عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ
(523) 02- وَعَنْ حُذَيْفَةَ I قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ H أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ, وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا, وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ, وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(524) 03- وَعَنْ عُمَرَ I قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ H عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ, أَوْ ثَلَاثٍ, أَوْ أَرْبَعٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
تخريج الأحاديث:
حديث أبي عامر: أو أبي مالك الأشعري I ـ هكذا بالشك ـ رواه البخاري (5590) معلقًا عن شيخه هشام بن عمار، ووصله أبو داود (4039) وغيره، وإسناده حسن.
حديث حذيفة I: رواه البخاري (5632)، ومسلم (2067)، إلا أن قوله: «وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» انفرد به البخاري (5837).
حديث عمر I: رواه البخاري (4828)، ومسلم (2069). وقَوْلُهُ: «أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ»، زادها مسلم في رواية.
فقه الأحاديث:
الحرير هو نسيج دودة القز، والخالص: أي الصافي الذي ليس مشوبًا بغيره.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يحرم على الرجال لبس الحرير الخالص، إلا موضع أصبعين أو ثلاث أصابع أو أربع أصابع، أي: منفردة؛ فقد ثبت النهي عن لبس الحرير للرجال في عدة أحاديث:
منها: حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري أن النبي H قال: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَّ وَالحَرِيرَ»، والحر: الفرج، وهو كناية عن الزنا. والحرير: نسيج دودة القز. «يَسْتَحِلُّونَ الحِرَّ وَالحَرِيرَ» أي: يجعلونه حلالًا، مع أنه في الأصل محرم.
ومنها: ما جاء من حديث حذيفة «وَإِنَّ النَّبِيَّ H نَهَانَا عَنِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ». والديباج: نوع من أنواع الحرير؛ فهذا من عطف الخاص على العام، والمقصود بالنهي هم الرجال، لأن النساء يباح لهن لبس الحرير بلا خلاف - كما سيأتي -.
ويباح للرجل أن يلبس من الحرير بقدر أصبعين أو ثلاث أو أربع، وهذا من التيسير في الشريعة، ومثل هذا القدر يمكن أن يوجد في أطراف الثوب في جيبه أو كمه.
وأما ما يسمى بالحرير الصناعي؛ فلا ينهى عنه؛ لأنه ليس مأخوذًا من دودة القز، وإنما هو مصنع من غيرها، فحكمه كحكم بقية الأقمشة.
ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يحرم على الرجال والنساء الجلوس على بساط الحرير، فقد نهى النبي H عنه، ففي حديث حذيفة I: «وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ»، ولم يفرق بين الذكور والإناث، فهو نهي مطلق وليس مقيدًا بالرجال وحدهم.
وذهب جمهور العلماء إلى أنه يحرم على الرجال الجلوس على بساط الحرير، ويجوز للنساء الجلوس عليه.
والمقصود بالنهي في هذا الحديث: الرجال، أما المرأة فكما يجوز لها لبسه يجوز لها الجلوس عليه، وأيضًا الجلوس يطلق عليه لبسًا، ففي الصحيحين عن أنس I قال: «فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ»، أي: قد صار أسود من كثرة ما جُلِس عليه، لأن الحصير لا يلبس، وإنما يجلس عليه، وهو الراجح.
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الرجل إذا صلى في ثوب الحرير أنه يأثم ولا تبطل صلاته، فالنهي عن لبس الحرير للرجال ليس متعلقًا بذات الصلاة أو بشرطها أو بركنها، وإنما هو متعلق بأمر خارجي، لهذا لا يجوز لبسه في الصلاة ولا في خارجها.
([1]) التمهيد لابن عبد البر (14/249)، شرح مسلم (14/33، 43)، مجموع الفتاوى (28/28)، فتح الباري (11/470، 475، 482).
([2]) المجموع شرح المهذب (4/321)، حاشية ابن عابدين (9/432)، مجموع الفتاوى (21/84)، فتح الباري (11/472)، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة (ص/124).
([3]) المجموع شرح المهذب (3/180)، المغني (2/303).