عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ I أَنَّ النَّبِيَّ H صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ, فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ, وَلَمْ يَجْلِسْ, فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ, حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ, وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ, كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ. وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ, قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ, ثُمَّ سَلَّمَ - أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ, وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
وَفِي رِوَايَةٍ لمُسْلِمٍ: «يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ, مَكَانَ مَا نَسِىَ مِنَ الْجُلُوسِ».
تخريج الحديث:
حديث عبد الله بن بحينة I: رواه البخاري (1224)، ومسلم (570).
وقَوْلُهُ: «وفي رواية لمسلم: «يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ...» هي كذلك رواية للبخاري (1230).
فقه الحديث:
لا خلاف بين أهل العلم أن الإمام إذا سهى فقام من الركعتين ولم يجلس في التشهد الأوسط أن المأموم يتبعه فيقوم معه، ففي حديث عبد الله بن بحينة I: «أَنَّ النَّبِيَّ H صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ». وذلك لأن التشهد الأوسط ليس من أركان الصلاة، فلا تبطل الصلاة بتركه سهوًا ـ كما سبق ذكره ـ، فلا يلزم على الإمام إذا نسيه واستوى قائمًا أن يعود للإتيان به، ولا يلزم على المأمومين الجلوس له والإتيان به إذا نسيه الإمام، فيتركونه ويتابعون إمامهم، ولا يختلفون عليه.
أجمع العلماء على أن الإمام إذا سها في صلاته، ثم سجد للسهو أن على المأموم متابعته، سواء سها معه أم انفرد الإمام بالسهو، وسواء سجد الإمام للسهو قبل السلام أم بعده، حتى لا يختلف المأموم على إمامه، فقد جُعل الإمام ليؤتم به، وفي حديث ابن بحينة I قال: «وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وفي الرواية الثانية: «وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، مَكَانَ مَا نَسِىَ مِنَ الجُلُوسِ»، وهنالك أدلة أخرى ستأتي بعضها قريبًا.
مذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد، واختيار ابن حزم: أن السنة للمصلي إذا كان إمامًا أو منفردًا وترك التشهد الأوسط سهوًا أنه يسجد لسهوه قبل أن يسلم، وهو الراجح؛ ففي حديث عبد الله بن بحينة I: «وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ». وروى الحاكم (1/325)، والبيهقي (2/344) وغيرهما عن عقبة بن عامر I: «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّاسِ، فَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَقَالَ النَّاسُ وَرَاءَهُ: (سُبْحَانَ اللَّهِ) فَلَمْ يَجْلِسْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَقَالَ: إِنِّي سِمِعْتُكُمْ تَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْمَا أَجْلِسَ، وَلَيْسَ تِلْكَ سُنَّةً، إِنَّمَا السُّنَّةُ الَّتِي صَنَعْتُهُ»، وإسناده صحيح، فقَوْلُهُ: «فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» ليس صريحًا بأنه سجد للسهو بعد السلام، فيحتمل أنه سجد قبل أن يسلم، فالصلاة انتهت، ثم سجد للسهو وسلم. وأيضًا حديث ابن بحينة أصح منه.
وجاء من حديث المغيرة بن شعبة I: «سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ»، رواه أحمد (4/248)، وأبو داود (1033)، والترمذي (362)، وفيه ضعف.
الذي عليه عامة العلماء: أن المصلي في سجدتي السهو يقول حين يسجد في الأولى: «الله أكبر» وحين يرفع منها، ويقول حين يسجد في الثانية: «الله أكبر» وحين يرفع منها؛ ففي حديث عبد الله بن بحينة I أن النبي H «يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ»، وكذا يسبح فيه كما يسبح في سجود الصلاة. وإنما تنازع العلماء في التشهد والسلام في سجدتي السهو، وسيأتي الكلام عليهما قريبًا إن شاء الله.
([1]) المغني (2/421).
([2]) بداية المجتهد (1/197)، فتح الباري (3/423).
([3]) المجموع شرح المهذب (4/109، 155)، الأوسط (3/307)، المغني (2/415)، المحلى [مسألة] (467).
([4]) المجموع شرح المهذب (4/161)، مجموع الفتاوى (23/45).