وَعَنْ عَائِشَةَ J قَالَتْ: لَمَّا جِئْنَا سَرِفَ حِضْتُ, فَقَالَ النَّبِيُّ H: «اِفْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ, غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ.
تخريج الحديث:
حديث عائشة: رواه البخاري (305)، ومسلم (1211).
فقه الحديث:
الذي عليه جمهور أهل العلم: أن طواف الحائض في البيت الحرام لا يصح، فقد نهى النبي H الحائض عن الطواف في البيت، والنهي في العبادة يقتضي الفساد؛ فيكون طوافها فاسدًا، سواء كان طواف القدوم أو طواف الإفاضة أو غيرهما، فعليها أن تنتظر حتى تطهر، ثم تطوف بالبيت.
وأما بقية أعمال الحج والعمرة؛ فتفعله الحائض كما يفعله الحاج أو المعتمر، فقد قال رسول الله لعائشة عندما حاضت بسرف ـ مكان بين مكة والمدينة ـ: «اِفْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي».
إذا حاضت المرأة، وبقي معها طواف العمرة أو طواف الحج، ولم تستطع الانتظار حتى تطهر، كما لو انتهت مدة الترخيص بالبقاء ولم ينته الحيض، أو رفض محارمها الانتظار، أو جاءت مواعيد السفر والرجوع، ولا يؤذن لها بالتأخر؛ فذهب جمهور العلماء إلى أنها تسافر؛ لأنها مضطرة، ويلزمها العودة فيما بعد - ولو بعد سنين - للإتيان بهذا الطواف الواجب الذي يعتبر ركنًا في الحج أو العمرة، فإن لم ترجع؛ فلا يصح حجها، ولا تصح عمرتها.
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وبعض العلماء المعاصرين كابن باز وابن عثيمين: أن المرأة إذا لم يمكنها الانتظار، وتستطيع الرجوع فيما بعد؛ فإنها تسافر، ويلزمها الرجوع للطواف. وأما إذا كانت تعجز عن العودة لأي سبب كان؛ ففي هذه الحالة تطوف ولو كانت حائضًا؛ لأنها مضطرة، ويصح حجها وتصح عمرتها، قال الله D: ﴿ وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِۗ ﴾ [ الأنعام: ١١٩ ]، وقال E: ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ ﴾ [ التغابن: ١٦ ]، وكذلك ما صح عن ابن عباس L موقوفًا أنه قال: «الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ»، وروي عن النبي H مرفوعًا ولا يصح([3]). فإذا كان الطواف صلاة؛ فالمعلوم أن من وجبت عليه الصلاة، وخشي خروج الوقت، وكان على غير وضوء، أو عليه نجاسة؛ صلى على حالته، فكذلك المرأة مطالبة بالطواف ولا تستطيع الطهارة، فتطوف بغير طهارة.
وهذا القول قوي، لا سيما مع إلزامها بدم وفاقًا لمذهب الحنفية، وأحمد في رواية، حيث قالوا بصحة طواف الحائض مطلقًا، لكنها تأثم وعليها دم.
والملاحظ في هذا الزمان: إمكانية الرجوع في الغالب، فالدخول للعمرة متاح على مدار السنة تقريبًا، والرحلات الجوية متوفرة، فعليه: لا تطوف الحائض وتسافر وترجع للطواف فيما بعد.
([1]) المحلى [مسألة] (839)، شرح مسلم (8/119)، فتح الباري (4/314)، الإنصاف (4/16).
([2]) مجموع الفتاوى (26/206، 209)، إعلام الموقعين (3/15)، فتاوى ابن باز (16/148)، فتاوى أركان الإسلام (ص/531-532).
([3]) سيأتي تخريجه في كتاب الحج.