2024/11/30
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ H فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ, أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ? قَالَ: «لَا. إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ, وَلَيْسَ بِحَيْضٍ, فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ, وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ, ثُمَّ صَلِّي». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِلْبُخَارِيِّ: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ».

وَأَشَارَ مُسْلِمٌ إِلَى أَنَّهُ حَذَفَهَا عَمْدًا.

تخريج الحديث:

حديث عائشة: أخرجه البخاري (228)، ومسلم (313)، زاد البخاري في رواية: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ»، وهذه الزيادة زادها بعض الرواة، وأكثر الرواة والأحفظ لم يأتوا بها، وصنيع البخاري يُفهم منه أنها ليست محفوظة، فقد أخرج هذا الحديث ثم قال: قال هشام: قال أبي: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ»؛ فظاهرها أنها من قول عروة، فكان يفتي عروة بهذا، وهكذا رواه مالك في الموطأ (175) عن هشام بن عروة عن عروة أنه كان يقول: «تتوضأ المستحاضة لكل صلاة»، وروى الإمام أحمد (6/194) عن هشام بن عروة عن أبيه هذا الحديث بدون هذه الزيادة، فقال يحيى بن سعيد القطان لهشام: وتتوضأ لكل صلاة؟ قال: نعم، وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمدًا، فقال: «وفي الحديث زيادة حرف تركنا ذكره»، فالظاهر أن هذه الزيادة ليست محفوظة من قول النبي H، وإنما هي من قول عروة، أدرجها بعض الرواة في الحديث، وهذا هو الذي رجحه جماعة من أهل الحديث: كالبيهقي، وابن عبد البر، والحافظ ابن رجب([1]).

فقه الحديث:

مسألة: خروج دم الاستحاضة ينقض الوضوء([2]):

دم الاستحاضة: هو الدم الذي يخرج من المرأة في غير الأوقات المعتادة المعروفة من الشهر، وهذا من ضمن الفوارق بينه وبين دم الحيض؛ لأن دم الحيض دم يجري في أوقات معتادة من الشهر، وأيضًا دم الاستحاضة قال فيه النبي H: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ»، أي: يخرج بسبب انفجار عرق، وأما دم الحيض فإنه يخرج من قعر الرحم، وهناك فوارق أخرى بين الدمين، سنذكرها في (باب الحيض).

وأتى المؤلف بهذا الحديث في هذا الباب ليبين أن دم الاستحاضة ينقض الوضوء، كما جاء في البخاري: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ»، وأما في دم الحيض قال: «اغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي»، فهذا دليل على أن دم الاستحاضة ينقض الوضوء، وإليه ذهب جمهور العلماء فقالوا: دم الاستحاضة ينقض الوضوء، لأدلة منها:

الدليل الأول: دليل منصوص، وهو ما جاء في هذا الحديث أن النبي H قال للمستحاضة: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ».

الدليل الثاني: دليل قياسي، وهو القياس على الخارج من أحد السبيلين: القبل، أو الدبر، فما خرج من أحدهما ينقض الوضوء. وأقوى منه القياس على المني والمذي والحيض، فكلها تخرج من أماكن مقاربة للجهة التي يخرج منها دم الاستحاضة، وهي جهة الرحم، وممن استدل بهذا القياس الإمام الشافعي فقال: «دم الاستحاضة ينقض الوضوء قياسًا على الخارج من القبل أو الدبر، فقد جاء فيه شيء عن النبي H، ولو كان محفوظًا كان أحب إلينا من القياس». اهـ. فالراجح: أن دم الاستحاضة ينقض الوضوء قياسًا على ما يخرج من السبيلين أو من الرحم.

وهذا إذا كان دم الاستحاضة يخرج نادرًا، أما إذا كان يخرج باستمرار أي: صار حدثًا دائمًا -؛ فسيأتي الكلام عليه في موضعه.

 

([1]) سنن البيهقي (1/238)، التمهيد (16/99)، فتح الباري لابن رجب (2/73).

([2]) انظر المغني (1/230)، المجموع شرح المهذب (2/6).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=400