وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا, فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة: رواه البخاري (3295)، ومسلم (238)، واللفظ لمسلم، ولفظ البخاري: «فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا».
فقه الحديث:
الاستنثار: هو إخراج الماء من الأنف، وهذا لا يكون إلا بعد استنشاق الماء، أي: جذبه إلى الأنف.
وقد اختلف العلماء في الأمر بالاستنثار: هل هو في حق من أراد الوضوء، أم هو عام؟
القول الأول: أن هذا في حق من أراد الوضوء فقط، أما من لم يرد الوضوء فليس مأمورًا بالاستنثار ثلاثًا بعد النوم، ففي رواية في صحيح البخاري: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أُرَاهُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ، فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا»، فيحمل المطلق في رواية مسلم على المقيد في رواية البخاري، فمن أراد الوضوء بعد نومه فليستنثر: أولًا للوضوء، ثانيًا: لطرد الشيطان من خيشومه.
القول الثاني: أن الأمر عام لمن أراد الوضوء ولمن لم يرده، إذا استيقظ الشخص من نومه، فقد ذكر في الحديث علة الأمر به، وهي أن الشيطان يبيت على خيشومه – أي: في أنفه - فمن استيقظ من نومه احتاج للاستنثار مطلقًا لطرد الشيطان من خيشومه، فهذه العلة عامة يستوي فيها من أراد الوضوء ومن لم يرد الوضوء، وهذا القول هو الأظهر؛ للاشتراك في هذه العلة، ويكون ذكر الوضوء في رواية البخاري من باب ذكر بعض أفراد العام، وليس قيدًا، فالغالب إذا استيقظ الشخص من نوم الليل أنه يتوضأ لأجل صلاة الليل أو صلاة الفجر، ولا نعرف كيف يبيت الشيطان في أنف الإنسان؛ لأنه أمر غيبي، فيحتاج إلى بيان من الشرع.
والأقرب أن هذا الأمر لمن لم يُرد الوضوء للاستحباب فقط؛ لأن العلة التي ذكرت هنا وجاء الأمر لأجلها لا تكفي ـ والله أعلم ـ للقول بوجوب الاستنثار على من لم يرد الوضوء، فقد جاءت أحاديث كثيرة تأمر ببعض الأفعال أو الأقوال لأجل صد الشيطان، وليست واجبة، كقراءة أية الكرسي قبل النوم لأجل الحفظ من الشيطان، وكذلك قول: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، مائة مرة، جاء في الحديث: «يكون حفظًا لك من الشيطان في يومك»، وهذا ليس للوجوب.
([1]) انظر سبل السلام (1/97)، فتح ذي الجلال والإكرام (1/274)، تسهيل الإلمام (1/118).