وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ, وَالنَّبِيُّ H يَخْطُبُ، فَقَالَ: «صَلَّيْتَ?» قَالَ: لَا. قَالَ: «قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث جابر: رواه البخاري (931)، ومسلم (715).
فقه الحديث:
إذا كان الكلام لحاجة ومصلحة، كأن يُسكِت من يتكلم، أو يزجر من يزعج، أو يأمر من جلس أن يصلي تحية المسجد؛ فهذا لا بأس به، بلا خلاف بين الفقهاء؛ لأدلة منها:
الأول: ما جاء عن جابر I قال: «دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ H يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ».
الثاني: ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة I: «بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أيضًا أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ الله H يَقُولُ:...»، فهذا كلام دار بين عمر وهو الخطيب، وبين عثمان وهو من الحاضرين.
وأما إذا كان الكلام لغير حاجة ومصلحة؛ فقال بعض أهل العلم: يحرم ذلك.
وقال بعضهم: لا يحرم ذلك، فلا دليل على تحريمه، وهو مذهب الحنفية، والصحيح عند الشافعية، وقول بعض الحنابلة، وهو الأصح، لكن مع الكراهة، والله أعلم.
يسن لمن دخل والإمام يخطب أن يصلي ركعتين تحية المسجد قبل أن يجلس، ولا يكره ذلك، فقد: «دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ H يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ»، وهو الراجح، وهو مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرهم.
وأما ما جاء عند أحمد (4/188)، وأبي داود (1118)، والنسائي (3/103) عن عبد الله بن بسر I: «جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ H يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ H: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ»، وسنده صحيح، فظاهره: أن النبي H أمره بالجلوس ولم يصل بعد تحية المسجد.
والجواب عليه: أنه يحتمل أنه صلى تحية المسجد قبل ذلك، ثم أراد أن يتقدم وتخطى الرقاب، فأمره بالجلوس.
أو يحتمل أن هذا كان قبل الأمر بأداء تحية المسجد.
أو يقال: لم يأمره بأداء صلاة تحية المسجد؛ لأنها مستحبة وليست بواجبة، وقد أمر غيره بأدائها وهو يخطب الجمعة.
فائدة: من دخل المسجد عند أذان الجمعة؛ فالأفضل له أن يصلي تحية المسجد والمؤذن يؤذن حتى يتفرغ بعد ذلك لاستماع الخطبة، وذلك لأن ترديد الأذان مستحب، والإنصات لخطبة الجمعة واجب؛ فيقدم الواجب([3]).
([1]) المجموع شرح المهذب (4/522)، المغني (3/196)، بدائع الصنائع (1/265)، الإنصاف (2/417).
([2]) المجموع شرح المهذب (4/522)، المحلى (5/68)، المغني (3/192).
([3]) فتاوى أركان الإسلام للعثيمين (ص/285).