وَعَنْ أَنَسٍ I قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ فَرَاسِخَ, صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديث:
حديث أنس I: رواه مسلم (691)، وقَوْلُهُ: «ثَلَاثَةِ أَمْيَال أَوْ فَرَاسِخَ»، شك من شعبة بن الحجاج أحد رواة السند.
فقه الحديث:
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا يقصر المسافر الصلاة إلا إذا خرج من بلدته وفارق العمران، فقد قال الله D: ﴿ وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ ﴾ [النساء: ١٠١]، فشرع الله D القصر إذا حدث الضرب في الأرض، والضرب: هو السير. وعن أنس I: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَال أَوْ فَرَاسِخَ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، فكان النبي H إنما يصلي ركعتين إذا خرج من المدينة.
وقَوْلُهُ: «مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَال أَوْ فَرَاسِخَ»، هذا شك، وهناك فرق بين الميل والفرسخ، فالفرسخ الواحد يساوي ثلاثة أميال، فعلى هذا ثلاثة فراسخ تساوي تسعة أميال، والميل يساوي كيلوا وسبعمائة متر تقريبًا.
وقد جاء من حديث أنس I في الصحيحين: «أَنَّ النَّبِيَّ H صَلَّى الظُّهْرَ بالمدينة أَرْبَعًا، وَصَلَّى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ»، فقصر النبي H في ذي الحليفة، وهي تبعد عن المدينة بنحو ستة أميال، فلم يقصر النبي H إلا بعد أن خرج من المدينة ووصل إلى ذي الحليفة.
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن القصر في السفر لا يشترط أن يكون في سفر طاعة، بل يشرع القصر في السفر ولو كان سفرًا مباحًا، كسفر للتجارة أو السياحة أو الدراسة المباحة؛ لأن الأدلة مطلقة، وليست مقيدة بسفر معين، كقوله D: ﴿ وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ ﴾ [النساء: ١٠١]، وقد ثبت عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يقصرون في السفر المباح.
وأما القصر في سفر المعصية؛ فقال جمهور العلماء: لا يشرع القصر فيه حتى لا يعان العاصي على معصيته.
وقال جماعة من السلف، ومذهب الحنفية والظاهرية: يشرع القصر أيضًا في سفر المعصية، فلا دليل على عدم جواز القصر في هذه الحالة، فقد ضرب في الأرض وخرج من موطنه، وهو الأرجح، والله أعلم، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
([1]) الأوسط (4/351)، المغني (3/111)، فتح الباري (3/279).
([2]) المحلى [مسألة] (513، 515)، المجموع شرح المهذب (4/346)، الأوسط (4/343)، المغني (3/115)، مجموع الفتاوى (24/105)، فتح الباري (3/268).