2024/12/21
عَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ, ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا,

وَعَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ, ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا, فَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ, ثُمَّ رَكِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ فِي «الْأَرْبَعِينَ» بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ: «صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ, ثُمَّ رَكِبَ».

وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي «مُسْتَخْرَجِ مُسْلِمٍ»: «كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ, فَزَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا, ثُمَّ ارْتَحَلَ».

(434) 11- وَعَنْ مُعَاذٍ I قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ H فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا, وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

تخريج الحديثين:

حديث أنس I: رواه البخاري (1111)، ومسلم (704). ورواه الحاكم في كتابه «الأربعين» بنفس الإسناد المذكور في الصحيحين، ساق سنده المؤلف في «فتح الباري» (3/296) بزيادة: «والعصر» وهي زيادة شاذة، فالحديث أصله في الصحيحين بدونها، لهذا قال المؤلف في كتابه «فتح الباري»: في ثبوتها نظر. ا.هـ

ورواه بهذه الزيادة أبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (2/294)، وكذلك البيهقي في سننه (3/162) انفرد بها إسحاق بن راهويه، وخالف أربعة من الرواة لم يذكروا زيادة «والعصر»، وقد أعل بعض العلماء هذه الزيادة بتفرد إسحاق بن راهويه([1])، ودافع الحافظ ابن حجر عليها وقال: ليس هذا بقادح فإسحاق إمام حافظ([2]). ا.هـ وهكذا صححها غيره([3])، والأقرب صحة هذا السند.

فإسحاق بن راهويه إمام حافظ يوازي الإمام أحمد، فلا ريب أن يحفظ ما فات جماعة.

حديث معاذ I: رواه مسلم (706).

فقه الحديثين:

المسألة الأولى: الجمع بين الصلاتين في السفر([4]):

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يشرع الجمع بين الصلاتين في السفر، جمع تقديم وجمع تأخير، فللمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر أو في وقت العصر، وله أن يجمع بين المغرب والعشاء في وقت المغرب أو في وقت العشاء، وسواء كان هذا المسافر سائرًا أم كان نازلًا مدة تقصر فيها الصلاة.

ودليلهم الآتي:

الأول: ما جاء في الصحيحين عن ابن عباس L قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ».

الثاني: حديث أنس I: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H إِذَا اِرْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا»، فكان النبي H يجمع بين الظهر والعصر في السفر جمع تأخير، أي: في وقت العصر، وجاء في رواية: «كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ، فَزَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ اِرْتَحَلَ»، أي: يصليهما جمع تقديم في وقت الظهر.

الثالث: ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر L قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ H إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ، يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ»، وهذا فيه الجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء.

الرابع: ما جاء عن جابر عند مسلم في حجة النبي H، وفيه: «فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ H حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ،... ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ... حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ...»، أي: جمع بين الظهر والعصر في عرفة في وقت الظهر، وجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة في وقت العشاء.

الخامس: حديث معاذ I: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ H فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيعًا»، وقد رواه أحمد (5/347)، وأبو داود (1206)، والنسائي (1/285) عن معاذ I وفيه: «أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ H عَامَ تَبُوكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا،، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا»، وهذا فيه أن النبي H جمع في سفره بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء وهو نازل غير سائر.

وقد جاء عند أحمد (5/241)، وأبي داود (1208)، والترمذي (553) من حديث معاذ I بأطول من هذا وفيه:«أَنّ النَّبِيَّ H كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيَهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبَ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ»، وهذا حديث شامل حسن؛ ففيه ذكر جمع التقديم والتأخير، لكنه حديث معل، أعله جماعة من كبار الحفاظ منهم البخاري وأبو داود وأبو حاتم والدارقطني([5]).

المسألة الثانية: أيهما أفضل جمع التقديم أم جمع التأخير([6])؟

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه بحسب حاجة ومصلحة المسافر، فما كان أصلح للمسافر وأرفق به؛ فهو الأفضل له، وذلك لأن الجمع شُرِع للتيسير والتخفيف على المسافر، فما كان أيسر له وأرفق من هذين الجمعين؛ فهو الأفضل له.

واعلم أن الجمع بين الصلاتين ليس من سنن السفر كسنة القصر، بل الغرض منه رفع الحرج والمشقة، لهذا يشرع في السفر ويشرع في الحضر، لوجود المطر أو الخوف أو المرض الشديد، وإذا تساوى عند المسافر كلا الجمعين؛ فجمع التأخير أفضل؛ لأن أدلته أكثر وأصح.

المسألة الثالثة: الموالاة بين الفريضتين عند الجمع بينهما([7]):

اختلف العلماء في هذه المسألة:

القول الأول: مذهب جمهور العلماء: يشترط في الجمع بين الفريضتين الموالاة بينهما، فلا يفصل بينهما عند الجمع بفاصل كبير، ولا بأس بالفاصل اليسير.

ودليلهم: أن الجمع بين الفعلين يقتضي الموالاة بينهما وعدم الفصل بينهما حتى يسمى جمعًا، ويعفى عن الفاصل اليسير.

واختلفوا في تحديد مقدار الفاصل اليسير، والأشهر عندهم: أن تقديره يرجع إلى العرف، فما عُدَّ في العرف فصلًا يسيرًا؛ فيصح معه الجمع بين الصلاتين، ولا يُعلم عن رسول الله H أنه فرق بين الصلاتين بفاصل طويل، وهو الأرجح.

القول الثاني: لا تشترط الموالاة بين الفريضتين، فيصح الجمع بينهما، ولو فصل بينهما بفاصل طويل، وهذا قول بعض فقهاء الشافعية، وهو رواية للإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وذلك لأن معنى الجمع: هو الضم، فالمراد بالجمع هنا: ضم وقت الصلاة الثانية إلى وقت الصلاة الأولى، فيكون الوقتان وقتًا واحدًا؛ فعليه: يمتد ويتسع وقت الفريضتين، فلا فرق بين أن يصليهما في وقت واحد مباشرة دون فاصل، وبين أن يصليهما في نفس الوقت مع وجود الفاصل.

وقواه ابن عثيمين وقال: والأحوط ألا يجمع بينهما إذا حصل الفصل الطويل([8]).

 

([1]) ميزان الاعتدال (1/183).

([2]) فتح الباري (3/296).

([3]) تلخيص الحبير (2/52).

([4]) المجموع شرح المهذب (4/371)، المغني (3/127)، الاستذكار (6/9)، زاد المعاد (1/480)، فتح الباري (3/292)، الشرح الممتع (4/550).

([5]) علل الدارقطني (6/42)، تلخيص الحبير (2/52).

([6]) المراجع السابقة، ومجموع الفتاوى (24/57)، الإنصاف (2/340).

([7]) المجموع شرح المهذب (4/255)، روضة الطالبين (1/397)، المغني (2/279)، مجموع الفتاوى (24/54)، الإنصاف (2/342).

([8]) الشرح الممتع (4/566).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=627