- وَعَنْ عُمَرَ I قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ, وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ». وَفِيهِ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ». وَهُوَ فِي «الْمُوَطَّأِ».
تخريج الأثر:
هذا الأثر عن عمر I قال عندما: «قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»، رواه البخاري (1077)، ورواه مالك في الموطأ (1/206)، وفي سنده عنده انقطاع.
فقه الأثر:
ثبت عن النبي H أنه سجد في أربعة مواضع: في (الانشقاق) و(النجم) و(العلق) و(ص)، وجاء عنه أنه قال: «فُضِّلَتْ سُورَةُ الحَجِّ بِسَجْدَتَيْنِ».
وأجمع العلماء على سجود التلاوة في سورة (الأعراف) و(الرعد) و(النحل) و(الإسراء) و(مريم) و(الفرقان) و(النمل) و(آلم تنزيل السجدة) و(حم السجدة) المعروف بـ (فصلت)، فقد ثبت عن ابن عمر وابن عباس M السجود في هذه المواضع كلها، وثبت عن عمر I أنه سجد في سورة (النحل)، وثبت عن علي I أنه قال: «عَزَائِمُ السُّجُودِ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعٌ: الم تَنْزِيلُ، وَحم السَّجْدَةُ، وَالنَّجْمُ، وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ»، وثبت عن ابن مسعود I السجود في سورة (الأعراف) و(الإسراء) و(فصلت) وفي سورة (السجدة).
قال الشيخ ابن عثيمين V: «ما صح من هذا السجود موقوفًا على الصحابة، فله حكم الرفع؛ لأن هذا من الأمور التي لا يسوغ فيها الاجتهاد؛ فهي توقيفية»، اهـ.
وجاء في الصحيحين عن ابن عمر L عن رسول الله أنه: «كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ، فَيَسْجُدُ، وَنَسْجُدُ مَعَهُ»، وفي رواية: «قَرَأَ
رَسُولُ اللَّهِ H الْقُرْآنَ، فَيَمُرُّ بِالسَّجْدَةِ، فَيَسْجُدُ بِنَا»، وهذا عام فيشمل جميع السجدات الموجودة في المصحف، والله أعلم.
اختلف العلماء في حكم سجود التلاوة، فقال بعضهم بوجوبه؛ لأن الشرع أمر به، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة I قال: قال رسول الله H: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبي كُرَيْبٍ: يَا وَيْلِي، أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ»، والشاهد قَوْلُهُ: «أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ»،
ولأن الله D ذم من لا يسجد فيها، فقال الله D: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَۤ ٢١ ﴾ [الانشقاق: ٢١].
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن سجود التلاوة مستحب وليس واجبًا، فقد ثبت عن النبي H أنه سجد في سورة (النجم)، وثبت عنه أنه لم يسجد فيها، فدل ذلك على أن سجود التلاوة ليس واجبًا، وأيضًا ما ثبت عن عمر I أنه قال: «فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»، وكان بحضرة الصحابة، ولم ينكر عليه أحد منهم.
وما جاء ظاهره الأمر بها؛ فهو للاستحباب؛ جمعًا بين الأدلة، أو يراد به السجود الواجب، ويحمل الذم في قوله E: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَۤ ٢١ ﴾ [الانشقاق: ٢١]، على الذين يتركون السجود تكبرًا لكفرهم وجحودهم، وأما المسلم فلا يتكبر عن السجود، فإذا تركه؛ فلا يأثم، وإن فعله؛ فهو الأفضل.
([1]) مصنف ابن أبي شيبة (1/377)، مصنف عبد الرزاق (3/335)، مراتب الإجماع (ص/131)، المغني (2/352، 357)، بداية المجتهد (1/223)، فتح الباري (3/255)، الشرح الممتع (4/140).
([2]) المجموع شرح المهذب (4/63)، المغني (2/364)، فتح الباري (3/264).