- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ L: أَنَّ النَّبِيَّ H كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا, ثُمَّ يَجْلِسُ, ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا, فَمَنْ أَنْبَأَكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا, فَقَدْ كَذَبَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديث:
حديث جابر: رواه مسلم (862).
فقه الحديث:
اختلف العلماء في حكم قيام الخطيب عند أدائه لخطبة الجمعة:
فمذهب الحنفية، والمذهب عند الحنابلة: يستحب ذلك؛ لأنه مجرد فعل من رسول الله H.
ومذهب الشافعية، ورواية لمالك، ورواية لأحمد: أنه شرط في صحة الجمعة، فلو خطب جالسًا بغير عذر لا تصح الخطبة، لمواظبة رسول الله H عليه، كما في حديث جابر بن سمرة وغيره.
وتوسط بعضهم فقال: يجب على الخطيب أن يخطب قائمًا، ولا يكون شرطًا في صحتها، وهو المذهب عند فقهاء المالكية، وعليه أكثرهم، وهو الأقرب، فإذا خطب الإمام جالسًا بغير عذر؛ فقد أساء، ويأثم، وتصح خطبة الجمعة، والله أعلم.
والدليل على أنه يجب عليه أن يخطب الجمعة قائمًا: ما جاء عن الصحابة من الإنكار على من خطب جالسًا بغير عذر، مع مداومة النبي H على الخطبة قائمًا، فلم ينقل عنه أنه خطب الجمعة جالسًا، فعن جابر بن سمرة I أن النبي H كان يخطب قائمًا ثم قال: «فَمَنْ أَنْبَأَك أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا، فَقَدْ كَذَبَ». وعن كعب بن عجرة I أنه دخل المسجد في الجمعة والخطيب يخطب قاعدًا فقال: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗا ﴾ [الجمعة: ١١]»([2]).
وليس هناك دليل على بطلان الجمعة إذا خطب الخطيب جالسًا بغير عذر، ولأن الغرض: حتى يشاهده الناس، فلم يؤثر الإخلال به. وأما إذا خطب جالسًا لعذر: إما لمرض، وإما لعجزه عن القيام؛ فلا بأس بذلك، فإن الصلاة تصح من القاعد لعذر، فالخطبة من باب أولى.
الجلوس بين الخطبتين يعتبر جلوسًا خفيفًا باتفاق العلماء.
وقد اختلف العلماء في حكم الجلوس بين الخطبتين، والصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة مستحب وليس بواجب، وقد كان النبي H يفصل بين الخطبتين بالجلوس، فعن جابر بن سمرة I قال: «إِنَّ النَّبِيَّ H كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا». وليس الفصل بين الخطبتين بهذا الجلوس واجبًا؛ لعدم وجود دليل عليه؛ فعليه: إذا لم يفصل بينهما بالجلوس، وإنما فصل بين الخطبتين بسكوت؛ فإن الخطبة صحيحة ولا شيء على الخطيب، ويكون مخالفا للسنة.
([1]) شرح مسلم (6/130)، المغني (3/170)، فتح الباري (3/63)، فتح الباري لابن رجب (8/246)، حاشية الدسوقي (1/379)، الإنصاف (2/397)، الفقه الإسلامي وأدلته (2/1305).
([2]) رواه مسلم (864).
([3]) شرح مسلم (6/130)، المغني (3/176)، أحكام الخطبة للحجيلان (ص/189).