة المرأة لا يمنعها زوجها منه بل هو أولى هنا.

وأدلة من أجاز لها التصرف بمالها مطلقا تحمل على الشيء اليسير الذي لا يزيد على الثلث.

ودليل المالكية على جواز التبرع بعد الثلث من الثلثين الباقيين بدون إذن زوجها إذا بَعُد ما بين التبرعين أنه بالبعد صار مالا مستقلا بنفسه لم يقع فيه تبرع.

القول الثالث: يجوز للمرأة التصرف في مالها مطلقا بصدقة نفل أو تبرع أو هبة بدون إذن زوجها وليس له منعها من ذلك إذا كانت امرأة بالغة رشيدة.

وهو مذهب جمهور الفقهاء فهو مذهب الحنفية والشافعية والمذهب عند الحنابلة ومذهب الظاهرية.

دليلهم: قوله تعالى: ﴿ وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدٗا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ ﴾ [النساء : ٦] دلت الآية على أنه لا يحجر على الرشيد في تصرفاته في ماله فتدخل في الآية المرأة الرشيدة المتزوجة ففي الآية النص على فك الحجر على البالغ الرشيد وهو عام في الذكر والأنثى.

وأيضا حث الشرع النساء على الصدقة والعتق ولم يأمرهن باستئذان أزواجهن وكانت النساء يتصدقن ويعتقن بين يدي النبي H ولم يسألهن عن إذن أزواجهن في ذلك فمنه ما جاء عن جابر قال: شهدت العيد مع النبي H وفيه: ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم» فقامت امرأة من سطة النساء صفعاء الخدين فقالت: لما يا رسول الله؟ فقال: «لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير» قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن([16]).

وأجابوا عن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وشواهده بالآتي:

1 أنه حديث شاذ فقد خالف متنه أحاديث صحيحة كثيرة تدل على حق المرأة في التصرف في مالها مطلقا بغير إذن زوجها.

2 أن ما جاء فيه من طلب استئذان الزوج فهو للاستحباب من باب الأدب وحسن العشرة جمعا بين الأدلة.

3 أنه يحمل على المرأة السفيهة غير الرشيدة فلا يحل لها التصرف في مالها إلا بإذن زوجها بخلاف المرأة الرشيدة.

4 أن المراد منه التصدق أو الهبة من مال زوجها بغير إذنه وليس من مالها هي.

الترجيح: الراجح ما عليه جمهور الفقهاء أن لها التبرع أو الهبة أو الصدقة من مالها بغير إذن زوجها وليس له منعها أو الحجر عليها ما دامت امرأة رشيدة وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وشواهده يحمل على الاستحباب أو أنه في حق السفيهة غير الرشيدة فيكون من العام الذي أريد به الخصوص.

فائدة: تصرفها في مالها بقرض أي تقرض محتاجا فهو جائز بدون إذن الزوج ولا يمنعها منه عند جمهور الفقهاء وهو الأظهر عند المالكية لبقاء المال في هذه الحالة.

المسألة العاشرة: منع الزوجة مما يمنع الاستمتاع([17]).

سبق معنا أن الاستمتاع بالزوجة حق للزوج فيجب عليها طاعته إذا طلبها للجماع ودواعيه فعليه للزوج أن يمنع زوجته من كل ما يمنع من أصل الاستمتاع أو كماله ليحصل على حقه منها.

وقد اختلف الفقهاء في منع الزوج لزوجته من أكل ما يتأذى من رائحته كأكل الثوم والكراث والبصل:

القول الأول: له منعها منه.

وهو مذهب الحنفية والمالكية والأظهر عند الشافعية ووجه للحنابلة.

دليلهم: أنه يمنع كمال الاستمتاع كالقبلة.

القول الثاني: ليس له منعها منه.

وهو وجه للشافعية ووجه للحنابلة.

دليله: أنه لا يمنع الوطء.

الترجيح: الراجح القول الأول أن للزوج المنع منه للتعليل المذكور لديهم.

وأيضا اختلفوا في إجبار الزوج لها على حلق شعر العانة وإزالة شعر الإبط والوسخ من البدن:

القول الأول: له إجبارها على ذلك.

وهو قول الحنفية والأظهر عند الشافعية والصحيح عند الحنابلة.

دليلهم: أن النفس تعافه فيمنع كمال الاستمتاع.

القول الثاني: ليس له إجبارها على ذلك.

وهو وجه للشافعية ووجه للحنابلة.

دليلهم: أنه لا يمنع أصل الاستمتاع بها وإن منع كماله.

الترجيح: الراجح القول الأول له إجبارها على التنظيف لبدنها للتعليل الذي ذكروه.

المسألة الحادية عشر: قوامة الرجل على المرأة([18]).

