وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I أَنَّ النَّبِيَّ H قَالَ: «إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ, فَإِنَّ فِيهِمْ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ, فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة: رواه البخاري (703)، ومسلم (467).
فقه الحديث:
ذهب بعض أهل العلم منهم ابن حزم إلى أنه يجب على الإمام أن يخفف صلاته، ولا يجوز له التطويل في الصلاة، فقد أمر النبي H من أَمّ الناس أن يخفف، والأمر يقتضي الوجوب.
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن التخفيف في صلاة الجماعة مستحب، فالأمر فيه للاستحباب، فقد جاء عنه H أنه كان يطيل بهم الصلاة أحيانًا، فلو كان التخفيف واجبًا؛ لما أطال بهم رسول الله H في بعض الأحيان، فقد روى أحمد (2/26)، والنسائي (2/95) وغيرهما عن ابن عمر L قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يَأْمُرُنَا بِالتَّخْفِيفِ، وَإِنْ كَانَ لَيَؤُمُّنَا بِالصَّافَّاتِ»، وإسناده حسن.
وروى البخاري عن زيد بن ثابت I قال: «مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ H يَقْرَأُ بِطُولِ الطُّولَيَيْنِ»، وقد اتفق العلماء على أنها سورة الأعراف([2])، وهو الراجح، والله أعلم.
وضابط التخفيف يؤخذ من صلاة النبي H، فقد أمر بالتخفيف وقال: «وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، رواه البخاري. ولا يؤخذ التخفيف من اللغة؛ إذ لا حد له في اللغة يرجع إليه، ولا يؤخذ التخفيف من عرف الناس؛ لأن عرفهم فيه لا ينضبط، فعوائد الناس وأعرافهم في التخفيف متباينة ومختلفة، فعليه: ما كان النبي H يفعله؛ فهو الذي يستحب أن يفعله الأئمة، فقد كان النبي H يخفف صلاته في الغالب، وكان يطيل أحيانًا لوجود المصلحة، وهذا أحسن ما قيل في ضابط التخفيف.
قال الفقهاء: إذا صلى الشخص وحده؛ فيطيل كيف شاء، فليس في إطالة صلاته مشقة على أحد من الناس، وفي حديث أبي هريرة I: «فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ».
واستثنى الفقهاء بعض الصلوات التي يستحب فيها التخفيف على كل حال، كسنة الفجر، والركعتين المفتتح بهما صلاة الليل.
([1]) التمهيد (19/9)، طرح التثريب (2/348)، فتح الباري (2/433)، الإنصاف (2/240)، العدة للنصعاني (2/148)، المجموع الثمين للعثيمين (15/132).
([2]) فتح الباري (2/493).
([3]) الاستذكار (5/367)، فتح الباري (2/433)، فتح الباري لابن رجب (6/226).