وَعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ, عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ, أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا, فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ, فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ H أَنْ يُفْطِرُوا, وَإِذَا أَصْبَحُوا يَغْدُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ -وَهَذَا لَفْظُهُ- وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
تخريج الحديث:
حديث أبي عمير بن أنس عن بعض عمومته من الصحابة: رواه أحمد (5/57)، وأبو داود (1157)، والنسائي (3/199)، وابن ماجه (1653)، وإسناده صحيح.
فقه الحديث:
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا بد من شاهدين على الأقل يشهدان أنهما رأيا هلال شوال حتى يفطر الناس، وإذا رآه شاهد واحد فلا يفطر الناس بشهادته.
ودليلهم الآتي:
لا خلاف بين أهل العلم أنه يلزمهم الإفطار، ولا خلاف بينهم – أيضًا - أن الناس إذا علموا بدخول العيد في النهار قبل زوال الشمس – أي: قبل دخول وقت الظهر - أنهم يذهبون إلى المصلى، ويقيمون صلاة العيد.
واختلفوا فيما إذا علموا بدخول العيد في النهار بعد زوال الشمس، فقال بعض أهل العلم: تسقط عنهم الصلاة ولا تقضى.
وقال جمهور العلماء: يذهبون إلى المصلى من اليوم الثاني، ويقضون صلاة العيد، وهو الراجح، فقد شهد بعض الناس على عهد النبي H أنهم رأوا الهلال، فأمر النبي H الناس بالإفطار، وأمرهم – أيضًا - أن يخرجوا إلى مصلاهم من الغد لأداء صلاة العيد، كما في حديث أبي عمير بن أنس.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يسن له أن يقضي صلاة العيد؛ لعموم قوله H: «إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» متفق عليه من حديث أنس I. وفي حديث أبي عمير: «وَإِذَا أَصْبَحُوا يَغْدُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ».
واختلفوا فيمن فاتته صلاة العيد: هل يصليها، أربعًا أم يصليها ركعتين؟
فقال جماعة من أهل العلم: يصليها أربعًا كمن فاتته صلاة الجمعة.
وقال جماعة من أهل العلم: يصليها ركعتين؛ لأنه الأصل، ولا دليل على أنها تقضى أربعًا.
ومن فاته الجمعة يصلي أربعًا؛ لأنه لا يقضي الجمعة، وإنما يصلي مكانها ظهرًا، وهو الراجح. وهو مذهب مالك والشافعي، ورواية لأحمد، وتقضى كيفما أمكن في جماعة أو فرادى.
اختلف العلماء في حكم صلاة العيد للرجال، فقال بعضهم: صلاة العيد واجب عيني على كل ذكر، بالغ، عاقل، مقيم، صحيح، وهو مذهب الحنفية، ورواية لأحمد، واختاره جماعة من المحققين كابن تيمية وابن القيم، وذلك لأن النبي H أمر بصلاة العيد، ففي حديث أبي عمير أن النبي H أمر الناس أن يفطروا وأمرهم بالذهاب إلى مصلاهم لأداء صلاة العيد، والأمر يقتضي الوجوب.
وذهب جمهور العلماء إلى أن صلاة العيد سنة مؤكدة وليست واجبة، فإذا تركها الناس لا يأثمون.
ودليلهم: ما جاء في الصحيحين: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ الله عَلَى العِبَادِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ»، فبين النبي H الصلوات الواجبة على الأعيان وهي خمس صلوات، فلو وجبت صلاة العيد على كل فرد؛ لكان هناك صلاة سادسة مفروضة.
وتوسط جماعة من أهل العلم فقالوا: صلاة العيد من فروض الكفاية، إذا لم يصلِ أهل البلدة صلاة العيد أثموا، وإذا صلاها بعضهم لم تجب على البقية وكانت سنة مؤكدة في حقهم، وهو الصحيح عند الحنابلة، وقول بعض فقهاء الحنفية والشافعية؛ جمعًا بين الأدلة، فالأمر بها يكون دليلًا على وجوبها، ولا تكون واجبة على كل فرد؛ لأن النبي H بيَّن أن الواجب من الصلوات على الأفراد خمس صلوات فقط، فتكون صلاة العيد من الواجبات الكفائية كصلاة الجنازة، وهو الأرجح، والله أعلم. ومن تركها من غير عذر كان متساهلًا ومتهاونًا بهذه العبادة التي هي من شعائر الإسلام.
([1]) المجموع شرح المهذب (6/281)، المغني (4/419)، بداية المجتهد (1/286).
([2]) الأوسط (4/295)، المحلى [مسألة] (552)، المغني (3/289)، فتح الباري لابن رجب (8/463).
([3]) المجموع شرح المهذب (5/29)، المغني (3/284)، فتح الباري لابن رجب (9/75).
([4]) المجموع شرح المهذب (5/3)، المغني (3/253)، مجموع الفتاوى (23/161)، المحلى [مسألة] (547)، فتح الباري لابن رجب (8/424).