قال تعالى: ﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ ﴾ [النساء : ٣٤] دلت الآية على أن الرجل قوام على المرأة وذلك يكون بالتدبير والتأديب والولاية والسلطان والحفظ والصيانة والأمر والنهي والإمساك في البيوت والمنع من الخروج.

وعلل سبحانه سبب قوامة الرجل عليها بأمرين:

الأول: بالفضيلة التي وهبها الله للرجل من العقل والحزم والقوة والرأي والإمامة وغير ذلك مما فيه السلطة والولاية لهذا قال: ﴿ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ ﴾.

الثاني: بأمر كسبي يتعلق بالمال فيما ألزمه الله تعالى من ماله للمرأة من المهر والإنفاق عليها والكلف التي أوجبها الله عليه لها في كتابه وسنة نبيه H لهذا قال: ﴿ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ فلهذين الأمرين ناسب أن يكون الرجل قيما على المرأة.

وسيأتي الكلام على ولاية التأديب للزوج إذا لم تطعه زوجته فيما يلزم طاعته والتدرج في التأديب في المبحث الثالث من هذا الفصل.

المسألة الثانية عشر: حق السفر بالزوجة([19]).

اتفق أهل المذاهب ـ بالجملة ـ على أنه يجوز للرجل أن يسافر بزوجته حيث شاء ولا يتشرط رضاها إذا لم يكن فيه ضرر عليها فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه M يسافرون بنسائهم مع ملاحظة أمرين:

الأول: أن الحنابلة يرون أنه لا يجوز للزوج أن يسافر بزوجته إذا اشترطت عليه عند العقد عدم السفر بها لقوله H: «إن أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج»([20]). وسبقت هذه المسألة في المبحث الرابع من الفصل الثالث.

الثاني: يرى جماعة من الحنفية أنه ليس للزوج السفر بزوجته بغير رضاها في هذه الأزمنة لفساد الزمان لأنها لا تأمن على نفسها بمنزلها فكيف إذا خرجت ولأن الغريب يؤذي ويتضرر لفساد الزمان.

قلت: السفر بالمرأة حق للزوج إذا لم يكن فيه ضرر عليها منه أو من الطريق أو من البلد التي ستسافر إليها.

 

 

 

([1]) رواه البخاري (873)، ومسلم (442) من حديث عبد الله بن عمر L.

([2]) انظر المراجع السابقة وشرح مسلم للنووي (4/134)، وفتح الباري (2/621، 626).

([3]) مراجع: حاشية ابن عابدين (5/258)، حاشية الخرشي (5/197)، حاشية الدسوقي (3/483)، شرح صحيح مسلم للنووي (7/102)، فتح الباري (10/370)، نيل المآرب على دليل الطالب (2/215، 218)، الإقناع للحجاوي (3/428)، المحلى (9/225).

([4]) رواه البخاري (5195)، ومسلم (1026).

([5]) حسن لغيره: سبق تخريجه.

([6]) مراجع: حاشية ابن عابدين (3/369)، مواهب الجليل (3/393)، حاشية الخرشي (3/64)، المجموع شرح المهذب (6/392)، روضة الطالبين (6/472)، فتح الباري (10/370)، مغني المحتاج (3/559)، المبدع في شرح المقنع (8/204)، الإنصاف (9/381)، أخصر المختصرات لابن بلبان (2/252)، كشاف القناع (5/188)، نيل المآرب على دليل الطالب (6/472).

([7]) رواه البخاري (5190، 5195)، ومسلم (1026).

([8]) مراجع: حاشية ابن عابدين (9/195)، فتح القدير (9/292)، مرقاة المفاتيح للملا علي القاري (4/435، 437)، عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي (3/143)، المجموع شرح المهذب (6/244)، شرح مسلم للنووي (7/99)، فتح الباري (4/56، 215)، (10/371)، المغني (6/605)، الإنصاف (5/352)، الموسوعة الفقهية (26/328).

([9]) إسناده حسن: رواه أحمد (5/267)، وأبو داود (3560)، والترمذي (76)، وابن ماجه (2295)، والبيهقي (6/88). وإسماعيل بن عياش في السند روايته عن الشاميين صحيحة وهذه منها.

([10]) رواه البخاري (1425)، ومسلم (1024).

([11]) رواه البخاري (2590)، ومسلم (1029).

([12]) رواه البخاري (5190)، ومسلم (1026).

([13]) مراجع: حاشية الدسوقي (4/500، 502)، حاشية الخرشي (260، 263)، المجموع شرح المهذب (13/372)، فتح الباري (5/535)، المغني (6/206)، الإنصاف (5/342)، المحلى مسألة (1396)، سبل السلام (3/117)، نيل الأوطار (4/38)، الفقه الإسلامي (6/4505).

