وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «مَنْ غَسَّلَ مَيْتًا فَلْيَغْتَسِلْ, وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ, وَالنَّسَائِيُّ, وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة: رواه أحمد (2/272)، وأبو داود (3162)، والترمذي (993)، وابن ماجه (1463)، ولم يروه النسائي فيما يظهر. وأكثر أهل العلم على تضعيف هذا الحديث، والصواب فيه الوقف على أبي هريرة، كما قاله البخاري وأبو حاتم والبيهقي([1]).
ولكن الشطر الأول وهو قَوْلُهُ: «مَنْ غَسَّلَ مَيْتًا فَلْيَغْتَسِلْ»، له شواهد يثبت بها، قال المصنف: «وهو لكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنا»([2]). اهـ. وقال ابن القيم: «وهذه الطرق تدل على أن الحديث محفوظ([3])». وقال شيخنا الوادعي: «له طرق كثيرة تدل على ثبوته([4])».
فقه الحديث:
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يستحب لمن غسل ميتًا أن يغتسل؛ لحديث: «مَنْ غَسَّلَ مَيْتًا فَلْيَغْتَسِلْ»، وليس واجبًا؛ فقد جاء عن ابن عمر L أنه قال: «كُنَّا نُغَسِّلُ المَيِّتَ فَمِنَّا مَنْ يَغْتَسِلُ وَمِنَّا مَنْ لا يَغْتَسِلُ»، رواه الدارقطني (2/72)، والبيهقي (1/360) وإسناده صحيح، فكان بعض الصحابة يغتسل وبعضهم لا يغتسل، ولو كان واجبًا؛ للزم على كل من غسل ميتًا أن يغتسل.
لا يعلم عن أحد من أهل العلم أنه قال بوجوب أو استحباب الوضوء على من حمل الميت، قال الإمام الصنعاني: «لا أعلم قائلًا بوجوب الوضوء على من حمل الميت ولا بندبه»، ا.هـ، وهذا مما يؤكد ضعف هذه الرواية، وعلى ثبوتها؛ يحمل هذا اللفظ: «وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»، على أحد الأمرين:
الأول: «فَلْيَتَوَضَّأْ» أي: يغسل يديه، فغسل اليدين وضوء، فليس المراد الوضوء الشرعي المعروف، وإنما المراد تغسيل عضو من أعضاء الوضوء وهي اليد؛ لأنها التي باشرت حمل الميت.
الثاني: «فَلْيَتَوَضَّأْ» أي: فليكن على وضوء لأجل الصلاة على الميت، لا أنه مأمور بالوضوء لأنه حمل الميت.
([1]) العلل الكبير للترمذي (1/402)، علل ابن أبي حاتم (1/351)، سنن البيهقي (1/303).
([2]) تلخيص الحبير (1/146).
([3]) تهذيب السنن مع عون المعبود (8/305).
([4]) أحاديث معلة ظاهرها الصحة (ص/224).
([5]) انظر فتح القدير (1/66)، المجموع شرح المهذب (5/185)، الاستذكار (8/200)، المحلى [مسألة] (181)، الموسوعة الفقهية (13/65).
([6]) انظر سبل السلام (1/44)، فتح ذي الجلال والإكرام (1/457).