وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ, أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ: إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ, حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ, فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ H أَمَرَنَا بِذَلِكَ: أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديث:
حديث السائب بن يزيد: رواه مسلم (883).
فقه الحديث:
قال جمهور أهل العلم: يستحب لمن أراد أن يصلي سنة الجمعة البعدية بعد صلاة الجمعة مباشرة أن يفصل بينهما بكلام، أو تحول من المكان الذي صلى فيه فريضة الجمعة؛ لما جاء عن معاوية I أنه قال للسائب بن يزيد I: «إِذَا صَلَّيْتَ الجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ، حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ» وذكر أن النبي H أمر بذلك.
واستحب جمهور الفقهاء أن يفصل بين أي صلاة مفروضة ونافلتها البعدية بكلام أو تحول، بلا فرق بين صلاة الجمعة أو غيرها من الصلوات المفروضة، فقد قال معاوية: إن رسول الله قال: «أَمَرَنَا بِذَلِكَ: أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ»، فقَوْلُهُ: «لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ» لفظ مطلق ينطبق على كل صلاة، فيفصل المصلي بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال من المكان، والفصل بالكلام إما بذكر من الأذكار أو بغيره من الكلام، والفصل بالانتقال يكون بالتحول من المكان الذي صلى فيه الفريضة إلى مكان آخر في المسجد أو في خارج المسجد، وقد صح عن ابن عباس L أنه كان يأمر من صلى الفريضة وأراد أن ينتفل بعدها ألا ينتفل حتى يتكلم أو يتقدم([2]).
والغرض من هذا النهي: حتى تتميز الفريضة عن النافلة، فلا تلتبس النافلة بها، وحتى لا يزاد في الفريضة ما ليس منها.
وزاد بعض أهل العلم: ولأجل تكثير مواضع السجود، والله أعلم.
459 18- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «مَنِ اغْتَسَلَ, ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ, فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ, ثُمَّ أَنْصَتَ, حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ, ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ: غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى, وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة I: رواه مسلم (857).
فقه الحديث:
يستحب لمن حضر الجمعة أن يستعد لها بالآتي:
ذهب جمهور الأئمة إلى أن صلاة الجمعة ليست لها سنة راتبة قبلية، لعدم ثبوتها عن رسول الله لا من قوله ولا من فعله، ولا بأس بالتنفل المطلق قبل الأذان للجمعة، فقد قال النبي H: «مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ -أي صلى ما شاء أن يصلي بحسب قدرته-، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ –أي: إذا خرج الإمام بعد ذلك أنصت لخطبته-».
ظاهر الأحاديث: أن الواجب على من حضر الجمعة الإنصات وترك الكلام، حتى يسكت الخطيب وينتهي من كل كلامه، بما فيه الدعاء إذا دعا في آخر الخطبة.
ومن هذه الأدلة: حديث أبي هريرة I وفيه: «ثُمَّ أَنْصَتَ، حَتَّى يَفْرُغَ الإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ»، والدعاء ما دام متصلًا بالخطبة؛ فهو منها، وهو الظاهر من مذهب الحنفية والمالكية، وهو وجه للحنابلة، فلا يجوز الكلام حتى ينزل الإمام من المنبر، وهو الأصح.
ولا يحرم الكلام بين الخطبتين عند جلوس الإمام، لأن الأدلة دلت على وجوب الإنصات والإمام يخطب، وإذا جلس الإمام بين الخطبتين؛ فإنه يسكت ولا يخطب. والغرض من الإنصات: لأجل الاستفادة والاستماع لخطبة الإمام، وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية والحنابلة، وهو قول عند الحنفية، واختاره ابن حزم، والأحوط السكوت؛ لأنه فصل يسير، وأيضًا خروجًا من خلاف العلماء.
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الإشارة تجوز من المستمع والإمام يخطب، لأنها ليست بكلام، وإنما حرم على المستمع الكلام والإمام يخطب، ولأنها في الصلاة جائزة؛ فمن باب أولى في الخطبة.
فلا بأس أن يشير المستمع والإمام يخطب، إما بيده وإما بعينه وإما برأسه إذا وجدت حاجة لذلك.
([1]) المجموع شرح المهذب (3/490)، المغني (2/257)، فتح الباري (2/605)، فتح الباري لابن رجب (7/430)، (8/325)، الإنصاف (2/179)، رسالة النافلة بعد الفريضة، د/ زيد الزيد.
([2]) رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار (4/410).
([3]) المجموع شرح المهذب (4/536)، شرح مسلم (6/118)، المغني (3/230)، فتح الباري (3/17، 23)، فتح الباري لابن رجب (8/119).
([4]) مجموع الفتاوى (24/189)، زاد المعاد (1/432)، الإنصاف (2/406).
([5]) المغني (3/200)، المجموع شرح المهذب (4/523)، المحلى [مسألة] (532)، الإنصاف (2/417)، فتح الباري لابن رجب (8/283)، الشرح الممتع (5/143)، أحكام خطبة الجمعة (ص/460)..
([6]) انظر المراجع السابقة.