وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْهُ إِلَّا النَّسَائِيَّ: أَنَّ النَّبِيَّ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ. وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
(60) 03- وَعَنْ عَلِيٍّ I قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ, وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
تخريج الحديثين:
الحديث الأول: حديث المغيرة بن شعبة I، رواه أبو داود (265)، والترمذي (97)، وابن ماجه (550)، ولم يخرجه النسائي، وفي إسناده ضعف، ففيه انقطاع، وأيضًا الراجح فيه الإرسال، وقد ضعفه الحفاظ: كالإمام أحمد، وابن مهدي، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والترمذي([1]).
الحديث الثاني: حديث علي I، رواه أبو داود (162)، وإسناده صحيح.
فقه الحديثين:
الصحيح: أنه تمسح الجهة العليا من الخف - وهي ظاهر الخف - ولا يشرع المسح على أسفله، وذلك لما جاء عن علي I قال: «لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الخُفِّ أَوْلَى بِالمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ»، أي: لو كان الدين بالعقل لظن الشخص – ابتداء - أن الذي يمسح هو الأسفل من الخف، لكن المسألة عائدة إلى الشرع، قال: «وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله H يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ». يعني: أعلاه.
ولعل السبب من كون المسح على الأعلى دون الأسفل: لأجل التخفيف والتيسير على الناس، وهذا القول، ذهب إليه الحنفية والحنابلة والظاهرية وغيرهم.
وحديث علي هذا أصح من حديث المغيرة الذي فيه: «أَنَّ النَّبِيَّ H مَسَحَ أَعْلَى الخُفِّ وَأَسْفَلَهُ»، فمن مسح أسفل خفيه مع الأعلى فقد تنطع، لضعف حديث المغيرة، ولو صح حديث المغيرة I «أَنَّ النَّبِيَّ H مَسَحَ أَعْلَى الخُفِّ وَأَسْفَلَهُ»، فيجمع بين الحديثين: أنه يجب المسح على أعلاه ويستحب المسح على أسفله، ولا يجب المسح على أسفله؛ لأن عليًّا I إنما ذكر المسح على أعلاه فقط، وهذا الجمع هو مذهب الإمام الشافعي.
وظاهر حديث علي I أنه لا يمسح على عقب الخف أو مؤخرة الخف.
قال الشافعية والظاهرية: ما يسمى مسحًا عرفًا، ولو كان على بعض الجزء العلوي؛ لأن النص بالمسح جاء بدون تحديد، فيكتفي بما يقع عليه اسم المسح.
وحدده الحنفية بمقدار ثلاثة أصابع، فهو أقل الجمع.
وقال المالكية وبعض الحنابلة: لا بد من استيعاب جميع أعلى الخف، فلا يترك منه شيء، كما تغسل القدم.
والمذهب عند الحنابلة، وقول بعض الحنفية: أنه يجب المسح على أكثر الجزء العلوي، ولا يلزم التعميم.
فظاهر حديث: «يمسح على ظاهر خفيه»، يدل على الاستيعاب، أي: أن المسح يكون على جميع ظاهر خفيه، لكن لما كان في استيعاب الكل مشقة، وأيضًا المسح يكون بالأصابع؛ فالظاهر أنه سيترك بعض الفراغ، فلزم منه عدم وجوب الاستيعاب. وهو الأصح.
الذي عليه جمهور العلماء: كراهية المسح على الخف ثلاثًا، وإنما السنة أن يمسح عليه مرة واحدة، وإن كان المستحب في غسل القدم أن تغسل ثلاثًا، لكن لا دليل على تكرار المسح هنا، وهذا هو الصحيح.
([1]) سنن الترمذي (1/122)، تلخيص الحبير (1/159).
([2]) انظر التمهيد لابن عبد البر (11/146)، المغني (1/376)، مجموع الفتاوى (21/213).
([3]) انظر المحلى [مسألة] (222)، المجموع شرح المهذب (1/521)، المنتقى للباجي (1/82)، الإنصاف (1/184).
([4]) انظر المجموع شرح المهذب (1/549)، الإنصاف (1/185)، الموسوعة الفقهية (37/270).