([14]) صحيح لغيره: رواه أحمد (2/179، 184، 221)، وأبو داود (3546)، والنسائي (5/65)، (6/78)، وابن ماجه (2388)، والبيهقي (6/60)، بإسناد حسن وله شواهد يرتقي بها للصحة:

الأول: ما رواه أحمد (2/221) عن مجاهد قال أحسبه عن رسول الله H فذكره وهو مرسل حسن.

الثاني: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (9/125) عن طاووس قال: قال رسول الله H: «لا يجوز لامرأة شيء في ما لها إلا بإذن زوجها» وهو مرسل صحيح.

الثالث: ما رواه ابن ماجه (رقم/2389)، والطحاوي في معاني الآثار (4/351) عن كعب بن مالك مرفوعا بنحوه وإسناده ضعيف فيه مجهولان.

([15]) متفق عليه سبق تخريجه.

([16]) رواه البخاري (978)، ومسلم (885).

([17]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/290)، الفتاوى ا لهندية (1/341)، حاشية الخرشي (5/196)، حاشية الدسوقي (3/483)، روضة الطالبين (5/474)، المجموع شرح المهذب (16/410)، البيان في مذهب الشافعي (9/498)، المغني (10/223)، الإنصاف (8/349-352)، كشاف القناع (5/190).

([18]) المراجع: أحكام القرآن للجصاص (3/148)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/280)، معالم التنزيل للبغوي (2/207)، التفسير الكبير للرازي (10/88)، تفسير ابن كثير (2/292)، زاد المسير لابن الجوزي (2/73)، روح المعاني للألوسي (5/223)، تفسير القرآن للعثيمين (3/154).

([19]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/219)، فتح باب العناية (2/65)، الذخيرة للقرافي المالكي (4/465)، المجموع شرح المهذب (16/406)، المغني (10/212)، الإنصاف (8/347)، كشاف القناع (5/187).

([20]) سبق تخريجه.

 

([1]) مراجع: بدائع الصنائع (2/331، 334)، المفهم في شرح ما أشكل من صحيح مسلم للقرطبي (4/160)، المجموع شرح المهذب (16/414)، شرح مسلم للنووي (10/7)، فتح الباري لابن حجر (10/367)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/274)، المحلى (9/228).

([2]) رواه البخاري (5193)، ومسلم (1436).

([3]) مراجع: بدائع الصنائع (4/192)، المحيط البرهاني (11/301)، حاشية ابن عابدين (5/230)، حاشية الخرشي (5/194)، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (5/546)، حاشية الدسوقي (3/482)، المجموع شرح المهذب (16/426)، البيان في مذهب الشافعي (9/508)، فتح الباري (10/635)، المغني (10/225)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/260، 263)، وأيضًا (34/90)، زاد المعاد (5/186)، الإنصاف (8/362)، كشاف القناع (5/195)، الموسوعة الفقهية الكويتية (19/14)، وأيضًا (30/126).

([4]) رواه البخاري (5362)، ومسلم (2727).

([5]) صحيح لغيره: رواه الترمذي (1193)، وابن حبان (4162)، والبيهقي (7/291) بإسناد حسن، وللحديث شواهد متعددة لا تخلو أسانيدها من كلام يرتقي بها الحديث للصحة انظرها في إرواء الغليل عند حديث رقم (1998).

([6]) حسن لغيره: جاء من حديث عمرو بن الأحوص رواه النسائي في الكبرى (9169)، والترمذي (1197)، وابن ماجه (1851) وفيه سليمان بن عمرو بن الأحوص مجهول حال. وجاء من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه، رواه أحمد (5/73) وفي سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف. وقد حسن الشيخ الألباني الحديث بمجموع الطريقين في الإرواء (2030).

([7]) صحيح لغيره: رواه أحمد (2/251)، والنسائي في الصغرى (6/68)، والكبرى (8961)، والبيهقي (7/82) وإسناده حسن. وللحديث طرق وشواهد متعددة يرتقي بمجموعها للصحة، انظرها في تحقيق الأرناؤوط لمسند أحمد (12/384).

([8]) إسناده حسن إن شاء الله: رواه أحمد (4/341)، والنسائي في الكبرى (8962) وما بعد، وفي إسناده الحصين بن محصن اختلف في صحبته والأقرب أنه تابعي روى عنه اثنان ولم يوثقه معتبر لهذا قال شعيب الأرناؤوط: إسناد الحديث محتمل للتحسين.

([9]) رواه البخاري (5224)، ومسلم (2182).

([10]) رواه مسلم (1967) من حديث عائشة J.

