2024/12/17
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ, وَالصَّلَوَاتُ,

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ I قَالَ: الْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ H فَقَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ, وَالصَّلَوَاتُ, وَالطَّيِّبَاتُ, السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ, السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى
عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ, أَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ, فَيَدْعُو». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

وَلِلنَّسَائِيِّ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلِ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ.

وَلِأَحْمَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ H عَلَّمَهُ التَّشَهُّد, وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ.

(313) 49- وَلِمُسْلِمٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ L قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ... ». إِلَى آخِرِهِ.

تخريج الحديثين:

حديث ابن مسعود:

باللفظ الأول: رواه البخاري (831)، ومسلم (403).

واللفظ الثاني: رواه النسائي (3/47)، تفرد به سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان بن عيينة، وسائر الثقات الذين رووه ليس عندهم: «كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ»، فهي رواية شاذة، والله أعلم. وقد نقل الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة أنه قال: كانوا يحدثونه، يعني بالتشهد عن ابن مسعود I، ولم أسمعه منهم([1]).

واللفظ الثالث: رواه أحمد (1/376): «أَنَّ النَّبِيَّ H عَلَّمَهُ التَّشَهُّد، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ» وسنده ضعيف، فهو من رواية أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود I، وهي رواية منقطعة، وفيه أيضًا خُصَيف بن عبد الرحمن فيه ضعف.

حديث ابن عباس: رواه مسلم (403).

فقه الحديثين:

المسألة الأولى: حكم التشهد في الصلاة:

أولًا: التشهد الأوسط([2]).

اختلف العلماء في التشهد الأوسط، هل هو من سنن الصلاة، أم هو من واجبات الصلاة. والصحيح: أن التشهد الأول من واجبات الصلاة، وهذا مذهب جماعة من السلف والحنفية والظاهرية، والمذهب عند الحنابلة.

ودليل الوجوب الآتي:

الدليل الأول: أن النبي H سهى فيه، فسجد لسهوه، ففي الصحيحين عن عبد الله بن بحينة I: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ H رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ سَلَّمَ»، فهذا دليل على أنه واجب، فقد احتيج لجبره بسجود السهو.

الدليل الثاني: أن النبي H أمر به، والأمر يقتضي الوجوب، فقد روى أحمد (1/437) والنسائي (2/238) عن ابن مسعود I أن رسول الله H قال: «إِذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَقُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ...»، وإسناده صحيح. وروى النسائي (2/239) أيضًا - عن ابن مسعود أن النبي H قال: «قُولُوا فِي كُلِّ جِلْسَةٍ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ...»، وإسناده صحيح.

ولا تبطل الصلاة بتركه سهوًا؛ فقد نسيه رسول الله H فمضى في صلاته وسجد للسهو، كما في الصحيحين.

وتبطل الصلاة بتركه عمدًا عند الحنابلة والظاهرية، ولا تبطل عند الحنفية؛ لعدم وجود دليل على بطلان الصلاة بتركه، ويكون آثمًا، وهو الأظهر.

وذهب جماعة من العلماء منهم المالكية والشافعية، ورواية لأحمد إلى أنه سنة، فلم يذكر في حديث المسيء صلاته، ولأن رسول الله H نسيه ولم يرجع إليه بعد قيامه إلى الركعة الثالثة.

ثانيا: التشهد الأخير.

مذهب الشافعية والظاهرية، والصحيح عند الحنابلة: أن التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة، فلا تصح الصلاة إلا به، وهو الراجح.

ودليله الآتي:

الأول: أن النبي H أمر به، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود I أن النبي قال: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ... )».

الثاني: ما رواه النسائي عن ابن مسعود I قال: «كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ»، ففيه دليل على أن التشهد من فروض الصلاة.

الثالث: ما رواه أحمد (1/422)، وأبو داود (966)، والدارقطني (1/353) عن ابن مسعود I بعد أن ذكر أمر النبي H بالتشهد قال ابن مسعود I: «فَإِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ مِنَ الصَّلاةِ»، وإسناده صحيح، فعلق ابن مسعود I انقضاء الصلاة بالتشهد، وابن مسعود I راوي الحديث، فهو أعلم وأفهم لما رواه، وقد قيل: إن كلامه هذا له حكم الرفع، والله أعلم.

ومذهب الحنفية ورواية لأحمد: أنه واجب كالتشهد الأوسط، وليس بركن.

والمشهور عن مالك وقول جماعة: أنه سنة، كالتشهد الأوسط عندهم.

المسألة الثانية: أفضل صيغ التشهد([3]):

لا خلاف بين العلماء أن الصلاة تصح بأي صيغة من صيغ التشهد التي ثبتت عن النبي H، فليس هناك صيغة معينة يجب الالتزام بها، واختلفوا في أفضل هذه الصيغ، فذهب جمهور أهل العلم إلى أن التشهد الذي رواه ابن مسعود I عن النبي H هو أفضل التشهدات، لأنه أصحها سندًا، فهو في الصحيحين.

وذهبت الشافعية إلى أن الأفضل الإتيان بالتشهد الذي ذكره ابن عباس L عن النبي H، وفيه زيادة: «المُبَارَكَاتُ»، ففي حديث ابن مسعود I: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ...»، وفي حديث ابن عباس L: «التَّحِيَّاتُ المُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ...»، وفي آخر حديث ابن مسعود I: «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، وفي آخر حديث ابن عباس L: «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله».

ودليلهم على تفضيل هذا التشهد: أن ابن عباس L قال قبله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ»، ثم ذكر هذا التشهد.

وذهب مالك إلى أن الأفضل الإتيان بالتشهد الذي علمه عمر I الناس وهو على منبره، وكان ذلك بحضرة الصحابة، فقد روى الإمام مالك في موطئه (490): «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ، يَقُولُ: قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ...»، وبقيته كتشهد ابن مسعود I، وإسناده صحيح.

والأرجح: تفضيل التشهد الذي ذكره ابن مسعود، فيكون العمل به أكثر، ويعمل بغيره أحيانًا، من باب تنوع العبادة.

 

([1]) معرفة العلل والرجال (1/355)، الاستذكار (4/87).

([2]) شرح مسلم (4/180)، فتح الباري (2/573، 576)، فتح الباري لابن رجب (7/317، 343)، بدائع الصنائع (1/163)، فتح القدير لابن الهمام (2/275).

([3]) المجموع شرح المهذب (3/457)، المغني (2/220)، فتح الباري لابن رجب (7/331).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=562