وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا, فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ: أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ, أَمْ لَا? فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا, أَوْ يَجِدَ رِيحًا». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة: رواه مسلم (362).
فقه الحديث:
المراد بالسبيلين: القبل والدبر.
والخارج من السبيلين على قسمين:
القسم الأول: الخارج المعتاد، وهو البول والغائط والريح، وهذا القسم لا خلاف بين أهل العلم أن الوضوء ينتقض بخروجه، فمن بال أو تغوط أو خرج منه الريح - وهو الفساء أو الضراط -؛ فقد بطل وضوءه، ففي الحديث: «فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ المَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا»، فهذا في الريحة، فالبول والغائط من باب الأولى.
القسم الثاني: الخارج النادر - كمثل الدود والحجارة والدم - إذا خرج شيء منها من القبل أو الدبر؛ ففي انتقاض الوضوء بسببه خلاف بين العلماء:
والذي عليه جمهور أهل العلم: أن الوضوء ينتقض بخروجه، لأن النبي H بيَّن في الحديث أن خروج الريح ينقض الوضوء، والريح لا جرم لها، وهذا له جرم، فيبطل به الوضوء من باب أولى. وأيضًا لا تخلو هذه الأشياء إذا خرجت من رطوبة أو بلة تعلق بها عند الخروج من القبل أو الدبر. وهذا القول هو الصحيح.
وهم كل من كان الحدث ملازمًا لهم في الغالب.
والحدث الدائم هو: كل خارج خرج باستمرار وقل أن ينقطع، كسلس البول، ودم الاستحاضة، وخروج الريحة باستمرار، والرطوبة التي تخرج من فرج المرأة باستمرار.
والذي عليه طائفة من السلف، ومذهب مالك، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الشوكاني: أن الوضوء في هذه الحالة لا ينتقض.
وعليه: لا يلزم على الشخص إذا خرج منه شيء من هذا الحدث الدائم أن يعيد الوضوء، والدليل على عدم إلزامه بالوضوء: أن هذا الحدث الدائم شبه ملازم له، فلا ينقطع ولا يرتفع بالوضوء، فصار الوضوء لا فائدة منه، فلا وجه لإيجاب الوضوء، وأيضًا لما فيه من المشقة، لا سيما في أيام البرد، ولأنه يخرج لعلة ومرض، لا لصحة أو شهوة.
وأما جمهور أهل العلم؛ فيرون أنه ناقض، ولكن لصعوبة الخلاص منه، أو لوجود المشقة في تكرار الوضوء؛ فلا يعيد الوضوء إذا خرج منه بعد الوضوء، لكن يلزمه أن يتوضأ لكل صلاة مفروضة، فقد قال رسول الله للمستحاضة: «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ». وقد سبق أن الأرجح أن هذه العبارة ليست من قول
رسول الله H، ولا شك أن الأحوط أن يتوضأ لكل صلاة مفروضة.
ويلزمه أن يغسل البقعة التي أصابها هذا الخارج، أو يغير ملبسه عند الصلاة؛ لأنه نجس.
ولأجل منع انتشار هذا الخارج النجس يستحسن أن يستخدم الرجل لفافة على ذكره، والمرأة تحشو فرجها بشيء ـ كما ذكره الفقهاء ـ.
وإذا كان الشخص تخرج منه قطرات من البول بعد البول فترة قصيرة وتنقطع؛ فهذا يكون ناقضًا للوضوء؛ لأنه ليس بدائم، فعلى الشخص الذي يعاني من هذا أن يستبرئ من البول قبل الاستنجاء، ولو بنتر ذكره من أسفله برفق ولين، حتى يخرج ما بقي من البول في ذكره، فإن لم ينفع معه؛ فإنه يبول مبكرًا، حتى إذا جاء وقت الصلاة يستنجي ويغسل البقعة من الثياب التي وصلت إليها هذه القطرات، ثم يتوضأ، وهذا من باب: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة وابن عثيمين([3]).
وبعض الأشخاص إذا نثر ذكره من أسفله برفق قبل الاستنجاء سلم من خروج هذه القطرات، فبالتالي لا يحتاج إلى الانتظار المذكور.
([1]) انظر المجموع شرح المهذب (2/6)، المغني (1/230).
([2]) انظر المغني (1/422، 448)، الاستذكار (3/22، 226)، إغاثة اللهفان (1/206)، الأخبار العلمية للبعلي (ص/27).
([3]) فتاوى اللجنة الدائمة (5/408)، لقاء الباب المفتوح (3/465).