2024/11/30
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ, وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ, وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ, إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا».

وَعَنْ لَقِيطِ بْنُ صَبْرَةَ, I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ, وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ, وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ, إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا». أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَة.

وَلِأَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ».

تخريج الحديث:

حديث لقيط بن صبرة: رواه أحمد (4/32)، وأبو داود (142)، والنسائي (1/66)، والترمذي (788)، وابن ماجه (407) وإسناده صحيح.

زاد أبو داود في رواية (144): «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ»، بإسناد رجاله ثقات، إلا أن الأكثر والأحفظ من رواة هذا الحديث لم يذكرها، وصححها الألباني في صحيح أبي داود (131) لظاهر السند.

فقه الحديث:

المسألة الأولى: إسباغ الوضوء([1]):

معنى إسباغ الوضوء: إتمامه وتكميله على الوجه الشرعي.

وحكمه: إن كان العضو الذي يغسل من الأعضاء التي يجب أن تغسل؛ فيجب الإسباغ، فلا بد أن يغسل العضو كاملًا، مثل: اليد والرجل.

وإن كان العضو الذي يغسل من الأعضاء التي لا يجب أن تغسل؛ فإسباغه يكون من باب المستحب، كغسل الكفين أول الوضوء، وكغسل الأعضاء مرة ثانية وثالثة.

المسألة الثانية: تخليل الأصابع في الوضوء([2]):

التخليل هو: التفريق بين أصابع اليدين أو أصابع الرجلين بواسطة الأصابع الأخرى؛ لأجل وصول الماء إلى ما بينها.

وهذا التخليل، جمهور أهل العلم يرون استحبابه فقط، فالأمر في قوله H: «وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ» للاستحباب؛ لوجود ما يصرفه عن الوجوب إلى الاستحباب، وهو الآتي:

الأول: أن المراد من تغسيل الأعضاء الواجبة في الوضوء: وصول الماء إلى جميع الأجزاء فيها، أو جريان الماء إلى جميع أجزاء العضو، فإذا حصل هذا من دون التخليل؛ فلا يكون التخليل لازمًا، وإنما من باب الاحتياط والكمال فيكون مستحبًّا.

الثاني: أن كثيرًا من الصحابة وصفوا وضوء النبي H، ولم يذكروا عنه أنه H كان يخلل بين أصابع اليدين وأصابع الرجلين، فهذا يدل على أن النبي H لم يكن يداوم عليه؛ لعدم وجوبه، وهذا هو الراجح، إلا إذا لم يصل الماء إلى هذه الأجزاء من الأصابع؛ لأن الماء قليل، أو لأن الأصابع ملتصقة ببعضها، ففي هذه الحالة يجب التخليل باتفاق العلماء؛ لأن الواجب وصول الماء إلى جميع العضو، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

المسألة الثالثة: المبالغة في الاستنشاق([3]):

وهي جذب الماء بقوة إلى الأنف، حتى يصل إلى آخر الأنف.

والذي عليه جمهور العلماء: أن الأمر بالمبالغة في الاستنشاق ـ لغير الصائم ـ للاستحباب وليس للوجوب؛ لأن الواجب أن يصل الماء إلى الأنف، وهذا يحصل ولو لم يجذبه بقوة، ففي الصحيحين: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَسْتَنْثِرْ»، فتكون المبالغة أمرًا زائدًا على الواجب، من باب الكمال والأفضل، والذين وصفوا وضوء رسول الله ذكروا عنه الاستنشاق، لكنهم لم يذكروا عنه المبالغة فيه، ولأنه لو كان واجبًا لأمر بالتحري فيه والتدقيق على الصائم ولم يلغه مطلقًا، فالقول بعدم وجوب المبالغة في الاستنشاق هو الراجح. والله أعلم.

وأما الصائم؛ فذهب بعض فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى تحريم المبالغة له، لظاهر قوله H: «إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا»، فمعناه: إذا كنت صائمًا فلا تبالغ في الاستنشاق، والنهي يقتضي التحريم، ولأنه ذريعة لإفساد عبادة، وإفساد العبادة حرام.

وجمهور العلماء يرون أن النهي للكراهة فقط، فيكره للصائم أن يبالغ في الاستنشاق ولا يحرم عليه، لأن الصائم إنما نهي عن المبالغة احتياطًا للصوم، والأصل أن الماء لا يدخل إلى الحلق، ولو وصل إلى آخر الأنف، لا سيما إذا كان المتوضئ قائمًا، ودخول الماء إلى الحلق محتمل فقط، وهذا القول هو الأقرب، والله أعلم.

المسألة الرابعة: حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء([4]):

ذهب جماعة من السلف، والمشهور عند الحنابلة: إلى أن الاستنشاق والمضمضة واجبان في الوضوء، فيجب على من توضأ أن يتمضمض ويستنشق، ولا يصح الوضوء إلا بهما، ودليله:

الأول: أن الظاهر والمشاهد أن الأنف والفم من الوجه، لهذا يشرع للصائم أن يتمضمض ويستنشق. ولو لم يكونا من الوجه؛ لأدى هذا لفساد الصوم، فيدخلان في قَوْلُهُ: ﴿ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ [المائ‍دة: ٦].

والثاني: مواظبة النبي H على غسل هذين الموضعين في الوضوء، وكان إذا علم أحدًا الوضوء ذكر له المضمضة والاستنشاق.

الثالث: أن الشرع قد أمر بهما، والأمر يقتضي الوجوب، كقَوْلُهُ: «وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ»، فالأمر بالمبالغة في الاستنشاق لا تحصل إلا إذا حصل الاستنشاق، فالمبالغة تقتضي الأمر بالأصل وزيادة. وفي الصحيحين عن أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْثُرْ»، وفي رواية في حديث لقيط: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ»، وجاء عن أبي هريرة I أنه قال: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ H أَمَرَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ»، رواه البيهقي (52) وقال: غير محفوظ. اهـ وهو كما قال. وبمجموع ما سبق من الأدلة يكون هذا القول هو الأرجح.

وذهب جمهور أهل العلم إلى أن المضمضة والاستنشاق سنة في الوضوء، فلم يذكر في الآية القرآنية. والأمر بهما أو مواظبة رسول الله H عليهما للتأكيد على الاستحباب، وليس للوجوب.

وقال جماعة من العلماء بوجوب الاستنشاق دون المضمضة لثبوت الأمر به.

 

([1]) يراجع نيل الأوطار (1/231)، سبل السلام (1/99).

([2]) انظر المجموع شرح المهذب (1/424)، المغني (1/152)، زاد المعاد (1/198)، الموسوعة الفقهية (11/49).

([3]) انظر المجموع شرح المهذب (1/356)، المغني (1/147)، الإنصاف (1/132)، مغني المحتاج (1/58)، حاشية الخرشي (1/134).

([4]) انظر: الأوسط (1/377)، التمهيد لابن عبد البر (4/35)، المجموع شرح المهذب (1/362)، المغني (1/166)، فتح الباري (1/352).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=379