([11]) إسناده ضعيف: رواه أحمد (3/430)، وأبو داود (5040)، والنسائي في الكبرى (6622، 6695) عن يعيش بن طخفة بن قيس الغفاري عن أبيه وكان من أصحاب الصفة، ويعيش مجهول وقد اختلف في اسمه. انظر تحقيق الأرناؤوط لمسند أحمد (24/307).

([12]) ضعيف: رواه مسدد كما في المطالب العالية لابن حجر (8/295) وهو مرسل وفي سنده أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم ضعيف.

([13]) آداب الزفاف (ص214).

([14]) سماعا منه في أحد الدروس.

([15]) نقلا من كتاب الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة، جمع الوزان (2/544). وانظر فتاوى اللجنة الدائمة (19/219).

([16]) فتاوى نور على الدرب لابن باز (3/1599).

([17]) فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين (10/319).

([18]) فتاوى اللجنة الدائمة (19/265)، فتاوى منار الإسلام للعثيمين (2/557).

([19]) مراجع: البحر الرائق (1/404، 405)، فتح باب العناية (1/138)، بداية المجتهد (1/56)، حاشية الدسوقي (1/283)، الأوسط لابن المنذر (2/205)، المجموع شرح المهذب (2/362)، شرح مسلم للنووي (3/176)، فتح الباري (1/537)، المغني (1/414)، الإنصاف (1/350)، المحلى مسألة (260، 263).

([20]) رواه المسلم (302).

([21]) رواه البخاري (302)، ومسلم (293).

([22]) رواه البخاري (303)، ومسلم (294).

([23]) إسناده حسن: رواه أبو داود (212)، ومن طريقه البيهقي (1/312) وصححه الشيخ الألباني V في صحيح أبي داود (197).

([24]) إسناده ضعيف: رواه عبد الرزاق (987، 988)، وأحمد (1/14)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/36) وفي إسناده عمير مولى لعمر بن الخطاب وهو مجهول.

([25]) رواه مسلم (302).

([26]) إسناد رجاله ثقات: رواه أبو داود (272)، والبيهقي (1/314) قال ابن حجر في الفتح (1/538): إسناده قوي. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (242).

([27]) انظر الموسوعة الفقهية الكويتية (4/102).

([28]) مراجع: حاشية ابن عابدين (1/429)، فتح باب العناية (1/146)، الاستذكار (3/246)، المجموع شرح المهذب (2/372)، المغني (1/420)، الإنصاف (1/382).

([29]) إسناده منقطع: رواه أبو داود (309) ومن طريقه البيهقي (1/329) قال الخطابي في معالم السنن (1/80) عكرمة لم يسمع من أم حبيبة. اهـ وقال المنذري في مختصر السنن (1/195) في سماع عكرمة من أم حبيبة وحمنة نظر. اهـ وقال ابن حجر في فتح الباري (1/570): حديث صحيح إن كان عكرمة سمعه منها. اهـ ورواه أبو داود (310) أيضًا عن عكرمة عن حمنة بنت جحش والإسناد الأول إلى عكرمة أصح وقد قيل إن حمنة هي أم حبيبة، وأيضًا المشهور أن التي كانت تستحاض على عهد رسول الله H هي أم حبيبة وليست حمنة. انظر تهذيب التهذيب (12/412) وأم حبيبة كانت تحت عبد الرحمن بن عوف.

([30]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/218)، وأيضًا (5/227، 257)، الفتاوى الهندية (1/341)، حاشية الخرشي (5/197، 204)، حاشية الدسوقي (3/484، 488)، الكافي لابن عبد البر (2/563)، المجموع شرح المهذب (16/411)، البيان في مذهب الشافعي (9/499)، النجم الوهاج (8/256)، حاشية قليوبي وعميرة (4/122)، مغني المحتاج (3/557، 558)، المغني (10/224)، مجموع الفتاوى (32/263)، الإنصاف (8/360)، كشاف القناع (5/197)، الشرح الممتع (12/421)، أحكام المعاشرة الزوجية، ت/زينب الشرقاوي (ص/163).

([31]) سبق تخريجه.

([32]) ضعيف: رواه ابن أبي شيبة (4/303)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (1951)، والبيهقي (7/292) وفي إسناده ليث بن أبي سليم ضعيف وله شاهد من حديث ابن عباس رواه البزار كما في كشف الأستار (1464) وفيه حنش بن قيس متروك. ومن حديث معاذ بن جبل وفيه: «ولا تخرج وهو كاره» رواه الحاكم (2/189)، والبيهقي (7/293) قال الذهبي في التلخيص على المستدرك: منكر وإسناده منقطع.

([33]) ضعيف: رواه الطبراني في الأوسط (7648) وفيه عصمة بن المتوكل ضعيف وزفر بن سليمان فيه ضعف. وضعف الألباني الحديث في الإرواء (2014).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=2073