2024/12/22
عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِيِّ وَالْمُعَصْفَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَلِيٍّ I: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِيِّ وَالْمُعَصْفَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(530) 09- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ L, قَالَ: رَأَى عَلَيَّ النَّبِيُّ H ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ, فَقَالَ: «أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا?». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

تخريج الحديثين:

حديث علي: رواه مسلم (2078).

وحديث عبد الله بن عمرو: رواه مسلم (2077).

فقه الحديثين:

المسألة الأولى: لبس الثوب المعصفر([1]):

وهو الثوب المصبوغ من نبات العصفر، وهو صبغ أحمر، وقد نهى النبي H عن لبسه. وجاءت أحاديث ظاهرها تجويز لبس الثوب المعصفر، ففي الصحيحين عن ابن عمر L قال: «وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ H يَصْبُغُ بِهَا»، وفي الصحيحين عن البراء I قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ H فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ»، وبنحوه من حديث أبي جحيفة I.

وقد أخذ بها جماعة من أهل العلم فقالوا: لا بأس في لبس الثوب المعصفر للرجال، وردوا على ما جاء من النهي عن لبسه: بأن النهي فيها خاص ببعض الصحابة، وليس نهيًا لجميع الأمة، فقد جاء في صحيح مسلم عن علي I قال: «لا أقول نهاكم وإنما نهاني رسول الله».

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يحرم على الرجل لبس الثوب المعصفر، وهو قول بعض فقهاء الحنفية، وبعض فقهاء الشافعية، وقول ابن حزم وابن تيمية وابن القيم واختاره، الشوكاني([2]) وابن عثيمين([3])، وذلك لأن النبي H نهى عن لبس المعصفر، والنهي يقتضي التحريم.

ونهي النبي H بعض الصحابة يكون عامًا لجميع الأمة، إلا بدليل يدل على الخصوصية، وقد دل على العموم حديث عبد الله بن عمرو L، وأيضًا العلة من النهي عن لبسه تدل على تحريم ذلك، فقد قال النبي H لعبد الله بن عمرو L موبخا له: «أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟»، أي: أن هذا من لباس وزي النساء، فهل أمك هي التي ألبستك هذا؟ ففي لبسه تشبه بالنساء، ولا يجوز للرجل التشبه بالنساء. وجاء في صحيح مسلم في رواية أن النبي H قال لعبد الله بن عمرو: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا»، والتشبه بالكفار لا يجوز.

والرد على الأدلة التي يظهر منها جواز لبس المعصفر بأنها خاصة بالنبي H، فكان النبي H يلبس الثوب المعصفر، وينهى الصحابة عن لبسه، أو يحمل على أنها كانت مصنوعة من غير مادة العصفر، فالحلة حمراء، لكنها ليست من نبات العصفر، والصبغة الصفراء التي كان النبي H يصبغ بها لم تكن من مادة العصفر.

والمشهور عند الحنابلة، والمشهور عند الحنفية: أنه يكره للرجال لبس الثوب المعصفر؛ جمعًا بين الأدلة.

والأرجح القول الثاني: أنه يحرم على الرجال لبس الثوب المعصفر، فأدلتهم ظاهرة في التحريم، والأدلة المعارضة لها يمكن الرد عليها.

وأما النساء؛ فلا خلاف بين العلماء في جواز الثوب المعصفر لهن.

المسألة الثانية: لبس القسي([4]):

القسي: قيل: هو الثوب من الحرير الخالص. وقيل: هو الثوب المصنوع من الحرير وغيره، ويكون الحرير فيه أكثر من غيره؛ وعلى كلا التفسيرين يحرم لبسه للرجال، كما سبق ذكره.

المسألة الثالثة: لبس الثوب الأحمر([5]):

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يجوز للرجل لبس الثوب الأحمر، فقد جاء في الصحيحين عن البراء أنه قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ H فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ»، وجاء من حديث أبي جحيفة I نحوه.

وقد جاءت أحاديث ضعيفة فيها النهي عن لبس الثوب الأحمر، منها ما رواه أبو داود (4069): «مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ H رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ»، وجاء في الصحيحين عن البراء قال: «نَهَانَا النَّبِيُّ H... والْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ»، والمياثر: الحمر، هي ريش يجعلها الراكب تحته ولونها أحمر. وحملوا ما جاء من النهي عن لبس الثوب الأحمر وعن افتراشه: على المنسوج من الحرير، أو من العصفر، أو أن النهي عنها إذا كان فيها تشبه بالكفار أو تشبه بالنساء، أو يكون النهي للكراهة؛ جمعًا بين الأدلة، وهو الراجح.

المسألة الرابعة: لبس الرجل لثوب المرأة والعكس([6]):

اتفق العلماء - إلا من شذ - على أنه لا يجوز للرجل لبس ثياب المرأة، ولا يجوز للمرأة أن تلبس ثياب الرجل، فقد روى أحمد (2/325)، وأبو داود (4100)، والنسائي في الكبرى (9253)، وابن ماجه (1903) عن أبي هريرة I: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H لَعَنَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَةَ الرَّجُلِ»، وإسناده صحيح. وفي البخاري عن ابن عباس: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ H الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ». وفي حديث عبد الله بن عمرو أن النبي H نهاه عن ثوب العصفر؛ لأنه من لباس النساء، فقد قال له: «أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟» أي: بلبسه.

والرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أخلاق وصفات النساء بحسب تشبهه، وقد يفضي الأمر به إلى التمكين من نفسه، والمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم وصفاتهم ما يفضي إلى التبرج وإظهار البدن والمخالطة للرجال، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء.

ولا بأس أن يلبس الرجل ثوب المرأة عند الضرورة، وأن تلبس المرأة ثوب الرجل عند الضرورة كذلك، كما جاز للرجل لبس الحرير الخاص بالنساء عند الحاجة للتداوي به.

 

([1]) الاستذكار (26/169)، المحلى [مسألة] (424)، شرح مسلم (14/46)، حاشية ابن عابدين (9/436)، اقتضاء الصراط المستقيم (1/322)، الإنصاف (1/481)، عون المعبود مع تهذيب السنن (11/79).

([2]) نيل الأوطار (2/94).

([3]) الشرح الممتع (2/217).

([4]) فتح الباري (11/475).

([5]) المغني (2/301)، شرح مسلم (14/27)، مجموع الفتاوى (22/128)، فتح الباري (11/489)، حاشية ابن عابدين (9/436)، نيل الأوطار (2/92).

([6]) شرح مسلم (14/137)، فتح الباري (11/52)، مجموع الفتاوى (22/145-155)، زاد المعاد (4/77)، المفهم للقرطبي (5/515)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/155).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=695