وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ L قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ H كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ, وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ, وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ, وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ, وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ, فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ, إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ, تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ: «وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ».
زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي آخِرِهِ: «وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ».
(307) 43- وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ L: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يُعَلِّمُنَا دُعَاءً نَدْعُو بِهِ فِي الْقُنُوتِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ.
تخريج الحديثين:
حديث الحسن بن علي L: رواه أحمد (1/199)، وأبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (3/248) وابن ماجه (1178)، وإسناده صحيح، ولكن قَوْلُهُ: «فِي قُنُوتِ الوِتْرِ»، ذكرها بعض الرواة، ولم يذكرها البعض الآخر، وقد اختلف علماء الحديث في ثبوت هذه الزيادة، والأصح أنها زيادة ثابتة، وممن صححها: الترمذي، والمروزي، والخطيب البغدادي، والحافظ ابن حجر، والعراقي، والنووي([1]).
وزيادة: «وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ»، رواها البيهقي (2/209)، والطبراني في الكبير (2701) وهي زيادة صحيحة([2]). ورواه النسائي (3/248) من طريق أخرى، وفي آخره: «وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ»، وسنده ضعيف؛ فيه انقطاع، عبد الله بن علي وهو ابن الحسين بن علي، لم يسمع من الحسن بن علي.
حديث ابن عباس L: رواه البيهقي (2/210)، وفيه «ندعو به في القنوت في صلاة الفجر: «اللهم اهدنا فيمن هديت» وسنده ضعيف، فيه عبد الرحمن بن هرمز، مجهول، وليس هو بالأعرج الإمام المعروف([3]).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: القنوت في صلاة الوتر([4]):
الأصح من أقوال أهل العلم: أن القنوت في صلاة الوتر يشرع في السنة كلها، وليس خاصًّا برمضان، فعن الحسن بن علي أن النبي H علمه دعاءً يقوله في قنوت الوتر، وهذا يدل على أن قنوت الوتر يشرع في كل السنة، فلم يخصه النبي H بزمن دون آخر. وروى الطحاوي في «مشكل الآثار» (11/367) عن علقمة قال: «إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ H كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْوَتْرِ»، وسنده حسن.
وصح عن ابن عباس أنه كان يقول في قنوت الوتر: «الحمد لله ملء السموات والأرض» رواه ابن أبي شيبة (3/306)، وهو مذهب الحنفية والظاهرية، والصحيح عند الحنابلة، وقول للشافعية، وعليه جماعة من السلف.
والأفضل أن يترك أحيانًا، فلم ينقل عن رسول الله H أنه فعله.
المسألة الثانية: ما يقال في قنوت الوتر وقنوت صلاة الفجر([5]):
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا يلزم دعاء معين في قنوت الوتر، لا يجوز العدول عنه، بل يشرع قنوت الوتر بأي دعاء كان. وما جاء عن الحسن بن علي L أن النبي H علمه أن يقول في قنوت الوتر: «اللَّهُمَّ اِهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ...»، ليس فيه أنه يتعين هذا الدعاء ولا يشرع الإتيان بغيره، وإنما علمه النبي H ما هو أفضل وأولى أن يقال في القنوت، ولم يقل النبي H للحسن I: إنه لا يجوز غيره.
فعليه: يستحب في قنوت الوتر أن يؤتى بهذا الدعاء الذي علمه النبي H الحسن I، ويشرع الزيادة عليه، بشرط ألا تحصل الإطالة التي يشق على المأمومين البقاء معها إذا كان يصلي بالناس كالتراويح.
ويشرع التأمين ورفع اليدين كما سبق في قنوت النوازل.
وأما الصلاة على النبي H في قنوت الوتر؛ فالحديث فيها لا يصح كما سبق، لكنه جاء عن جماعة من السلف، منهم معاذ بن أبي حليمة القارئ، وقد قيل: إن له صحبة، وكان يقنت في الوتر في رمضان، ويصلي على النبي H، وإسناده صحيح([6])، وقد كان عمر I جعله إمامًا في التراويح إذا غاب أبي بن كعب I. وأيضًا روى المروزي في كتابه «قيام الليل» (ص/380) عن الزهري أنه قال: «كانوا في قنوت رمضان يلعنون الكفرة ثم يصلون على النبي H »، والزهري من صغار التابعين، وقد أدرك بعض الصحابة وكبار التابعين، فعليه: لا بأس بالصلاة على النبي H في قنوت الوتر، وقد نص عليه الشافعي وأحمد وغيرهما.
وأما القنوت في صلاة الفجر ـ عند من يرى به ـ؛ فاستحب الشافعية أن يقول فيه: «اللهم اهدنا فيمن هديت...» فقد ذكر ابن عباس أن رسول الله كان يعلمهم هذا الدعاء في قنوت الفجر.
ويستحب عند المالكية أن يقول فيه: «اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك...» فقد ثبت عن عمر أنه قنت به في الفجر. رواه ابن أبي شيبة (3/321)، وكان أبي بن كعب يقوله في القنوت في قيام رمضان.
([1]) نتائج الأفكار (2/146)، أحكام الوتر لفريد قويله (258).
([2]) تلخيص الحبير (2/265).
([3]) نتائج الأفكار (2/152).
([4]) المجموع شرح المهذب (4/15)، المغني (2/580)، الأوسط (5/206)، الإنصاف (2/170)، حاشية ابن عابدين (2/143).
([5]) المجموع شرح المهذب (3/495، 497)، الأوسط (5/214)، إكمال المعلم (2/658)، الإنصاف (2/71)، الموسوعة الفقهية (34/59).
([6]) نتائج الأفكار (2/157).