- وَعَنْ جَابِرٍ I قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا جُمُعَةً. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
تخريج الحديث:
حديث جابر: رواه الدارقطني (2/4)، والبيهقي (3/177)، وفي سنده
عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي، وهو متروك، فالحديث ضعيف جدًّا.
فقه الحديث:
ذهب جماعة من أهل العلم، منهم أكثر فقهاء الشافعية والحنابلة: إلى أنه يشترط في الجمعة حتى تقام أن يحضرها على الأقل أربعون رجلًا، فلو حضر أقل من هذا العدد؛ فلا تصح منهم جمعة، وإنما يصلون ظهرًا، عملًا بما جاء في حديث جابر I: «مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا جُمُعَةً»، والمراد بالسنة هنا: سنة النبي H. واستدلوا أيضًا بما رواه أبو داود (1069) وغيره عن كعب بن مالك I: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ،... قَالَ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا -في المدينة- فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ، قُلْتُ: كَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ»، وإسناده حسن.
لكن هذا القول مرجوح؛ لأن حديث جابر I إسناده ضعيف جدًّا، وحديث كعب بن مالك I ليس فيه ما يدل على اشتراط حضور الأربعين في الجمعة، وإنما فيه أن عدد من حضر الجمعة الأولى في المدينة كانوا أربعين رجلًا.
وذهب جماعة من أهل العلم، وهو المشهور عند الحنفية، ورواية للمالكية ورواية لأحمد: إلى أنها تنعقد بأربعة: إمام، وثلاثة يستمعون الخطبة، وذلك لاشتراط الجماعة في الجمعة، وأقلها ثلاثة يجتمعون على الإمام.
وذهب جماعة من أهل العلم، منهم الظاهرية: إلى أن الجمعة تنعقد باثنين قياسًا على صلاة الجماعة، فصلاة الجماعة تنعقد باثنين؛ فكذلك الجمعة.
وذهب جماعة من الأئمة، ورواية لأحمد وبعض فقهاء الحنفية، واختاره ابن تيمية: إلى أن الجمعة تنعقد بثلاثة، فإذا حضر ثلاثة رجال أقيمت بهم الجمعة، وإذا كانوا أقل من ذلك؛ فلا تصح منهم جمعة.
واستدلوا بأمرين:
الأول: قوله E: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٩ ﴾ [الجمعة: ٩]، فاحتوت هذه الآية على ثلاثة مطالب: الأول: منادي، والثاني: ساعي، والثالث: مذكر بالله D، فيستفاد من هذه الآية: أن الثلاثة تتحقق بهم الجمعة.
الثاني: أن الجمعة يشترط لها الجمع، وأقل الجمع ثلاثة، وهو الأرجح، واختاره علماء اللجنة الدائمة([2]).
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا يشترط المصر الجامع ـ أي المدينة ـ لأداء الجمعة، بل تقام أيضًا في القرى، فلا دليل على أن الجمعة لا تقام إلا في المصر أو المدن، وأنها لا تصح في القرى، وأن من أراد الجمعة وهو في القرية فيذهب إلى المدينة، وإلا فلا جمعة له، بل قد جاء في البخاري عن ابن عباس L قال: «إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ الله H فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ»، وجواثى: قرية في البحرين. ولا زال عمل الناس قديمًا وحديثًا على هذا.
لا دليل على أنه يشترط لصحة الجمعة أن تقام في المسجد، فتصح الجمعة ولو أقيمت في غير المسجد، كما لو أقيمت في ساحة، أو في حديقة من البلدة، وهذا عليه جمهور أهل العلم، وإن كان الأفضل عند جميع أهل العلم أن تقام الجمعة في المسجد؛ لأن هذا الذي كان يفعله النبي H والخلفاء بعده.
فعليه: لو ازدحم الناس ولا يكفي المسجد لهم، وأرادوا أن يصلوا خارج المسجد، أو كان المسجد قد ابتل بعد مطر، أو انهدم، أو كانت هنالك حرارة شديدة؛ فلا بأس أن يصلوا خارج المسجد.
([1]) المجموع شرح المهذب (4/503)، المحلى [مسألة] (522)، بدائع الصنائع (1/268)، الإنصاف (2/378)، فتح الباري لابن رجب (8/137)، الأخبار العلمية للبعلي (ص/79).
([2]) مجلة البحوث (15/85).
([3]) انظر المراجع السابقة.
([4]) المجموع شرح المهذب (4/501)، بداية المجتهد (1/160)، الإنصاف (2/378)، فتاوى اللجنة الدائمة (8/209)، الفقه الإسلامي وأدلته (2/1294).