2024/11/30
«إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا, وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا, وَلَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ».

وَعَنْ عُمَرَ - مَوْقُوفًا - وَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا -: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا, وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا, وَلَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ». أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ, وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

تخريج الحديث:

الحديث جاء عن عمر I موقوفًا عليه، وجاء عن أنس مرفوعًا إلى النبي H، وظاهر إسناده الصحة، وقد أشار بعض الحفاظ إلى إعلاله بسبب تفرد بعض الرواة به، رواه مرفوعًا وموقوفًا الدارقطني (1/203)، والبيهقي (1/279)، وروى الحاكم (1/181) المرفوع فقط.

فقه الحديث:

المسألة الأولى: الأمر بالمسح على الخفين([1]):

لا خلاف بين أهل العلم أن الأمر بالمسح الذي جاء في بعض الأحاديث ليس على سبيل الطلب والإلزام، إنما المراد به: الترخيص والإباحة، ففي الحديث: «وَلَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ»، فجعل الأمر راجعًا إلى مشيئته، وهذا دليل على أن الأمر بالمسح على الخفين ليس على وجه الطلب، وإنما هو على وجه الإباحة.

واختلفوا هل المسح على الخفين أفضل أم غسل الرجلين؟

القول الأول: قول بعض السلف، والصحيح عند الحنابلة: أن الأفضل والمستحب أن يمسح عليهما، ولا يخلعهما إلا لحاجة، أو لانتهاء المدة، وذلك لأمور:

الأمر الأول: قَوْلُهُ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا»، فأمر بالمسح على الخفين إذا لبسها الشخص على طهارة.

الأمر الثاني: حتى لا يكون فيه تشبه بأهل البدع الذين ينكرون المسح على الخفين.

الأمر الثالث: أنه لا يعرف عن النبي H أنه كان يتعمد أن يخلع خفيه لأجل أن يغسل قدميه قبل انتهاء المدة.

القول الثاني: الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يستحب غسل القدمين، فينزع الخفين لأجل غسل القدمين ولو لم تنته المدة، وذلك للآتي:

أولًا: أن الأدلة في غسل القدمين أقوى وأكثر وأصح وأوضح، كقوله D:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِ [ المائدة: ٦ ].

ثانيًا: أن غسل الرجلين هو الأصل، فلا يكون البدل مقدم على المبدل منه، ولا تكون الرخصة مقدمة على العزيمة، ولا يكون الفرع مقدم على الأصل.

ثالثا: ما جاء من فضيلة الغسل، وأن خطاياه تخرج مع أخر قطرة تخرج من الماء، وهذا لا يحصل في القدم إلا إذا غسلت.

والأقرب أن الغسل أفضل، بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة.

المسألة الثانية: إذا نزع خفيه قبل انتهاء المدة ولا زال على طهارة([2]):

قوله في الحديث: «وَلَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ»، أي: متى شاء، وهذا يدل على جواز خلع الخفين أو النعلين متى شاء، ولو قبل انتهاء المدة.

فإن خلع الخفين ولا زال على طهارة؛ فجمهور أهل العلم أن صلاته لا تصح بهذا الوضوء؛ لأنه يلزم منه أن يصلي بقدمين لا مغسولتين ولا ممسوح على خفين هما فيهما حال الصلاة، ولو ردهما كان قد لبسهما على غير طهارة مائية غسل فيها القدمين.

والذي عليه جماعة من السلف: كالحسن البصري، وعطاء، والنخعي، وقتادة، ومذهب الظاهرية، وبعض الشافعية، وصححه بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية، وبعض المعاصرين كالألباني وابن عثيمين: أن الطهارة لا تنتقض بخلع الخفين، ما دام أن الطهارة لا زالت باقية، وذلك لعدم وجود الدليل الذي يدل على بطلان الطهارة في هذه الحالة، فهو كما لو مسح على رأسه ثم حلق شعره؛ فإن طهارته لا تنتقض، فإذا انعدم الدليل؛ فالأصل بقاء الطهارة.

وقد ثبت عن علي I «أنه توضأ ومسح عليهما ثم نزعهما ثم صلى»، رواه عبد الرزاق (1/202)، والبيهقي (1/288) وغيرهما.

وهذه المسألة لم يرد فيها نص صريح، فهي مسألة نظرية للاجتهاد فيها مجال، والأحوط إعادة الوضوء([3]).

فلو خلع الخفين وهو على الطهارة، فصلى ثم أعاد الخفين ولا زال على الطهارة؛ فليس له أن يمسح عليهما بعد ذلك، ولو لم تنته المدة، فقد ذكر ابن عثيمين V أنه لا يعلم أحدًا من الفقهاء قال بجواز المسح بعد ذلك على الخفين أو على الجوربين، فلا نقول بقول لا سلف فيه؛ فعليه: لابد من خلعهما وغسل القدمين.

المسألة الثالثة: لبس أحد الخفين قبل طهارة القدمين معا([4]):

الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا يصح المسح على الخفين إلا إذا لبسهما بعد إكمال الوضوء، وهذا القول هو الصحيح، وهو الذي يظهر من حديث أنس I: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا»، فجعل لبس الخفين بعد الوضوء كاملًا، والوضوء الشرعي يبتدئ بغسل الكفين وينتهى بغسل القدمين معًا، أما قبل غسل القدم اليسرى فلا يسمى شرعًا متوضئًا، ولا يسمى شرعًا وضوءًا.

 

([1]) انظر المغني (1/360)، المجموع شرح المهذب (1/478).

([2]) انظر المجموع شرح المهذب (1/511)، الأوسط (1/457)، المحلى (1/329)، المغني (1/367)، الأخبار العلمية (ص/26)، فتح الباري (1/376)، تمام المنة (ص/114)، فتاوى أركان الإسلام (ص/237).

([3]) فتاوى اللجنة الدائمة (5/251).

([4]) انظر الأوسط (1/442)، المغني (1/391)، فتح الباري (1/247).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=396