وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ H يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ, مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ, فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة: رواه البخاري (136)، ومسلم (246)، واللفظ المذكور لهما جميعًا.
فقه الحديث:
معناهما:
الغرة: هي البياض في وجه الفرس.
والتحجيل: هو البياض في قوائم الفرس.
والغر: أي: على وجوههم بياض ونور.
والمحجلين: أي: على أيديهم وأرجلهم البياض والنور، وهذا من أثر الوضوء، وهذه فضيلة من فضائل الوضوء الكثيرة.
وقد اختلف العلماء في مشروعية إطالة الوضوء عن محل الفرض؛ فمذهب أكثر الحنفية والشافعية، والمذهب عند الحنابلة: أنه يشرع إطالة الوضوء؛ لحديث الباب، وكان أبو هريرة يفعله.
واختلفوا في قدر الزيادة، ومذهب المالكية والظاهرية، وبعض الحنفية، ورواية لأحمد، وعليها جماعة من الحنابلة، منهم ابن تيمية وابن القيم: على عدم مشروعية الإطالة، فلا تشرع الزيادة على محل الفرض، فلا يستحب للمتوضئ تجاوز محل الفرض إلى نصف العضد أو إلى المنكب في اليد، وإلى نصف الساق أو الركبة في الرجل، فهذا ظاهر القرآن قال تعالى: ﴿ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِ ﴾ [المائدة: ٦].
وكذلك من وصف وضوء النبي H، لم يذكر عنه أنه كان يزيد على محل الفرض في الوضوء.
وأما ما جاء في حديث أبي هريرة: «فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ»، وفي رواية مسلم: «فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيْلَهُ فَلْيَفْعَلْ»؛ فالجواب عليه من وجهين:
الوجه الأول: أن هذه الزيادة ليست من كلام النبي H، إنما هي مدرجة من كلام أبي هريرة I، وذلك لأن هذا الحديث جاء عن جماعة من الصحابة، ولم يذكر أحد منهم غير أبي هريرة أن النبي H قال هذا.
وحديث أبي هريرة هذا جاء عنه من طرق، ولم يذكر أحد عنه هذه الزيادة، إلا راو واحد وهو نعيم المجمر كما في الصحيحين، وقد روى الإمام أحمد (2/334) عن نعيم هذا الحديث وفيه: فقال نعيم في آخره: «فلا أدري قَوْلُهُ: «فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ»، هو من قول النبي H أو من قول أبي هريرة I»، فقد شك نعيم فيها، لكن هذه الرواية في سندها ضعف، وإلى القول بأن هذه الزيادة ليست من قول رسول الله ذهب غير واحد من الحفاظ وبعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وجماعة من المعاصرين كالشيخ الألباني وابن عثيمين.
الوجه الثاني: على ثبوت هذه الزيادة عن رسول الله؛ فالمراد بها: الزيادة اليسيرة التي تحصل عند استيعاب الفرض، لا أنها زيادة كبيرة يتعمد الشخص أن يأتي بها، لكنها زيادة يسيرة تحصل تلقائيًا عند تغسيل كل الفرض إلى منتهاه، فتصل إلى أوائل العضد، وتصل إلى مبادئ الساق، وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة I: «ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي العَضُدِ، ثُمَّ يَدَهُ اليُسْرَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي العَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ H يَتَوَضَّأُ». وهذا القول هو الأرجح.
([1]) انظر المجموع شرح المهذب (1/429)، مجموع الفتاوى (1/279)، الأخبار العلمية (ص22)، زاد المعاد (1/196)، الإنصاف (1/168)، فتح الباري (1/319)، تمام المنة (ص92)، فتح ذي الجلال والإكرام (1/301).